يبدو أن سياسة تضييق الخناق على سوق السيارات القديمة التي ابتدأت أواسط التسعينيات، بتحفيز المغاربة على اقتناء السيارة الاقتصادية ودعم هذا التوجه بالتسهيلات في أخذ القرض والسلفات البنكية، بدأت تتلاشى، حيث لا زالت مبيعات السيارات المستعملة تشهد نموا ملحوظا، وهو ما جعل العربي بلعربي، رئيس الجمعية المغربية لصناعة وتجارة السيارات، يدق ناقوس الخطر منذ سنتين، عندما قال إن المغرب لم يسبق له أن شهد نموا ملحوظا لمبيعات السيارات المستعملة القادمة من الخارج بنفس هذه الوتيرة، واستغرب كيف بيعت أكثر من 50 ألف سيارة خلال سنة 2010، وهو أمر يدعو إلى القلق كون سوق السيارات الجديدة لا يتعدى 100 ألف في حين يصل سوق السيارات القديمة إلى نصف هذا العدد . 2.6 مليون سيارة تجوب الطرق المغربية يرى مهنيو القطاع أنه رغم التطور الذي عرفته مبيعات السيارات خلال السنوات القليلة الماضية، فإن أمام قطاع السيارات المركبة محليا أو المستوردة إمكانيات كبيرة للتطور، فقد وصل عدد السيارات التي تجوب الطرق المغربية إلى 2.6 مليون سيارة ومتوسط عدد السيارات لكل ألف مغربي لا يتعدى 60 سيارة، هذا في الوقت الذي يصل فيه هذا العدد إلى 80 سيارة لكل ألف مواطن في تونس، وهو العدد الذي يقفز إلى 600 سيارة في بعض البلدان الأوربية، حيث أشار في هذا الصدد المحلل الاقتصادي المغربي إدريس بنعلي إلى أنه رغم ازدهار السوق المغربي خلال السنوات الماضية إلا أن الاستهلاك لا يزال ضعيفا حيث معدل 6 سيارات لكل مائة شخص هو معدل ضعيف مقارنة مع أوربا التي نجد فيها أكثر من 60 سيارة لكل مائة شخص. ثقافة المغاربة تتغير كان سوق السيارات بالمغرب تغلب عليه ثقافة شراء السيارات القديمة الآتية من أوربا، وإلى غاية فترة التسعينيات من القرن الماضي، كانت مبيعات السيارات القديمة تسجل أرقاما مهمة تتخطى عتبة 100 ألف وحدة كل سنة، و برز توجه الدولة إلى التضييق على سوق السيارات القديمة والتحفيز على تجديد الأسطول المغربي للسيارات الذي تهيمن عليه سيارات يتجاوز عمرها 10 سنوات منذ الإعلان عن تسويق السيارة الاقتصادية بالمغرب منتصف التسعينيات من القرن الماضي، فتنمية القطاع ستعود بالنفع على الاقتصاد وعلى ضخ الاستثمارات الأجنبية وعلى مناصب الشغل ... فكان التفكير في إعادة الحياة لشركة «صوماكا» للمساهمة في نمو القطاع خصوصا بعد التوقيع على اتفاقية التعاون مع الشركة الإيطالية «فياط» في منتصف التسعينيات لتمتد 8 سنوات من أجل إنتاج السيارة الاقتصادية «فياط أونو» ابتداء من 1995 وكذا «فياط باليو» و«سيينا» ابتداء من 1997 حيث وصل الإنتاج السنوي من سيارة «فياط» حوالي 12 ألف سيارة سنويا، بعد ذلك ستوقع اتفاقية أخرى لكن هذه المرة مع الشركة الفرنسية «رونو» من أجل إنتاج سيارة «كونغو» المركبة محليا بمصانع «صوماكا» ابتداء من سنة 1996، وسيتوقف إنتاج سيارات «فياط» في 31 دجنبر 2003 حيث لم تجدد السلطات المغربية اتفاقية التعاون مع الشركة الايطالية، لأن مشروع «فياط» لم يتمكن من بلوغ حجم المبيعات المتوخى منه وهو 25 ألف سيارة سنويا التي حددتها الشركة كهدف، وهو ما جعل العربي بلعربي رئيس جمعية «أميكا»، يؤكد أن ثقافة الاستهلاك تغيرت بالنسبة للزبون المغربي وبدأت تدريجيا وببطء مع إنتاج سيارة «فياط أونو» ابتداء من منتصف التسعينيات بالتوجه نحو سيارة جديدة بدل شراء القديمة، لكن هذه الثقافة ستتواصل وبقوة