عندما يشرف العام على الانتهاء، تتبارى وسائل الإعلام الإسبانية في رصد كل كبيرة وصغيرة خلال 365 يوما، وبما أن البلاد غارقة في أزمة اقتصادية تكاد تودي بها إلى الإفلاس، فإن نجم هذا العام كان هو ملك البلاد، الذي مرت عليه أحزان كثيرة، خرج منها كلها، تقريبا، سليما معافى. العاهل الإسباني يسود ولا يحكم، ومشاكله على هذا الأساس قليلة، وهو نادرا ما يتدخل في تفاصيل الحياة السياسية، وعندما يفعل ذلك فإنه يقوم به بانسجام تام مع ما ينص عليه الدستور، لكن رغم كل ذلك فمشاكل الدون خوان كارلوس، خلال المدة الأخيرة، صارت أكثر مما يحتمل ملك في الثالثة والسبعين من العمر. مقابل ابتعاد الملكية الإسبانية عن المشاكل، فإن المشاكل هي التي تزحف نحو قصر «لاثارثويلا». وقبل بضعة أسابيع، وجدت الأسرة الملكية الإسبانية نفسها في قلب مشكلة لا يتمناها لها ألد أعدائها، وذلك عندما تم ضبط صهر الملك، إينياكي أوردانغارين، وهو لاعب كرة يد سابق، متورطا في تحويل أموال خاصة وعامة إلى حسابه الخاص، تحت يافطة مؤسسة عمومية يديرها رفقة أحد شركائه. أوردانغارين متهم بخلق مؤسسة شبه خيرية، وبواسطتها جمع ملايين الدولارات، وحول أموالا إلى خارج البلاد، وتملص من أداء الضرائب، ومارس ضغوطا على مقاولين ومؤسسات عمومية من أجل مد مؤسسته بالمال.. مقابل لا شيء تقريبا. صهر الملك أثبت نظرية قديمة تقول إن الجلباب لا يصنع الراهب، وهكذا فإن لقب «صهر الملك» لم يمنع هذا الرجل من تلطيخ سمعة أسرة عرفت دائما بحساسيتها البالغة إزاء قضايا الفساد. حكاية أوردانغارين أعادت إلى الواجهة أولئك الجمهوريين الإسبان الذين عادوا مرة أخرى لكي يذكروا الإسبان بأن «الجمهورية هي الحل»، لكن لأغلبية الإسبان موقف إيجابي من ملكيتهم، بشرط أن ينزل سيف القانون على كل الذين يقتربون من القصر من أجل تحقيق مآربهم الخاصة، حتى لو كانوا أصهار الملك، خصوصا في وقت تعاني البلاد من أزمة خانقة تكاد تودي بها إلى مهاوي الإفلاس. نتيجة هذه القضية كانت واضحة، أي أن يذهب صهر الملك نحو المحكمة، وأن يتم تجريده من امتيازاته، في انتظار أن تقول العدالة كلمتها. لكن هناك جهات لم تنتظر قرار المحكمة، مثل متحف الشمع في مدريد، الذي يضم تماثيل شمع لكبار الشخصيات الإسبانية والعالمية، والذي قرر على الفور إزالة تمثال صهر الملك وزوجته الأميرة كريستينا. هذا القرار يبدو طبيعيا لأن الشمع لا يحتمل كثيرا حرارة الإعلام وصهد المحاكم. لكن كل نقمة في طيها نعمة، وكثير من الإسبان تفاءلوا خيرا بهذه الفضيحة، لأنه مباشرة بعدها قررت الأسرة الملكية الكشف عن المزيد من مصاريفها، عبر موقعها الخاص على شبكة الأنترنيت. ويقول الإسبان إن كثيرا من المصاريف سيتم الكشف عنها، بما فيها مصاريف الحلاقة وتصفيف الشعر. كما أن الأسرة الملكية الإسبانية تعتزم الدخول في مخطط تقشف طويل المدى، رغم أن مبلغ 9 ملايين أورو، المخصصة لها من الميزانية العامة كل عام، تعتبر ضئيلة مقارنة بأنظمة رئاسية جمهورية في أفقر بلدان العالم. قبل قضية زوج ابنته، كان خوان كارلوس أثار موجة لغط بين الإسبان، حين ظهر قبل بضعة أسابيع بزرقة داكنة تحت عينه اليمنى. وقبل أن يفسر الملك ما حصل، وجد الكثيرون من خفيفي الدم نكاتا كثيرة، ليس فيها إساءة بقدر ما فيها بعضا من إسقاط التكلف، لكن في النهاية شرح الملك سبب زرقة عينه وقال إنها نتيجة اصطدامه بباب غرفة في لحظة سهو، لكن كثيرين ربطوا سهوه بفضيحة زوج ابنته. العاهل خوان كارلوس غالبا ما كانت مشاكله الأسرية تؤثر عليه، وعندما دخل في شجار علني مع الرئيس الفنزويلي قبل عامين، فإن كثيرين أرجعوا ذلك إلى مشاكل ابنته البكر، التي كانت على وشك الطلاق. ملك إسبانيا يخرج عموما من مشاكله واقفا. فعل ذلك قبل ثلاثة عقود عندما اتهمته أطراف بالتواطؤ مع الانقلابيين ضد الديمقراطية، وفعل ذلك أيضا يوم وجد نفسه في قلب قضية «الاستثمارات الكويتية». هو اليوم في آخر امتحاناته مع صهره، خرج في خطاب رأس السنة يقول إن لا أحد سيكون معفيا من القانون، والإشارة واضحة جدا إلى زوج ابنته. خوان كارلوس هنأ الإسبان أيضا بحكومتهم الجديدة، وعدد أعضائها 13 وزيرا فقط.. لا غير. سيف القانون فوق رأس الفساد، والأزمة الخانقة تعالجها حكومة من 13 وزيرا، والطريق نحو المستقبل واضح وشفاف.