يبدو أن حزب الاستقلال يعيش هذه الأيام مرحلة عصيبة تسبب فيها أمينه العام عباس الفاسي، الذي أنكر على قيادييه داخل اللجنة التنفيذية للحزب تقديمه أسماء المرشحين للاستوزار إلى رئيس الحكومة الجديد عبد الإله بنكيران، وهو ما يدفع إلى التساؤل عما يجري ويدور داخل حزب كان يقود الحكومة المنتهية ولايتها. حالة من الاستياء والتذمر تسود صفوف الاستقلاليين، منهم أعضاء المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التنفيذية، بسبب الموقف الذي وضعهم فيه عباس الفاسي، الذي أنكر تقديمه أي اسم للاستوزار إلى عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين. هذا الأخير أكد لمبعوثي حزب «الميزان» عبد الواحد الفاسي ومحمد السوسي أن أمينهما العام منحه الأسماء المرشحة للاستوزار، وأنه سهل عليه أمر الحقائب الوزارية باستثناء وزارة التجهيز والنقل، التي تشبث بها حزب العدالة والتنمية وتم تعويضها لحزب الاستقلال بوزارة الفلاحة والصيد البحري، حسب ما أكده عدد من أعضاء المجلس الوطني للحزب، الذين اعتبروا، في تصريحات ل«المساء»، أن الفاسي عجز عن مواجهة الحقيقة ولم يجرؤ على عقد اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب خلال الأسبوع الماضي، من أجل الكشف عن سر إخفائه الحقيقة على أعضائها، بعدما جاء في اليوم الموالي الذي قدم فيه أسماء الوزراء ليقول إن مرحلة المفاوضات ما زالت مستمرة وأنه لم يمنح بنكيران أي اسم للاستوزار وأن الخلاف حاصل حول وزارة التجهيز والنقل وأن خيار الخروج من الحكومة من الخيارات الممكنة في حالة ما تشبث بنكيران بهذه الحقيبة. تصريحات الفاسي خلقت المتاعب لبنكيران، الذي وجد نفسه أمام مسؤول حزبي ينكر حقيقة تقديمه أسماء الوزراء في اليوم الموالي الذي سلم للديون الملكي هيكلة الحكومة والأسماء المرشحة للاستوزار، مما جعل الرأي العام، الذي يواكب المستجدات عبر وسائل الإعلام، يتساءل أي منهما يكذب: بنيكران أم الفاسي؟. غير أن الذين يعرفون رئيس الحكومة الجديد عن قرب أقروا بأنه لا يقول إلا الصدق، وأنه فعلا قدم اللائحة للملك، وأن حزب الاستقلال قدم مرشحيه، وهذا ما يخالف ما ذكرته جريدة «العلم»، التي نشرت أشبه ببيان بعد يومين من تسليم اللائحة تؤكد بأن «حزب الاستقلال لم يقدم بعد أي أسماء وأن ما يتم الترويج له لا يتعدى أن يكون مجرد معلومات غير دقيقة تستقيها وسائل الإعلام من مصادرها التي تبدو متباينة». بيان حزب الاستقلال والتصريحات المتباينة بين رئيس الحكومة الجديد ورئيس الحكومة المنتهية ولايته كشفت، حسب متتبعين، عن وجود صراع يدور داخل حزب الاستقلال سببه الرئيسي «حرب الاستوزار»، التي انطلقت شرارتها الأولى مباشرة بعد إعلان الحزب مشاركته في الحكومة، وأن التفويض الذي منح للفاسي لم يكن كافيا للتخفيف من حدة هذه الحرب. هذا التفويض الذي كان أول من منحه هم برلمانيو الحزب، وهو ما جعل بعض الانتقادات توجه في هذا السياق على أن الفريق البرلماني ليس هيئة تقريرية لحزب الاستقلال، وأن الجهة المخول لها منح التفويض هو اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني. هذا التفويض وقع اختلاف حول تفسيره، إذ اعتبره حميد شباط، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، تفويضا شاملا وبدون شروط أو قيود، حيث قال في تصريح سابق ل«المساء» : «إن الحزب فوض للأمين العام للحزب تفويضا شاملا غير مشروط ولديه اقتراحات الأسماء لكل وزارة، وثقتنا كبيرة فيه، وله الحق في أن يقدم أسماء وزراء حسب القطاعات الممنوحة لحزب الاستقلال، ولم نشترط عليه أن يعود إلى اللجنة التنفيذية ليأخذ موافقتها في الأسماء أو الحقائب»، غير أن قيادات استقلالية ترى عكس ذلك، ومنهم امحمد الخليفة، الذي قال في حوار مع «المساء»: «ليس هناك تفويض شامل لأي كان في العمل السياسي»، موضحا أن «تفويض إدارة الحوار لا يعني سياسيا ولا حتى حقوقيا اتخاذ قرارات منفردة، بل لا بد من الرجوع إلى السلطة التي منحت هذا التفويض، وأن مسطرة التفويض هذه هي التي خلقت كل هذا الصخب والانتقادات الموجهة إلى حزب الاستقلال». حزب الاستقلال الذي جاء في المرتبة الثانية كان من الأحزاب التي سارعت إلى إعلان موقفها المبدئي القاضي بالمشاركة في حكومة بنكيران، فكان قرار اللجنة التنفيذية المصادقة بالإجماع على هذا الموقف، تلاه اجتماع المجلس الوطني، الذي وافق على الدخول إلى تشكيلة أولى حكومة بعد الدستور الجديد. لم تكن مهمة الفاسي بالسهلة، حسب المتتبعين، فقد تلقى حوالي 150 طلبا للاستوزار، ولكل قطاع أسماء وزرائه، ووجد نفسه أمام منطق «الترضيات» و«اللوبيات»، التي تسعى إلى وضع مرشحين بأعينهم، وأن كل خطبه ومداخلاته داخل مؤسسات حزبه لم تجد لها صدى على أرض الواقع، خاصة أنه وعد أعضاء مجلسه الوطني بأن حزب الاستقلال سوف يقدم مرشحين من الشخصيات الوطنية المقتدرة المشهود لها، التي لها إشعاع وطني، وقادرة على الدفاع عن الحزب ومبادئه وأفكاره داخل الحكومة وخارجها، وأن «الاستوزار لن يكون أبدا إرضاء لجهات معينة أو لأصوات في جهات ما، أو إرضاء لأي تيار كيفما كان»، وإنه على الأقل ستكون ضمنها شخصيتان بارزتان من الحزب تقود الكتلة الوزارية الاستقلالية داخل الحكومة. وعود الفاسي للمجلس الوطني وتضارب تصريحاته بينه وبين رئيس الحكومة الجديد جعل بعض الأخبار تتوارد، من بينها إقدام أعضاء من المجلس الوطني على جمع توقيعات من أجل إقالة عباس الفاسي، وهو الأسلوب الذي اعتبره القيادي في الحزب امحمد خليفة غريبا عن أخلاق حزب الاستقلال، وأنه لا داعي لهذه البطولات ما دام الفاسي سيتنازل على الأمانة العامة للحزب تلقائيا بمجرد الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة. إعلان ربما سيجعل الفاسي يتخلص من ورطة تصريحاته المتناقضة مع خلفه عبد الإله بنكيران.