سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كناني للمساء : العالم الإسلامي لم يتقن بعد فن الحديث إلى أمريكا قالت إن مجموعة من الشركات سحبت إعلاناتها من برنامج يظهر المسلمين أناسا عاديين غير إرهابيين
فرح كناني، كاتبة وناشطة جمعوية مغربية مقيمة في منطقة واشنطن، ألفت كتابا عن شهر رمضان الكريم باللغة الإنجليزية لأطفال أمريكا، قالت في حوار مع «المساء» إن المسلمين في أمريكا في حاجة للوحدة والدفاع عن مصالحهم، كما شككت في وجود سوء فهم بين العالم الإسلامي والغرب وقالت إن المسلمين لم يتقنوا بعد فن الحديث إلى أمريكا، بالرغم من تجاوز المسلمين المقيمين على أراضيها لحالة الصدمة التي انتابتهم عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر. - لماذا قررت تأليف كتاب عن الإسلام للأطفال في أمريكا؟ الكتاب الذي نشرته مؤخرا لا يتحدث عن الإسلام بصفة عامة بل يتطرق إلى أحد أركانه وهو صيام شهر رمضان وما يرافق ذلك من طقوس وعادات. لم تأت فكرة نشر الكتاب من فراغ بل بدت لي كضرورة ملحة يفرضها عدم استيعاب معظم تلاميذ المدارس الأمريكية التي زرتها بل وحتى أغلب أساتذتهم لمعنى صيام رمضان. فمنهم من يعتبره فلكلورا ومنهم من يظنه عقوبة، بينما يراه البعض طريقة لإنقاص الوزن. المؤسف في الأمر هو أن نفس هؤلاء التلاميذ وأساتذتهم يتحدثون بكل طلاقة عن الأعياد المسيحية واليهودية بل وحتى الهندوسية، أضف إلى ذلك بعض الممارسات اللاتينية والصينية بل وحتى الإفريقية-الأمريكية كالكوانزا مثلا! عندما استفسرت إحدى المسؤولات التربويات في أمريكا صارحتني بعدم توفرهم على مرجع موضوعي يفسر رمضان بطريقة مبسطة يستوعبها الأطفال، وبالفعل قمت بزيارة لمجموعة من المكتبات ولم أجد ما يشفي الغليل فقررت كتابة مقال بهدف نشره في إحدى المجلات الموجهة للأطفال، غير أن الناشر الذي أرسلته له نصحني بالتريث ومحاولة التوسع في الموضوع لأنه، حسب قوله، رأى في المقال «مشروع كتاب تحتاجه السوق الأمريكية حاليا». هكذا بدأت رحلتي لتأليف كتاب حول رمضان للأطفال. - كم استغرقت عملية التأليف؟ وهل استشرت مراجع دينية خلال عملية التأليف؟ استغرق الموضوع ما يقارب السنتين، كنت أعمل جاهدة خلالها على إيجاد المصطلحات المناسبة للأطفال واستشارة المراجع الدينية ومحاولة تمثيل معظم مدارس الفكر الإسلامي.. فعلى سبيل المثال عندما أتطرق في الكتاب للتراويح أشير أسفل الصفحة إلى كون المسلمين الشيعة لا يصلون هذه الصلاة التي تظل اختيارية. - كيف تم النشر والتوزيع وهل حققتِ أرباحا من وراء الكتاب؟ كيف تلقت الأوساط الثقافية كتابك؟ لحسن حظي، والفضل في ذلك يعود لله ولصديقتي إقبال وهي ناشطة جمعوية مغربية بفرجينيا، أثمر أول لقاء لي بأول ناشر أقابله. إذ تحمس السيد علم الدين قدورة لفكرة الكتاب وأكد استعداده لتحمل نفقات الطبع والتوزيع عبرشركته «مبدع للتعليم والنشر». ولكون أصوله فلسطينية، فقد كان للسيد قدورة إضافة مميزة سواء على مستوى ملاحظاته الدقيقة أو مساهماته للتعريف بمختلف طرق استقبال رمضان في المشرق العربي. فور طبع النسخ الأولى قمت والسيد قدورة بحملة ترويج عبر تلبية دعوات لتوقيع الكتاب في معارض و مدارس ابتدائية. وكان أكثر ما يشدني خلال تلك اللقاءات المباشرة مع مقتني الكتاب هو إعجاب الأطفال بقدرة المسلمين على عدم الأكل خلال يوم