من المؤكد أن المخرج المغربي، عبد الحي العراقي، لم يكن يفكر مطلقا، وهو ينجز فيلمه «جناح الهوى»، في المشاهدين المحتملين لفيلمه داخل المغرب وخارجه، ومن بينهم أفراد جاليتنا في الخارج؛ ومع ذلك فقد حصل أن وجد مغاربة مقيمون بالإمارات العربية المتحدة أنفسهم وجها لوجه أمام الفيلم وقد جاء يسعى إليهم ضمن مسابقة «المهر العربي» لمهرجان دبي السينمائي، الذي انعقدت دورته الثامنة هذا العام بين 7 و14 ديسمبر الجاري. كان من الطبيعي تماما أن يستشعر المغاربة المقيمون ببلدان الخليج رغبة في عقد الصلة بثقافة بلادهم وفنها عن طريق مشاهدة فيلم مغربي يعرض في بلاد إقامتهم (أو اغترابهم)، كما كان طبيعيا أن يدعوا أصدقاءهم العرب العاملين معهم لمشاهدته، معتبرين اختيار فيلم من وطنهم البعيد للمشاركة في مهرجان سينمائي دولي مبعث فخر واعتزاز بالنسبة لهم. غير أن خيبة أملهم كانت كبيرة، وبدل الشعور بالاعتزاز ساد الخجل صفوفهم، بل والندم لأنهم حضروا العرض ودعوا معارفهم لمشاهدةٍ بطعم «الفضيحة». لا يتعلق الأمر هنا برداءة الفيلم وعدم تماسكه الفني وعجزه عن الإقناع وسوء إدارة مخرجه للممثلين فحسب (والتي تطرح أسئلة حقيقية حول أسباب اختيار مهرجان دبي له)، بقدر ما يتعلق بمشاهد العري التي تضمنها، وبالقيم التي يدافع عنها (تبرير الخيانة الزوجية، مثلا...). «لقد كنا نتوقع فيلما يرفع رأسنا هنا - تقول مغربية تعمل في مجال الإعلام – لكننا فوجئنا بفيلم يزكّي الصورة النمطية المنتشرة عن المغربيات بين سكان الخليج». والحقيقة أن هذا القول يعبّر خير تعبير عن الفكرة القائلة إن قراءة الفيلم لا يمكنها أن تكون واحدة بالنسبة للجميع وبأنها تختلف من شخص إلى آخر ومن مكان إلى آخر، بما يعني أن نظرة مشاهد سويدي، مثلا، يقيم في أوروبا، لفيلم «جناح الهوى» سوف تكون مختلفة حتما عن نظرة مشاهد مغربي يقيم في أبوظبي للفيلم نفسه. ولا شك أن اختلاف القراءة هذا يعود إلى جملة أمور من بينها الحمولة الثقافية لكل مشاهد، وسياق المشاهدة، والعلاقة بالمحيط المهني والاجتماعي، إلى غير ذلك من الأمور التي يتعذر فصلها عن تذوق سينمائي يستحيل، فوق ذلك، أن يتم في «المطلق»... لذلك لم يستطع المغاربة المقيمون في الإمارات أن يفصلوا ما شاهدوه أمامهم على الشاشة عن الصورة النمطية المنتشرة عن المرأة المغربية في بلدان الخليج العربي (التي نعرفها جميعا ولا حاجة من ثمة للخوض في تفاصيلها)، وكانت لهم قراءة خاصة بهم انطلقت من إحساسهم بأن مشاهد العري والحوارات البذيئة في فيلم العراقي وفي أفلام مغربية أخرى أتيح لهم أن يشاهدوها خلال شهري أكتوبر وديسمبر (بدبيوأبوظبي) لا يمكنها إلا أن تعمل على ترسيخ تلك الصورة في الأذهان، مع ما يستتبعها من تعميم لنظرة تقوم على الدونية والاحتقار تشمل النساء المغربيات بوجه عام ولا تقتصر على فئة منهن دون أخرى. وقد وصل الأمر ببعض الإعلاميين المغاربة العاملين بالإمارات (والذين يقدمون صورة مشرقة عن بلادهم، كما هو معلوم) إلى حد توقيع عريضة تشجب وتستنكر «نوعية ومستوى الأفلام التي تتم المشاركة بها، باسم المغرب، في المهرجانات السينمائية التي تقام في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تعطي انطباعا سيئا عن المغرب وعن أخلاق المغاربة». هي قراءة يحتمل أنها لم تخطر على بال مخرجنا مطلقا؛ وفي تركيزها على البعد الأخلاقي (وليس الجمالي- الفني، كما هو مفروض) للفيلم لا تقوم سوى بإبراز الهوة العميقة التي صارت تفصل عددا من المخرجين المغاربة عن جمهورهم المحلي، وحقيقة أن هؤلاء المخرجين صاروا منفصلين عن نبضات مجتمعهم، يفضلون العيش في برج عاجي (فرنكوفوني؟) عالٍ يحول بينهم وبين التقاط انتظارات بني جلدتهم على مستوى الإبداع الفني، والسينما منه على وجه الخصوص.