بعد 46 عاما من أول دستور، وبعد بضع سنوات من سريان مدونة الشغل، ترمي حكومة عباس الفاسي بمسودة القانون المنظم للإضراب بين يدي الفرقاء الاجتماعيين خلال اللقاء الموسع المقرر عقده الأسبوع القادم. وحسب مصادر مطلعة، فإن مسودة القانون الحالي الذي لم تتوصل به بعد المركزيات النقابية المدعوة إلى المصادقة عليه، لا تختلف في جوهرها عن المشاريع التي تم إنجازها في السنوات السابقة بضغط من الباطرونا التي اعتبرته حيويا للاقتصاد الوطني وبقاء المقاولة المغربية. واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن روح المسودة الحالية تبقى مجرد نسخة منقحة عن المشاريع السابقة التي جوبهت برفض شديد من قبل المركزيات النقابية، وتتضمن بالأساس ضرورة إعلام المشغل بقرار الإضراب قبل 15 يوما على الأقل، وأن يكون للإضراب طابع جماعي، حيث يحظر فعل الإضراب إذا كان التوقف عن العمل فرديا، ما عدا عند انضمام أجير إلى إضراب وطني من أجل مطالب تعنيه أيضا. ويفترض الإضراب إرادة مشتركة في التوقف عن العمل من أجل هدف مهني معين، وأن يكون للإضراب هدف مهني، قوامه تلبية مطالب مهنية محضة، كتحسين ظروف العمل والأجر، وهذا يستبعد ما يسمى الإضراب المبرقع، الذي يتجسد في تباطؤ مقصود في العمل بتخفيض وتيرة الإنتاج، والإضراب السياسي، والإضراب التضامني الذي لا يرمي إلى مساندة أجير من المقاولة أو الانضمام إلى مطالب مشتركة لدى عدد كبير من العمال، وإرادة الإخلال بتنظيم المقاولة، والإضرار بوضعها الاقتصادي، وأن يكون الإضراب بمبادرة من منظمة نقابية تمثل على الأقل ثلثي العمال، أو باقتراح من أغلبية العمال عبر استفتاء ديمقراطي، وأن يكون الإضراب توقفا كليا للعمل من قبل المضربين، دون مقابل من أي نوع، ودون إمكانية مطالبة المضربين بأجر أيام الإضراب كشرط لاستئناف العمل، واحترام حرية غير المضربين وحرية المشغل واحترام حق الملكية وتفادي احتلال أماكن العمل. وردا على هذه المقترحات، تنتصب وجهة نظر المركزيات النقابية التي ترى في أي مشروع قانون تنظيمي لا يأخذ بعين الاعتبار ممارسة الحق النقابي، باعتباره منصوصا عليه في الدستور المغربي، أمرا لاغيا ومرفوضا. وأوضح عبد الواحد بنشريفة، عضو المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن تصورهم يقوم على أنه ينبغي إخراج قانون ينظم ممارسة هذا الحق لا الإجهاز عليه أو إجهاضه. وأشار بنشريفة، في تصريح ل»المساء»، إلى أن المشاريع السابقة فشلت في الخروج إلى أرض الواقع، لأنها قامت بالأساس من أجل الإجهاز على حق الإضراب، بوضعها مجموعة من الشروط والمساطر التي يتعين سلكها قبل خوضه، مضيفا في السياق ذاته أنه ينبغي لتجاوز الخلاف القائم وضع بنود تحمي حق الإضراب لا العمل على إجهاضه. وبخصوص المواصفات والشروط التي يجب أن تتوفر في أي مسودة قانون تنظيمي من أجل المصادقة عليه من قبل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الدرع النقابي لحزب العالة والتنمية، فهي تتمثل بالأساس، حسب ما نصت عليه مذكرة تفصيلية صادرة عن هذه المركزية النقابية، في ضرورة وجود ديباجة تؤكد على أن الإضراب حق دستوري وأنه من الحقوق الأساسية للأفراد والمنظمات النقابية، كما تؤكد على ذلك المواثيق الدولية، مع التنصيص على أن الإضراب معترف به في القطاعين الخاص والعام، والرجوع في مسألة وقف الإضراب أو منعه، عند حدوث أزمة وطنية حادة، إلى البرلمان فضلا عن السلطة الحكومية.