صعب أن لا تكون رحيما بفيلم مغربي، لكن ماذا لو لم يكن ذلك الفيلم رحيما بنفسه، فنيا وجماليا، ولا رحيما بنا كمتفرجين؟.. صعب أن لا تكون رحيما بفيلم مغربي، خاصة حين يكون رسالة ثقافية، فنية وإبداعية عنك وعن بلدك أمام العالم في مهرجان دولي. وللحقيقة فإن الأفلام المغربية التي عرضت حتى الآن ضمن مسابقة المهر العربي للفيلم الطويل، بالدروة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي، لا تترك لك من مجال للتعليق غير النقد. ذلك أن المنجز الفني لهذه الأفلام، جماليا وفنيا وصناعة سينما، لا يرتقي إلى المأمول المرتجى من قوة فنية تجعل يقين التنافس قائما لها أمام باقي الأفلام العربية المشاركة. مع تسجيل ملاحظة أساسية أن أغلب الأفلام العربية الطويلة، المشاركة هذه الدورة، لا ترتقي إلى المستوى المطلوب فنيا وإبداعيا، بل إن البعض فيها، غارق في استسهال للعملية الإبداعية لا يستقيم وتقنية إنتاج الصورة والصوت، التي تهبها كإمكانية فنية السينما. وهذا يضع لجنة الإختيار أمام مسؤوليتها الكاملة، كونها أجازت مشاركة بضع أفلام عربية لا يتوفر فيها الحد الأدنى للإحترافية المغرية بإخصاب الخيال وإنضاج الجمال وبث فيروس المحبة للموضوعة الفنية التي تتحداك كي تبني معنى للحظة فنية آسرة. مغربيا، سجل عرض الفيلمين المغربيين «شي غادي وشي جاي» للمخرج حكيم بلعباس و «جناح الهوى» للمخرج عبد الحي العراقي، حضورا محترما للجمهور المتتبع لفعاليات الدورة الجديدة من مهرجان دبي، وضمنه عدد من المغاربة المقيمين في دبيوأبوظبي. لكنه جمهور خرج بجوعه الذي ظل قائما من أجل الحق في الإبهار الفني، كما اعتادوا على ذلك من السينما المغربية، في أغلب دورات المهرجان السابقة. ذلك، أن من الأمور التي وقفنا عليها أكثر من مرة هنا، أن الجمهور الإماراتي معجب كثيرا بالمنجز المغربي، سينمائيا، خلال السنوات العشر الأخيرة، وأنه تعود أن يكون الوعد الفني والإبداعي للسينما المغربية دوما وفيا لعلو كعب عال. لكن، في هذه الدورة، واضح أنه بقي على جوعه، حتى لا نقول على صدمته من ما عرض أمامه من أعمال مغربية. ولعل ما قد يصدم الكثيرين منا، في المغرب، الذي يراكم تراجعا عموميا في الإهتمام بكل ما هو جمالي سينمائيا، من خلال تواصل إغلاق دور السينما الأشبه بالنزيف، أن في دبي ما يتجاوز المئة قاعة سينما، تقف فيها الصفوف طويلة من أجل الفرح بالجمال الفني والتغريب المخصب الذي تحدثه كل عملية إبداعية للتخييل. كثيرون انتظروا بشغف خاص فيلم المخرج المغربي حكيم بلعباس «شي غادي وشي جاي»، الذي عرض لأول مرة عالميا، هنا في دبي. بسبب السمعة التي تسبق صاحبه، في أعمال فنية سينمائية ووثائقية سابقة. لكن، مع توالي مشاهد الفيلم، كان بعض قلق يتسرب للأنفس الشاخصة أمام شاشة قاعة السينما رقم 12 بمول الإمارات الضخم. وبدأت بعض الهنات تبرز هنا وهناك، خاصة على مستوى الحوار الممطط، وشكل تهييئ البطلة «هدى صدقي» (كان مثيرا كيف لم ينتبه المخرج لمسألة الشكل، حيث كان واضحا أن عناصر الأنوثة الخاصة بالبطلة هي مدينية وليست قروية. والحال أن شكل الحواجب والأظافر وملامح الوجه كلها لا تستقيم وشخصية زوجة أم بدوية). مثلما أن توالي المشاهد، فيه نفس تمطيطي متعب للمشاهد، يجعله لا يتتبع القصة بما أراده لها كاتب الفيلم ومخرجه من شغف. بل تمة أيضا، تجاور غير منطقي دائما، بين الفيليمي والوثائقي في فيلم بلعباس، يعكس ورطة أو استسهالا غير معتاد منه في أعمال فنية سابقة. بل ثمة أحيانا إحساس أن ثمة تسرعا ما في توضيب الشريط وفي مونتاجه العام. علما أن القصة قوية إنسانيا وإبداعيا، وهي فكرة الهجرة من البلد وسلخ الجذور واجتثاث الذات من نفسها، لكن للأسف كان ثمة استسهال في بناء القصة، جعل المتفرج يقع في ورطة محبة موضوعة الفيلم وبين جوعه لأن يقدم الشريط توليفة إبداعية عالية في إغرائها الفني والإنساني، تحقق لذة المشاهدة وعمق التفاعل الإنساني والفكري معها. ويكاد المرء يقول إنه طلقة ضائعة، أخطأت هدفها كثيرا. الفيلم المغربي الثاني «جناح الهوى» للمخرج عبد الحي العراقي، خلق صدمة أخرى محببة جماليا عند المتلقي، وهي صدمة الإنتباه للغة الجسد كتعبير فني قائم الذات. لكن السؤال الذي ظل حاضرا بين الجمهور والنقاد العرب والأجانب: ألم تكن ثمة مبالغة في لغة الجسد، حتى انقلب الشئ إلى ضده؟. وهو سؤال يمتلك الكثير من أسباب الوجاهة، لأنه العملية الفنية، أحيانا، حين تقحم فيها اللقطات الساخنة بدون سياق فني يبرر ذلك ويجيزه ويبرره، يسقط في منطق للإثارة لا معنى له. وذلك بعض مما وقع فيه فيلم «جناح الهوى». علما أنه من الناحية الفنية ثمة تحكم واضح في اللغة السينمائية، تصويرا وتحرك شخوص. لكن التوليفة العامة للفيلم كرسالة فنية محضة، فيها ما فيها من عطب يشوش على تحقق التواصل السلس بين موضوعة الفيلم والمتفرج. وهذا عطب يكون في الكثير من المرات قاتلا لكل إبداع صوت وصورة مثل السينما. ولربما أنه هو أيضا، يعكس استسهالا في التعامل مع الموضوعة الفنية، لا يستقيم وما تستوجبه الجدية الفنية في التعامل مع السينما. الخلاصة الكبرى، لأسف، حتى الآن، هي أن الوعد السينمائي المغربي في هذه الدورة أخلف موعده. وهنا بدبي لا نجد من جواب، سوى جواب واحد يجمع عليه الكل، أن مهرجان أبوظبي نجح عاليا في اقتناص أهم الأفلام العربية والمغربية، الواعدة والعالية القيمة فنيا، هذه السنة وأنه لم يترك لدورة دبي سوى القليل من الخيارات الواعدة. علما، أن الشق الخاص بالفيلم الآسيوي والإفريقي عالي القيمة، وهذا موضوع ورقة خاصة قادمة.