تعتبر الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية هي الحكومة الثلاثون التي يعرفها المغرب إذا ما راعينا التسلسل التاريخي منذ تشكيل أول حكومة مباشرة بعد رجوع الملك محمد الخامس من منفاه أواخر سنة 1955. وقد تعتبر الحكومة الجديدة هي الحكومة الأولى في إطار ما اتفق على تسميته الملكية الثانية، خاصة بعد اعتماد دستور فاتح يوليوز 2011، والذي أريد له أن يشكل شهادة ميلاد لانتقال ديمقراطي حقيقي بالمغرب. من هذه الزاوية، وفي إطار المقتضيات الدستورية الجديدة التي منحت دلالة سياسية قوية لمؤسسة الحكومة، كان المتتبعون والرأي العام يتابعون، عن كثب، مسلسل تشكيل أغلبية جديدة، خاصة بعد إجراء اقتراع 25 نونبر 2011، الذي منح المرتبة الأولى لحزب العدالة والتنمية واستوجب بالتالي تكليف أمينه العام عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة، وفق تأويل ديمقراطي لمقتضيات الفصل 47 من الدستور الجديد. كان هناك اهتمام شعبي بمسار تشكيل الحكومة الجديدة، بدءا بتكليف عبد الإله بنكيران، يوم 29 نونبر 2011، وانتهاء بالإعلان عنها رسميا، يوم 3 يناير الجاري. وانطلاقا من مقتضيات الدستور الجديد، وبارتباط بتصريحات رئيس الحكومة المعين، خلال مسار التشكيل الحكومي، كانت هناك تساؤلات عديدة تبحث عن جواب من قبيل طبيعة الهيكلة الحكومية وبنية الحكومة الجديدة، تحدث رئيس الحكومة المعين منذ البداية عن رغبته في تقليص عدد أعضاء التشكيلة الحكومية، وكانت هناك إحالات على تجارب من قبيل التجربة الإسبانية والتجربة التركية، لكن كان يبدو أن هذه الرغبة لم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الفوارق الموجودة بين النسق المغربي والنسقين المحال عليهما، فطبيعي أن يكون عدد الحقائب الوزارية مقلصا داخل حكومة منسجمة يؤلفها حزب سياسي واحد، على غرار الحزب الشعبي في إسبانيا أو حزب العدالة والتنمية في تركيا، فآليات اشتغال الحكومة المنسجمة تختلف عن آليات اشتغال الحكومات الائتلافية. لقد فرضت الحكومة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وهي بطبيعة الحال حكومة ائتلافية، إكراهاتها، وبالتالي، كان من الصعب المراهنة على تقليص عدد أعضائها، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على هيكلتها. وعليه، فإن الحكومة الجديدة ورغم كل ما قيل عن ضرورة اعتماد الاجتهاد حتى تكون الهيكلة الجديدة مستوعبة لمقتضيات الدستور الجديد من جهة، ومتطلبات الوضع الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى، فإن الهيكلة المعتمدة في نهاية المطاف أعادت إنتاج ما كان معمولا به في تشكيلات حكومية سابقة. إن التشكيلة الحكومية الجديدة لم تكتف بإعادة إنتاج ما كان معمولا به في السابق على مستوى الهيكلة، بل أعادت، وبشكل قوي، إنتاج بنية التشكيلات السابقة، حيث كان هناك صنفان من الوزراء: وزراء ينتمون إلى أحزاب سياسية، حقيقة أو مجازا، ووزراء بدون انتماء حزبي كانوا يوصفون غالبا بكونهم وزراء سيادة. منذ 1993، اقترن وصف وزارات السيادة بتلك الوزارات التي لا تؤول إلى أشخاص ينتمون إلى أحزاب سياسية، ومنذ ذلك التاريخ، أُدرجت بعض الوزارات في هذا المجال كوزارة الداخلية ووزارة الخارجية والوزارة المكلفة بالدفاع الوطني ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والأمانة العامة للحكومة. حافظت هذه الوزارات على موقعها في التشكيلة الحكومية الجديدة، باستثناء وزارتي الخارجية والداخلية، غير أن ذلك لم يحل دون إحداث وزارة منتدبة في الداخلية بالمواصفات السابقة. لم تختلف التشكيلة الجديدة عن التشكيلات السابقة، خاصة على مستوى إنزال بعض الوزراء في الحكومة بألوان حزبية معينة. لقد وجدت هذه الممارسة ترجمتها من خلال حكومتي إدريس جطو وعباس الفاسي، حيث استوزر أشخاص تكنوقراط باسم التجمع الوطني للأحرار، وهي الممارسة التي يبدو أنها حاضرة في الحكومة الجديدة من خلال حزب الاستقلال على سبيل المثال. إضافة إلى كل ما سبق، تكشف التشكيلة الحكومية الجديدة عن تراجع كبيرة على صعيد التمثيلية النسائية، فلا أحد كان يعتقد أن سيدة واحدة هي التي ستتحمل مسؤولية وزارية داخلها، تراجع كبير مقارنة بالتسعينيات من القرن الماضي، حيث حرص الملك الحسن الثاني على ضمان تمثيلية نسائية مقبولة داخل التشكيلات الحكومية، وهو الأمر الذي تكرس مع حكومة التناوب التوافقي واستمر مع حكومتي إدريس جطو وعباس الفاسي. من مكر التاريخ أن يسجل أن الحزب الذي يتهم بمعاداته لحقوق المرأة هو الذي يقود حكومة (ذكورية) بامتياز، في تجاهل سافر لكل الجهود التي بذلت من أجل التمثيل السياسي للنساء، أولا، وفي تجاوز واضح لمقتضيات دستور جديد ينص فصله التاسع عشر على مبدأ المناصفة، ثانيا، وفي التفاف جلي على بنود ميثاق الأغلبية، ثالثا. إن ضعف التمثيلية النسائية في التشكيلة الحكومية الجديدة يكشف الكيفية التي اعتُمدت على مستوى توزيع الحقائب الوزارية، فأحد قيادات الأغلبية الجديدة يبرر عدم استوزار حزبه لأية امرأة بكون الحقائب التي منحت له لم تكن تتطابق مع البروفايلات النسائية التي يتوفر عليها، وهذا يتناقض مع كل ما قيل حول مسطرة توزيع الحقائق الوزارية، استنادا إلى معيار الكفاءات التي يتوفر عليها كل حزب مشارك في الائتلاف الحكومي. أكيد أن الكل يتحدث عن التحديات التي ينبغي على الحكومة الجديدة رفعها، وفي مقدمتها التنزيل السليم لمقتضيات الدستور. ونخشى أن تكون الحكومة الجديدة قد بعثت برسالة سلبية حول نوعية هذا التنزيل من خلال تغييب النساء في حكومة عبد الإله بنكيران، التي قد تكون قد بالغت في تضخيم إحساسها بذكوريتها.