كامل وكذا استمتاعهم بالصور التي أتقنت رسمها السيدة لورا دياب، وهي سيدة أمريكية أسلمت منذ سنين طويلة. طبعا وزعت الكتاب في المدرسة التي يرتادها أطفالي وأثلج صدري توصلي برسائل عبّر من خلالها الأساتذة عن ارتياحهم لوجود مرجع مبسط يساعدهم وتلاميذهم على فهم رمضان. وهكذا اتضح لي بعد هذه اللقاءات المباشرة أن الكبار أيضا اهتموا بالكتاب فقررتُ الترويج له في موقع «فيسبوك» عبر صفحة فتحتها خصيصا لعرض كل الأنشطة المتعلقة بالمؤلف من مقالات ومعارض واستجوابات ... وساهمت هذه الخطوة في التعريف بالكتاب خاصة لدى الجالية المغربية، التي سارع عدد كبير من أعضائها لاقتنائه بغية تشجيعي وهو السلوك المفند للأقاويل التي تزعم عدم تلاحم الجالية المغربية في الخارج. طبعا نقوم بهاته المجهودات الفردية والتي تظل متواضعة، نظرا لتواضع إمكانياتنا، وهذا يجرني للحديث عن الأرباح لأقول لك وبكل صراحة إنه لا زلنا نحاول الحصول على التمويل الذي من شأنه أن يحقق لنا الربح المادي عبر طبع أكبر عدد من النسخ. بالمقابل لا أنكر الربح المعنوي الذي مكنني الكتاب من الاستمتاع به. أستمتع أيضا بالتغطية الإعلامية -الإيجابية في مجملها- التي يستفيد منها الكتاب والتي ساهمت في التعريف به عالميا حيث تداولته مقالات نشرت في منابر إعلامية أمريكية وفي شمال-إفريقيا والخليج وأروبا وحتى في وسائل إعلام إندونيسية. - هل تعرضت لأي نوع من المضايقات بسبب الكتاب؟ الكل يعرف أنه لا بد لأي عمل من مؤيد ومعارض، و قد ارتفعت بعض الأصوات في أحد المنتديات الفرنسية تحذر من خطورة الكتاب وتدرجه في ما أسمته «مخطط أسلمة العالم»! منتديات أخرى ارتأت أن تنتقد الكتاب دون قراءته وربطته بأحداث 11 شتنبر وأنه محاولة لتحسين صورة المسلمين، ولا صحة لهاته المهاترات فلست أراني مذنبة حتى أبرّر قناعاتي الدينية أو أعتذر عنها! الكتاب ببساطة بطلته فتاة أمريكية من أصول مغربية تتحدث لأصدقائها عن رمضان بكل تفاصيله، خصوصا العادات المغربية كالحريرة والجلابة المخصصة للتراويح. ... - تساهمين كناشطة مغربية مسلمة في منطقة واشنطن في العديد من الأنشطة الثقافية المشتركة مع الأمريكيين، ماهو في نظرك السبب في سوء الفهم بين العالم الإسلامي وأمريكا؟ هل هناك فعلا سوء فهم بين العالم الإسلامي وأمريكا؟ الشعب الأمريكي عموما مستعد لاستقبال الآخر والاستماع إليه، لكن ربما لم يتقن العالم الإسلامي بعد طرق محاورة أبناء العم سام! ثم بالله عليك لنتحدث بصراحة: عن أي عالم إسلامي نتحدث والدول الإسلامية نفسها غير متفقة مع بعضها البعض؟ وما الذي يجمع تركيا بأفغانستان مثلا أو السودان بالشيشان حتى نوحد الكل تحت مظلة واحدة؟ المشكلة هي بالأحرى بين الغرب والصورة التي لديه عن الإسلام والتي يعمل الإعلام اليميني المتطرف جاهدا على ترسيخها، مسخرا في سبيل ذلك آليات وميزانيات ضخمة تتعامل بخبث ومكر مع أي خبر له علاقة بالإسلام و لو من بعيد. هاته الآليات لا تقوم بذلك وحسب، بل وتهاجم بشراسة كل من يحاول تسليط الضوء على النقط الإيجابية المشتركة بين المسلمين وغيرهم وقد تتبعنا، مؤخرا، وبكل أسف كيف سحبت مجموعة من الشركات إعلاناتها من برنامج أبطاله عائلات أمريكية مسلمة بسبب تذمر جماعة مسيحية يمينية اعتبرت البرنامج مهددا لأمن الدولة الأمريكية كونه يُظهر المسلمين كأناس عاديين وغير إرهابيين! الإعلام