هذه المرة من خلال إنتاج سيارة اقتصادية أخرى اسمها «داسيا لوغان» ابتداء من 2005. «داسيا لوغان» تنافس السيارات المستعملة أكد العربي بلعربي، رئيس الجمعية المغربية لصناعة وتجارة السيارات، أن سيارة «داسيا لوغان» هي الوحيدة التي لا زالت تسجل مبيعاتها نموا يفوق 20 بالمائة منذ بداية تصنيعها بالمغرب سنة 2005، في حين عرفت مجمل مبيعات السيارات الجديدة انخفاضات متتالية منذ سنة 2008، وهو ما يبرر أن الثمن المناسب مقرونا بالجودة يشكل المحدد الرئيسي لثقافة الشراء عند أغلبية المغاربة، حيث يمكن القول إن إنتاج «داسيا» بالمغرب غير كثيرا من ثقافة استهلاك المغاربة الذين كانوا مهووسين بشراء السيارات القديمة الآتية من أوربا، رغم ما كانت تسببه من مشاكل بيئية، حيث راهنت شركة «صوماكا» على مشروع «داسيا لوغان» التابع لمجموعة رونو الفرنسية لتحقيق طموحها بالاندماج في مشروع صناعي ذي أبعاد دولية، إذ كان الإنتاج لا يتعدى 20 ألف سيارة في 2005، وفي السنة الموالية ارتفع الإنتاج إلى 30 ألف سيارة، وفي 2007 تجاوز 38 ألفا، ومن المتوقع تسجيل إنتاج يفوق 100 ألف سيارة «لوغان» في أفق سنة 2015، بل أصبحت «صوماكا» تصدر منتجاتها إلى الأسواق الفرنسية والإسبانية منذ 2006 وحاليا وصلت «داسيا» المركبة بالمغرب إلى كل من السوق المصرية والتونسية رغم المشاكل التي كانت مطروحة، وتعتبر هذه الدينامية في التصدير هي المرة الأولى التي تصدر فيها الشركة منتجاتها منذ إنشائها في الخمسينيات من القرن الماضي . أسعار السيارات الجديدة تتراجع تخطت مبيعات السيارات الجديدة بالمغرب لأول مرة عتبة 100 ألف سيارة وذلك منذ 4 سنوات، والتي كانت حلما أعلنت عنه جمعية مستوردي السيارات بالمغرب وعبرت عن رغبتها في الوصول إليه، وهو ما تحقق خلال سنة 2007 بالإعلان عن الأرقام المفصلة لمبيعات السيارات الجديدة على مستوى مختلف الأنواع، حيث عرفت تطورا مهما في حجم المبيعات مقارنة بسنة 2006، سواء النوع الاقتصادي أو السياحي أو النفعي أو حتى السيارات الفارهة، ويرجع المراقبون هذه الطفرة، التي عرفها سوق السيارات بالمغرب منذ سنوات، إلى الإنتاج المحلي من السيارات الاقتصادية ذات التكلفة المنخفضة، وولوج شركات عالمية السوق المغربي عن طريق التحفيزات الضريبية المقدمة إليها، وهو ما جعل الأسعار في تدن مستمر بفضل المنافسة بين الشركات، تضاف إليها الحوافز التي تقدمها شركات السلف والتي تقترح على الزبائن عدة صيغ جعلت اقتناء سيارة جديدة بدل المستعملة هو السائد، لكن بالمقارنة مع أسواق أخرى نجد أن المغرب لا زال بعيدا عما تحقق في فرنسا أو الجزائر، ففي السوق الفرنسية يبلغ متوسط المبيعات السنوية للسيارات الجديدة أكثر من مليوني وحدة بل سجلت سنة 2009 ما يفوق 2.7 مليون وحدة حيث استفاد الفرنسيون من منحة الدولة لشراء سيارة جديدة مقابل تدمير السيارة القديمة أو ما يصطلح عليه ب prime à la casse، وفي الجزائر تبلغ حظيرة السيارات أكثر من 6 ملايين سيارة وتسجل سنويا إصدار حوالي 180 ألف ترقيم جديد. مدونة السير تشدد إجراءات التعشير تضمن المرسوم المتعلق بتطبيق مقتضيات قانون مدونة السير، مقتضيات من شأنها أن تحد من الإقبال الكبير على السيارات المستعملة المستوردة من الخارج، إذ لن يصبح بإمكان مقتني هذه السيارات إتمام إجراءات تعشير هذه السيارات لدى المصالح الجمركية، لأن من ضمن الوثائق التي يتعين