محمد كركاب في ما يخص المؤشرات المتعلقة بتحسين استغلال الموارد البشرية الذي كثر الحديث عن حكامتها وترشيدها في السنوات الأخيرة، فان التقرير يؤكد أن نسبة استغلال غلاف الساعات القانونية وصل الى 85 في المائة على المستوى الوطني وإلى 78 في المائة في كليات الحقوق مثلا. ففي بعض كليات الجامعة، لا يتجاوز عدد الساعات التي يعملها الأساتذة حتى 20 في المائة من ساعاتهم القانونية. أما في ما يتعلق بالساعات الإضافية للأساتذة القاريين والغير القاريين فهي عادة موضوع التزييف والتضخيم من أجل الاستفادة من التعويضات المادية الباهظة بطريقة غير قانونية. وبخصوص أولئك الذين كانوا مسؤولين من قبل، فإنهم لم يعودوا يهتمون بما يجري في جامعتهم ولا يقومون بأي عمل ويحصلون مجانا على راتبهم كل شهر، ومنهم من يتمتعون بحياة البذخ داخل «قصورهم» التي بنوها بمال الجامعة.. ومنهم من يفضلون تنظيم مهرجانات الفولكلور والرقص، بدل أن يقدموا محاضرات علمية وثقافية تساهم في تنمية الجامعة.. ولتوضيح مدى خطورة هذا التبذير للمال العام، نعطي بعض الأرقام التي استطعنا الحصول عليها. فالغلاف المالي المخصص للساعات الإضافية للأساتذة القرين وغير القاريين وصل في جامعة القاضي عياض إلى 3 ملايير و600 مليون سنتيم سنة 2010 وإلى مليارين و700 مليون سنتيم سنة 2009.. وفي إحدى كلياتها مثلا إلى ما قيمته 112 مليون سنتيم سنة 2009. ويتكون هذا المبلغ من التعويضات للساعات الإضافية في إطار الأوفشورينغ بقيمة مجموعها 111 مليون سنتيم و25 مليون سنتيم في إطار مبادرة 10000 ناشط اجتماعي ومبادرة التنمية البشرية لوزارة الداخلية. ويستفيد الأساتذة أيضا من تعويضات إضافية ممنوحة في إطار مشاريع الجامعة، والذي بلغ مجموعها مليار و300 مليون سنتيم بين 2007 و2010. وقد ازداد حجم هذه التعويضات الإضافية سنة 2010 و2011، نتيجة ضخ مزيد من الأموال في ميزانية الجامعة. وإذا أخدنا بعين الاعتبار التعويضات الإضافية التي يحصل عليها الأساتذة في إطار المشاريع المختلفة، فمجموع قيمتها في إحدى كليات جامعة القاضي عياض فاف 162 مليون سنتيم سنة 2009، مقابل 147 مليون سنة قبلها. وبشان توظيف الأساتذة أصبحت الزبونية والمحسوبية، وأحيانا الرشوة، هي المعايير التي تحسم في توظيف الشخص المرغوب فيه، عبر تعيين الأساتذة المقربين كأعضاء لجنة التوظيف، ويستطيع المسؤول توظيف الشخص الذي يريده. كما تجب الإشارة إلى عدم وجود أي علاقة بين الأسفار إلى الخارج تحت ذريعة البحث العلمي والتكوين المستمر وتحسين مستوى التكوين، فالأسفار المتكررة ما هي عادة إلا أسفار سياحية محضة يستفيد منها غالبا المسؤولون وبعض الأشخاص المقربين منهم ويستغلونها فقط للحصول على التعويضات الباهظة المخصصة للتنقل إلى الخارج، فهم يهملون عملهم الإداري والتعليمي، وبسبب غيابهم المتكرر، انتشرت الفوضى في المجال التربوي والإداري.
مؤشر تشجيع البحث العلمي يستعين تقرير الإصلاح الاستعجالي بعدة مؤشرات لقياس الإنجازات في ميدان البحث العلمي: منها عدد التظاهرات العلمية، عدد المقالات العلمية المحصل عليها من الأنترنيت، عدد المقالات المنشورة في المجلات الدولية للمراكز البحث المستقلة (10) ونسبة وحدات البحث وعدد الأساتذة المنخرطين فيها، وعدد المقالات المنشورة بالمجلات الدولية (2019) وعدد المساعدات للطبع وعدد المشاريع بين الجامعات والمقاولات.. ومن بين كل هذه المؤشرات يبقى مؤشر عدد الدكتوراه والمقالات العلمية المحضة المنشورة في المجلات الدولية أحسن مؤشر لقياس تطوير البحث. وفي حالة المغرب، فان المقالات العلمية المنشورة في المجلات الدولية تقتصر، غالبا، على كليات العلوم والتقنيات. أما مشاريع الجامعة مع المقاولات، وخاصة في ميادين الاقتصاد والتسيير، فهي عادة مشاريع تافهة ولا تستحق وصفها بمشاريع البحث العلمي. أما المقالات المنشورة مثلا في علوم التسيير والاقتصاد من أجل الحصول على شهادة التأهيل أو من أجل الترقية المهنية، والمنشورة عادة في المجلات المحلية للمؤسسات فلا علاقة لها بالبحث العلمي أصلا. وغالبا ما تكون هذه البحوث أعمالا مستنسَخة من الغير وعبارة عن سرقة علمية من أبحاث فرنسية.. وقد ساهمت القوانين