تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 35 سنة. لدي 3 أطفال. منذ ثلاثة أشهر شخص لدي الأطباء حالة حمل خارج الرحم. وقد ساورني حينها خوف شديد. لكنهم طمأنوني إلى أن حالتي طفيفة لا تتطلب الجراحة وقاموا بعلاجي ببعض الحقن. عندما أحكي قصتي لصديقاتي يشككن فيها ويعتبرن أن العلاج يكون دائما بالجراحة. أرجو أن توضحوا لي مختلف طرق علاج الحمل خارج الرحم وهل يمكن فعلا علاجه بالشكل الذي ذكرت لكم؟ ثم ما هي الأعراض حتى أنتبه لها مستقبلا لأني قرأت في زاوية الأسبوع الماضي أن هذا الحمل قابل للتكرار؟ . يمكن أن يتم علاج الحمل خارج الرحم ببعض المواد الكيماوية فقط دون أن يتطلب الأمر بالضرورة الخضوع للجراحة، كما يعتقد ذلك غالبية الناس. بل هناك بعض الحالات التي لا تستدعي من الطبيب سوى المراقبة إلى أن يستقر الوضع الصحي للمرأة ويتم الاطمئنان بأن الأمور قد عادت إلى نصابها. وهذه حقيقة قد تخفى حتى على بعض الأطباء خصوصا وأن بدائل العلاج في مجال الحمل خارج الرحم في تطور مثير، وأحيانا قد يكف المرء عن ملاحقة ما يجد منها بشكل منتظم ومحين. فإذا كانت الحالات الخطيرة للحمل خارج الرحم في تناقص مستمر، فإنها مع ذلك لازالت تطرح عدة صعوبات سواء من حيث حسم التشخيص أو من حيث تحديد نوعية العلاج الملائم للحالة، خصوصا وأن هناك باقة من العلاجات تتمايز بينها تمايزا كبيرا فتختلف تجاهها تقديرات الأطباء بنفس درجة التمايز تلك. ونود من خلال هذا الجواب أن نوضح لماذا تظل بعض الحالات غير محسومة ولماذا تحير بعضها الأطباء الذين لا يستطيعون أحيانا الجزم إن كانوا فعلا أمام حالة حمل خارج الرحم أم لا؟ مشاكل التشخيص تبدأ المشكلة على مستوى الأعراض التي تعلن الحالة حيث يمكن القول إن اللوحة السريرية متنوعة جدا. لذلك دأب الأطباء على اعتبار كل امرأة ثبت حملها من خلال اختبار البول وتعاني من أعراض أيا كان نوعها مرشحة لأن تكون ذات حمل خارج الرحم خصوصا إذا كانت تجمع بعض عوامل الخطورة المؤدية نحو هذا الوضع. ولعله لا يفوتني القول إن هذا الموقف من الأطباء يدخل في باب الاحتياط حتى لا تفلت أي حالة من قبضتهم. إن الشكل الإكلينيكي العادي معروف لدى الجميع. لكنه أضحى نادرا جدا لأنه يمثل حملا متطورا أدى إلى انفجار قناة فالوب، المكان المفضل لمثل هذا الحمل الشاذ. لذلك فإن التشخيص المبكر يظل صعبا وذا أهمية قصوى في نفس الآن لأنه يمكن من علاج مبكر ومن حفظ لرصيد الخصوبة عند المرأة. فعندما يحدث حمل داخل قناة فالوب، أي خارج تجويف الرحم بسبب تلف للقناة أدى لانغلاقها أو تضيقها أو بسبب التصاقات والتواءات لهذه القناة نتيجة التهابات الحوض أو التهاب الزائدة الدودية ، يؤدي نمو هذا الجنين الشارد المنغرس بالقناة إلى عدة أعراض متباينة حسب المسار الذي قدره الله لهذا الحمل. في بعض الحالات السهلة يلتبس الأمر على المرأة فتعتقد خاطئة أنها وقعت ضحية إجهاض لا غير. لأن الحمل خارج الرحم قد يسقط بسرعة ويتم