لم نكن قط قبيحين بهذا القدر، فرئيس الحكومة يريد أن يُسكت المساجد وأن يجعل القناة العاشرة ظلاما، ويعبر وزير الخارجية عن تأييد للديموكتاتور الروسي الذي زيف الانتخابات من قريب، ويتنحى وزير الدفاع جانبا والمستوطنون ينكلون بالفلسطينيين والحريديون القوميون ينكلون بالجنديات، ويحاول وزير العدل أن يجعل المحكمة العليا واحدة من شركاته الثانويات، ويعمل المستشار القانوني للحكومة على منع وسائل الإعلام من تقديم تقارير عن تحقيقات مع ناس الحياة العامة، ويُقصي نائب وزير الصحة النساء عن مراسيم رسمية، ويضعضع رئيس الائتلاف المجتمع المدني ويجعله عقيما، ويُبعد متطرفون متدينون النساء ويطغون على العلمانيين ويبصقون على الكهنة، ويحرق مخربون يهود دور الصلاة للمسلمين، يجتاحون معسكرات الجيش الإسرائيلي ويهاجمون الجنود. العيون ترى ما لا تصدق أنها ستراه: ظلام في الظهيرة. إسرائيل المظلمة تغطي على إسرائيل المتنورة. لقد كانت في الماضي لحظات مظلمة: كفر قاسم، صبرا وشاتيلا، مذبحة غولدشتاين. كانت في الماضي محاولات لإسكات الصحافة: كول هعام، هعولام هزيه، حداشوت. كانت في الماضي هجمات على الجهاز القضائي: دانييل فريدمان، دانييل فريدمان، دانييل فريدمان. المرة تلو الأخرى كانت هجمات من اليمين العلماني واليمين الديني على المبادئ الليبرالية والتقاليد الليبرالية، ولكن لم تكن أبدا هجمة شاملة، متعددة الأذرع ومتعددة الأبعاد، على اللباب القيمي للدولة اليهودية والديمقراطية. لم يسبق أبدا أن جرت محاولة بهذا الشمول لتشويه وجهنا وتغييره بوجه آخر. تحت قيادة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، أصبحت إسرائيل دولة قيمها هي قيم نيوت غرينغرتش ووجهها هو وجه فلاديمير بوتين. ما الذي يحصل هنا؟ ولماذا الآن بالذات؟ لماذا تفعل القوى المناهضة للديمقراطية العجب بحقوق الإنسان وكرامة الإنسان وحريته؟ لماذا تندلع القومية اليهودية المتطرفة والتزمت الأصولي بل والإلحاد الروسي كلها في آن واحد وفي موسم واحد؟ الجواب هو نتنياهو. في الماضي، كان نتنياهو محافظا حذرا وديمقراطيا. حين كان شارون لأودر إلى جانبه وبول جونسون في يده، سعى إلى تحويل إسرائيل إلى دولة سوق حرة قوية، قيمها هي قيم أمريكا الجمهورية، ولهذا فقد حكم نتنياهو الأول كديمقراطي وخسر كديمقراطي. وحتى عندما أفشله اليسار وأطاح به شد على شفتيه كجنتلمان وخفض رأسه. ولكن مثلما تغير الحزب الجمهوري في سنوات الألفين، هكذا أيضا نتنياهو. رجل رونالد ريغان أصبح رجل حفلة الشاي. فيما شلدون أدلسون إلى جانبه وليبرمان يشد على يده، فإن نتنياهو الثاني هو حاكم ذو ميل إلى القوة. ليست قواعد اللعبة هي التي توجه خطاه، بل الرغبة في احتلال مواقع القوة. ليس الحفاظ على الديمقراطية أمام ناظريه، بل الحفاظ على السلطة. وعليه، فإنه غير معني وغير قادر على إظهار الزعامة الأخلاقية. نتنياهو يسمح لكلابه بافتراس الديمقراطية الليبرالية بينما هو يقف جانبا، وهو لا يؤدي دوره كحامٍ لوثيقة الاستقلال الإسرائيلية. ضعف الزعامة والوهم الأخلاقي لنتنياهو هما اللذان أديا إلى اندلاع رقصة الشياطين. حقيقة أنه لم يمنع القوى الظلماء التي اعتملت دوما في أقبيتنا والتي دفعته إلى حيث دفعته، ولكن الأمر ليس متأخرا بعد.. نتنياهو يمكنه أن يوقف الجنون في لحظة واحدة؛ عليه فقط أن يوقف التشريع الشمولي وأن يلقي بخطاب كبير واحد في ثناء الديمقراطية والتنور وحقوق الإنسان، عليه أن يوضح أن العنف لن يمر وأن النساء متساويات، والعرب متساوون، وكل إنسان خلق في ظل الله. إذا كان الزعيم الأعلى لليمين يأمر غريبي الأطوار اليمينيين بالتوقف فإنهم سيتوقفون؛ إذا كان زعيم دولة إسرائيل سيقول إن الحرية والمساواة والقضاء وحرية التعبير هي القلب المفعم للدولة فهكذا سيكون. لن يغادر أي حزب الائتلاف، لن ينسحب أي وزير من الحكومة؛ لكن الشباب المطالبين بحماية هذا المكان سيعرفون على ماذا يحمون، والكبار الذين بنوا هذا المكان سيعرفون ما الذي بنوه.. الوجه في المرآة سيعود ليكون وجهنا.