الإدلاء بها لمصالح الجمارك، شهادة المصادقة التي يسلمها المركز الوطني لإجراء الاختبارات والتصديق. وتشير المادة 96 من المرسوم، التي تحدد المركبات التي تتم المصادقة عليها بشكل منفرد، إلى أن من ضمن هذه المركبات، تلك المستعملة المستوردة من الخارج التي يقل عمرها عن خمس سنوات، غير أن المرسوم نص على إمكانية اتخاذ مقتضيات خاصة تتعلق بالمغاربة المقيمين بالخارج، على أن يحدد وزير النقل كيفيات تطبيق هذه المادة. وهكذا فابتداء من دخول المرسوم حيز التطبيق لن يسمح للسيارات المستعملة المستوردة من الخارج التي يصل عمرها خمس سنوات فما فوق بالجولان بالمغرب، ما دامت لن تحصل على شهادة المصادقة من طرف المركز الوطني لإجراء الخبرات والتصديق، التي تعتبر شرطا أساسيا لتعشيرها لدى مصالح إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة. استثناءات للمتقاعدين المغاربة بأوربا أعدت وزارة التجهيز والنقل في عهد الوزير السابق كريم غلاب، بتنسيق مع مصالح الإدارة العامة للجمارك، قرارا يتضمن مقتضيات استثنائية تسمح، إلى غاية 31 دجنبر 2012، بالمصادقة على السيارات المستعملة التي يقل عمرها عن 10 سنوات والمستوردة من قبل المغاربة المقيمين بالخارج المحالين على التقاعد، والذين يتوفرون على إقامة بالخارج لأكثر من عشر سنوات. ويتضمن القرار مقتضيات استثنائية تسمح، إلى غاية 31 دجنبر 2012، بالمصادقة على السيارات النفعية وسيارات الإسعاف المستعملة المستوردة التي يفوق عمرها خمس سنوات المسلمة على شكل هبات لفائدة الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والجمعيات ذات المنفعة العامة أو الأعمال الخيرية. وتسري هذه المقتضيات الاستثنائية كذلك على السيارات المستعملة المستوردة التي يفوق عمرها خمس سنوات المدمجة في إطار التعاون التقني، أو تلك المسلمة على شكل هبة لفائدة الدولة. رغم كل ذلك ...سوق السيارات القديمة ينتعش قال العربي بلعربي، رئيس جمعية «أميكا» خلال اتصال مع «المساء»، إن الاحصائيات المتعلقة بولوج السيارات المستعملة القادمة من أوربا خلال سنة 2011 لم تعلن بعد، مشيرا إلى أن عددها سجل خلال النصف الأول من السنة الماضية انخفاضا ملموسا مقارنة مع نفس الفترة من 2010، لكن ذلك بالنسبة له لا يجب أن يغفل شيئا مهما، وهو أن فترة الصيف هي التي تعرف دخول السيارات المستعملة المستوردة من الخارج، لأن المهاجرين المغاربة يأتون إلى المغرب ابتداء من شهر يونيو، وهو ما جعل بلعربي يتريث من حيث الحكم على مدى ارتفاع أو انخفاض ولوج السيارات الأوربية المستعملة خلال 2011. ومن خلال الإحصائيات المتوفرة، ولجت حوالي 50 ألف سيارة قديمة الحدود المغربية خلال سنة 2009، وتتراوح أعمار نسبة كبيرة من هذه السيارات ما بين 8 و 10 سنوات. وكان كريم غلاب الوزير السابق للنقل والتجهيز، قد صرح أن العدد الإجمالي للسيارات المستعملة المستوردة من الخارج التي تم تعشيرها وتسجيلها منذ 2007 إلى غاية 31 دجنبر 2010 بلغ 167 ألفا و301 سيارة. وبالإضافة إلى انتعاشة ولوج السيارات القديمة الآتية من أوربا، هناك سوق داخلية جد مهمة لا زالت تلقى رواجا من طرف المغاربة، حيث يرى المتتبعون أن الأسواق العشوائية التي تباع بداخلها سيارات مستعملة، تكتظ بالزبائن خصوصا أيام السبت والأحد والعطل، دون الحديث عن تزايد أعداد المواقع الالكترونية المتخصصة في بيع وشراء السيارات المستعملة.