احتواؤه بنجاح داخل حوض المرأة قبل فوات موعد العادة الشهرية التي تكون أعراضها أكثر حدة لا غير، كأن يحدث نزيف بسيط أو ألم عابر. غالبا تمر هذه الحالات في غفلة من الجميع ولا يتم تشخيصها. لكن إذا لم يمت هذا الحمل، فإنه يقوم بداية بمناوشة بعض العروق الدموية للقناة فيتسبب في بعض النزيف وبعض الآلام. إذا تم التشخيص خلال هذه المرحلة يمكن اقتراح علاج يحافظ على قناة فالوب هاته ويدخرها للأيام المقبلة، أما إذا ترك الحبل على الغارب فإن هذا الجنين ينمو إلى أن يضيق به « صدر» القناة فتتمزق مما يؤدي إلى نزيف داخلي شديد وهبوط في الدورة الدموية وآلام مبرحة. ماهي الأعراض ؟ نحتمل الحمل خارج الرحم لدى كل امرأة في سن الإنجاب وتعاني من آلام بالبطن. يمكن أن يرافق هذا الألم الذي بدأ بصورة مباغتة نزيف داخلي وعموما يتم تشخيص الحالات بين الأسبوع السادس والأسبوع العاشر من خلال مجموعة الأعراض التالية : غياب العادة الشهرية أو تأخرها مما يعتبر دليلا على حصول الحمل خصوصا عندما تكون هناك علامات أخرى كالقيئ وانتفاخ الثدي... الخ. وكذلك وجود ألم بمنطقة الحوض ومن جانب واحد. وخصوصا إذا كان هذا الألم مصحوبا بنزيف مهبلي يختلف في لونه وحجمه عن نزيف العادة الشهرية. فهو نزيف غامق يميل إلى السواد. هذه العلامات الثلاث هي حجر الزاوية في تشخيص الحمل خارج الرحم، لكن أحيانا تكون هناك علامات خادعة أو مضللة لا ينبغي الاستهانة بها من قبيل: آلام بمنطقة الكتف تهيج المثانة وتكرار البول مع شعور بالآلام في المنطقة القطنية آلام بمنطقة الشرج وغثيان وقيء شديدان. وفي بعض الأحيان تأتي المريضة في حالة هبوط حاد للضغط الدموي حيث تكون شاحبة تكاد تخلو من الدم مع خفقان شديد للقلب وغثيان وإسهال مما يتطلب إخضاعها للمبضع فورا ودون تأخر. يشك الطبيب أكثر في الحمل خارج الرحم من خلال لمسة المهبل حيث يلمس كتلة بجانب الرحم تشي بأن الجنين قد أخطأ موقعه واستقر خارج الرحم بإحدى قناتي فالوب. الاختبارات التكميلية كل هذه الأعراض تعد قرائن على الحمل خارج الرحم وليست دليلا قاطعا. لذلك لابد من حسم التشخيص باختبارات تكميلية. وكما تدل على ذلك تسمية الحمل خارج الرحم يتعين على الطبيب بكل بساطة أن يثبت أمرين اثنين: أولهما أن هناك حملا لدى المرأة وثانيهما أن هذا الحمل يوجد خارج الرحم. إثبات الحمل : ويتم من خلال فحص بعض الهرمونات التي تفرزها المرأة وجوبا خلال الحمل سواء في البول أو الدم. فعندما يكون هذا الاختبار إيجابيا تكون المرأة حاملا فيبقى فقط معرفة مكان الحمل. مكان الحمل : ويتم تحديده من خلال فحص بالصدى خصوصا إذا تم هذا الفحص عبر المهبل الذي يجود برؤية أوضح وبصور أدق. وعموما يمكن التأكد من التشخيص ما بين الأسبوع 6 والأسبوع 8 من الحمل من خلال مشاهدة رحم خاوي الوفاض لا جنين بداخله الذي يرصده جهاز الفحص بالصدى على غير العادة بمحاذاة الرحم في قناة فالوب. هذه الصورة للتبسيط فقط فالأمور ليست دائما واضحة