اليميني يتحين الفرص لتشويه صورة المسلمين ويصر على تصويرهم كهمج متعطشين للدم، وما يزيد الطين بلة أن أغلب الأخبار التي تأتي من هذا المسمى بالعالم الإسلامي تافهة بل وأحيانا مشمئزة ويقشعر لذكرها البدن: فأحدهم يتحدث عن رضاعة الكبير والآخر عن زواج الرضيعات بينما يأتي الخبر الثالث ليربط بين التكبير (الله أكبر) و التنكيل بالأموات!.. حدث ولا حرج عن مثل هذه المواضيع البعيدة عن حقيقة الإسلام السمحة. ومع ذلك لا أرى المسألة صراعا دينيا بل بالأحرى أطماعا اقتصادية تساعد الخطابات الدينية الشعبوية على تيسير تحقيقها. فلما تصور شعبا بأكمله بالمتخلف المستهتر والمتعطش للدم فلن يصعب عليك تجنيد شعبك وقتما أردت للتدخل العسكري «لحماية مصالح ذلك الشعب الهمجي ومنحه هبة الديمقراطية». بالمقابل، وحتى نكون عادلين، يوجد إعلام نزيه يستميت لتوضيح الصورة ويرفض التعميم والأحكام المسبقة في أمريكا. توجد إيمي غودمان و نعوم تشومسكي وغيرهم كثير من أشراف هذا البلد وأتباعهم يعدون بالملايين غير أن صوتهم يظل خافتا أمام جبروت الإعلام اليميني المدعوم بلوبيات قوية التي تحبذ سياسة القطيع، ويهمها أن تتحجر العقول ليتحول أصحابها إلى مجرد مستهلكين أكبر همهم تحميل الآخر مسؤولية مآسيهم وللأسف الشديد يتمثل «الآخر» اليوم في المسلم وقد كان في الماضي القريب أسود ثم اشتراكيا... - لماذا فشل المسلمون المهاجرون في أمريكا في التغلغل داخل النظام الأمريكي وبناء درع لحماية مصالحهم إسوة باليهود مثلا؟ لا يجدر أن نصدر هذا الحكم القاسي على الجالية المسلمة، خاصة أنها في مجملها قامت بإعادة تقييم ذاتي مهم بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر وحققت قفزة معنوية تمثلت أساسا في نبذ الخطابات الاعتذارية ومقايضة من يزايد على وطنية أبنائها أو-على الأقل- استنكار ذلك. تبقى القفزة الحقيقية التي ننتظر أن تتحقق وهي تكوين لوبيات دعم اقتصادية وسياسية تضمن حماية مصالح المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ما يجدر ذكره هو أن أصحاب القرار في أمريكا يفضلون الحنكة السياسية المدعومة بالقوة الاقتصادية وليسوا وحيدين في ذلك أو سباقين إليه، فحتى صاحب الدعوة الإسلامية السامية الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لجأ إلى قوة أصحمة بن أبجرالنجاشي -رضى الله عنه -ملك الحبشة الذي أعطى الأمان للمسلمين المهاجرين إليه وحمى مصالحهم بفضل قوته الاقتصادية والسياسية في الوقت الذي كانت فيه الدعوة الإسلامية تلاقى باستنكار وعداء. واسمحي لي هنا أن أفتح قوسين لأستنكر العنصرية العرقية المتفشية في الدول الإسلامية، خاصة ضد السود الذين كان تدخل جدهم الحبشي مصيريا لأجداد هؤلاء المدعين الإسلام اليوم. على العموم، أضحى الإسلام جزء لا يتجزأ من الفسيفساء المكونة للمجتمع الأمريكي أبى من أبى وقبل من قبل وعلى المسلمين الأمريكيين أن يتفادوا أي تبعية لأجندات سياسية خارجية تخدم مصالح مذهبية معينة و تزيد الهوة شساعة بين مسلمي أمريكا ومواطنيهم غير المسلمين. الإسلام في أمريكا له خصوصيته وأتباعه الأمريكيون الذين استوعبوا طريقة الحوار الأمريكية بل و أتقنوها وهم وحدهم من بيدهم مفتاح ضمان مصالحهم عبر التوحد في إطار يكون قاسمه المشترك هو المصلحة الاقتصادية بغض النظر عن الاختلافات المذهبية والثقافية.