الحالية بشأن الترقية في تدهور مستوى البحث العلمي. لقد صار كل من هب ودب يقدم بحوثا مستنسَخة من الغير من أجل ترقيته إلى الأستاذ المؤهل أو أستاذ التعليم العالي أو بغرض الانتقال من درجة إلى أخرى. أما في ما يخص أعضاء اللجن العلمية التي يُفترَض فيها أن تحارب هذا النوع من الفساد والسرقة العلمية فهم منشغلون بأعمالهم الخاصة خارج الجامعة ولا وقت لهم للتقييم أو التصحيح.. لقد تم تعيينهم، كمقربين من المسؤول، كأعضاء في اللجنة العلمية لملء الفراغ وسيرتهم الذاتية بأعمال وهمية من أجل الاستفادة من الترقية فقط. ورغم أن أعداد الدكتوراه هي المؤشر الوحيد الذي يمكن أن نعتمده لقياس مستوى البحث العلمي في المغرب، فإن مستواها حاليا لا يليق بالبحث العلمي، حيث يشير التقرير إلى مناقشة 680 أطروحة على المستوى الوطني، منها 18 في المائة في كليات الحقوق و43 في المائة في العلوم والنفنيات و39 في الآداب. وحسب الجامعات، فإن 250 دكتوراه نوقشت في جامعة محمد الخامس -السويسي و70 في جامعة محمد الخامس -أكدال و51 في جامعة القاضي عياض في مراكش. وفي ما يتعلق بجودة الدكتوراه المقدمة من طرف أغلبية الحاصلين عليها، فهي لا تستوفي أدنى الشروط العلمية ولا علاقة لها بالبحث العلمي. وقد شرحنا جميع جوانبها السلبية في جريدة «المساء». (7 و8 أكتوبر 2010) ونشير هنا إلى أن بعض المؤطرين وأعضاء لجن المناقشة اختاط عليهم الأمر ولم يعودوا يُفرّقون بين بحوث دكتوراه الدولة وبحوث الدكتوراه الوطنية أو أحيانا بحوث الماستر، بل الأخطر من هذا لقد أصبحت درجة دكتوراه في الاقتصاد أو التسيير تمنح لبحوث الجغرافيا أو التاريخ المحض أو علم الاجتماع أو لبحوث لا تنتمي إلى أي اختصاص جامعي محدد (حالة كلية الحقوق في مراكش). عندما يقرا المرء كثيرا من بحوث الماستر أو الدكتوراه في ميدان التسيير والاقتصاد المقدمة في الجامعات المغربية، يظن أنه يقرأ لباحثين من بين المرشحين لجائزة «نوبل».. لكنها، للأسف، أبحاث مستنسخة حرْفيا من مؤلفات علماء آخرين.. علما أن أغلبية بحوث الدكتوراه لا تقرأ ولا تصحح وتوزع مجانا أو بالمقابل، لأن المؤطرين وأعضاء لجن المناقشة يتواطؤون مع يعضهم ويرفضون مشاركة كل شخص تفوح منه رائحة المسؤولية المهنية، حتى لا يفتضح آمرهم.. انهم دائما نفس الأشخاص من داخل الكلية وخارجها الدين يحتكرون مناقشة الدكتوراه. فهم أغلبهم يراكمون وظائف دائمة في القطاع الخاص كمدراء في المدارس العليا الخاصة أو مكاتب الدراسات وغيرها أو كمحاماة ومربي الدواجن والحيوانات الأخرى.. وبذلك ليس لديهم الوقت الكافي لا لقراءة البحوث ولا لتصحيحها.. والخطير من هذا كله أن هؤلاء الأساتذة، ولإبعاد الشبهات عن فعلهم اللا مسؤول، يلجؤون إلى استدعاء أساتدة أجانب من فرنسا و»توريطهم» في لجن المناقشة الوهمية. وهؤلاء الأجانب يستغلون هذه الفرصة لقضاء عطلة الاستجمام في مراكش وليس لديهم الوقت الكافي لقراءة البحث وتصحيحه، وهو ما أدى إلى تورط بعض الفرنسيين المعروفين، سيفتضح أمرهم في الوقت المناسب.. إضافة إلى هذا، يجب التذكير بأنه كيف يمكن لمؤطر أو عضو لجنة المناقشة أو عضو في اللجنة العلمية للمؤسسة، والذي فقد كليا مصداقيته العلمية عبر «تواطئه» بتوقيع عرائض وهمية ضد زملائه وشهادات الزور وعبر تورطه في اختلاس المال العام، أن يكون عضوا في لجنة مناقشة الدكتوراه؟ وما أكثرهم في كلية الحقوق في مراكش. وبالنسبة إلى مؤشر عدد مراكز ووحدات البحث وعدد أعضائها التي يستعملها التقرير لقياس البحث العلمي، فتجب الإشارة إلى أن هذا المؤشر لا يملك أي مصداقية في بعض الكليات، ككليات الحقوق مثلا، لأن هذه المراكز هي عبارة عن أماكن وهمية وأعضاؤها في الغالب غير مؤهلين للبحث العلمي ولا يهتمون به، إذ لا تجد يحثا علميا واحدا صدر عن هذه المراكز.. وكيف يتم ذلك وجل أعضاء هذه المراكز حصلوا على الدكتوراه بطريفة مشكوك فيها ولا تستوفي أدنى الشروط العلمية. فهم أنفسهم ما يزالون يحتاجون إلى تعلم مبادئ إعداد بحث علمي.. والأخطر من هذا أن أعضاء هذه المراكز والوحدات أصبحوا وحدهم المسؤولين عن تسجيل المرشحين في تحضير شهادة الدكتوراه التي فقدت قيمتها ومصداقيتها في السنوات الأخيرة.