هكذا لكن الطبيب يستطيع من خلال المزاوجة بين معطيات الفحص السريري ومعطيات الفحص البيولوجي والإشعاعي أن يتوصل إلى التشخيص القاطع لأغلب الحالات، وفي بعض الأحيان لا يمكن الجزم إلا من خلال إدخال منظار إلى البطن ورؤية هذا الحمل بالعين المجردة فيتم قطع الشك باليقين. العلاج كلما كان التشخيص مبكرا كلما أمكن تقديم علاج أقل تدميرا وأخف ضررا وكلما قويت فرص المرأة في الحفاظ على خصوبتها. تعالج المرأة من خلال عملية تقليدية بشق البطن في الحالات الاستعجالية القصوى التي تهدد حياة الحامل. هذه الطريقة المعتمدة منذ سنة 1884 قد أصبحت تتوارى عن الأنظار لصالح طريقة الجراحة بالمنظار التي تتم عبر ثقوب صغيرة في البطن. ويتم التدخل الطبي على مستوى القناة بثلاث طرق: الضغط على القناة بطرف المنظار لإسقاط الحمل خارجها ثم شفطه. فتح القناة ثم إزالة الحمل ثم رتق القناة من جديد وفي هاتين الحالتين تحتفظ المرأة بقناتها للمستقبل. استئصال القناة خصوصا إذا كانت الأضرار بليغة. ولكنك أفشيت في سؤالك أن هناك أيضا علاجا طبيا للحمل خارج الرحم. وبما أن الأمر لم يعد سرا فلمزيد من معلوماتك نقول لك بأن هذا البديل العلاجي شرع فيه طانكا(Tanaka)، منذ 1982 من خلال مادة الميثوتركسات وهي مادة كيماوية تستعمل عادة لمقاومة بعض السرطانات كسرطان الثدي لكنها أضحت الآن مجدية حتى في مثل هذا الموقف. يمكن إعطاء المريضة هذه المادة خلال الفحص بالصدى أو خلال فحص بالمنظار حيث يتم حقن الحمل مباشرة للإجهاز عليه ولا ضير في هذا مادام الحمل خارج الرحم لا يسير لنهايته بأي حال من الأحوال ويهدد حياة الأم. وفي بعض الأحيان يتم تناول هذه المادة عبر حقنات عضلية وتراوح نسبة النجاح %84. لكن هذه الطريقة قد تتضمن بعض المضاعفات من مثل انخفاض عدد الكريات البيضاء وعدد الصفيحات والشعور بآلام البطن والتهاب اللثة والغثيان والإسهال وتساقط الشعر وببعض المتاعب الرئوية. لكن قد يبدو غريبا أن بعض حالات الحمل خارج الرحم قد لا تعالج سوى بالمراقبة. وهذه الإمكانية في العلاج اقترحت لأول مرة من طرف الطبيب لاند(Lund 1955) على خلفية أن العديد من حالات الحمل خارج الرحم مسخرة بطريقة عفوية وتلقائية إلى الاندثار. وبالفعل فإن التقدم في إمكانية المراقبة الناجحة بسبب تطور الفحص بالصدى ودقة حساب هرمونات الحمل قد أدى إلى فرز مجموعة من الحالات لا تتطلب سوى تركها لحالها عندما تتوفر بالطبع بعض الشروط والمعايير التي تشي بأن هذا الحمل وإن كان خارج الرحم فإنه لن يكون صاخبا حافلا بالمشاكل، بل حملا وديعا مهادنا. فينطبق على هذا الحمل المثل العربي الذي يقول «كم أمورا قضيناها بتركها». سيدتي هذه هي ترسانة العلاجات المتوفرة في مواجهة الحمل خارج الرحم حيث تمتد من الجراحة التقليدية إلى مجرد مراقبة الوضع كما أن بعض العلاجات تحتاج أحيانا إلى تجهيزات وإلى بنيات قد لا توفرها كل المستشفيات والمصحات. لذلك فهي لازالت غير معروفة بالشكل الذي يجب.