الزبير بن بوشتى على الطريق الزاحف كأفعوان آسيوي استوقفني غياب صخرة الحب أو أفروديت طنجة أو حجرة البنات بلغة طنجاوة. هل كانوا يعلمون وهم يفرشون الطريق لأفعوان الزفت أن لَلاَّجْميلة صخرة مبجلة، لها روح تسري في حياة الصبايا والأمهات؟ لم أطعموها الأفعوان سندويتشا سائغا؟ من نفس الموقع حيث كانت الصخرة ذات يوم مزار القلوب والأحبة، يحلو لي أن أدقق النظر كل مساء متلصصا على بيت أنارته الشموع وجَمَّلته إضاءة متقنة الإبداع. أتذكر زياراتي لهذا البيت أيام كان في ملكية صديق طنجاوي. هو اليوم مزهو بكاتب وبكتب وبأفكار، وزوارٌ يؤنسون جدرانه التي تبدلت وبنيانه المتطاوس بقمصان بيضاء ذات الياقات المعقوفة المفضلة لدى مالكه الكاتب الفرنسي والفيلسوف المثير للجدل والريبة أيضا برنار هنري ليڤي أو BHL كما يفضل الباريسيون نعته تحببا أو استهزاء، كل حسب توجهه الفكري والسياسي. تدغدغ أرضيته خطى حافية لزوجته أرليت المتباهية بشبابها الدائم على شاشات السينما والتليفزيونات وخشبات المسارح، مخفية تجاعيد عمرها الطاعن في التصابي بفولارات إيڤ سان لوران. تلك هي نزوات رفيقة فيلسوف اختار أن يصير جارا لطنجاوي عريق اسمه مقهى الحافة. فهل استأذن يا ترى روح با امحمد قبل أن يأتي بآلاته لتعميق الأساسات في منحدر صخري هو في حد ذاته أساس لمن لا أساس له. هل كان لابد ل BHL أن يقض مضجع المقهى البسيط في غفوته الأزلية ليكتب على صخوره الصلبة مأساة أخرى بحبر من إسمنت وبلغة معمارية استعارها من قاموس السنوبيزم؟ وكما لأرليت في فولارات إيڤ سان لوران مآرب، فقد كان لإيڤ سان لوران هو الآخر في طنجة فولار حب دفين اختار له منزلا مبعثر الأجنحة بين أرجاء حديقة معلقة على طول منحدر سيدي بوقنادل. فضل صديق عمره وشريك حياته بيير بيرجي بيعه درءا لاستدعاء الذكريات ولربما هربا من هجمة بني جلدته من الفرنسيين على القصبة وما جاورها. بيير بيرجي ولهان طنجة العابر بنعال من ثروة لا يعرف من الكتاب المغاربة إلا عبد الله الطايع. انتقى لطنجته حصنا في مكتبة لي كولون ولخلواته عرينا يقطنه في ضيافة ليون الإفريقي. لماذا يا ترى استبدل بيير بيرجي القصبة؟ أهروبا من هذا الطريق الأفعوان الذي استشعر قدومه قبل الأوان؟ قد يكون الجواب لدى BHL جاهزا يحتفظ به سرا لعشاءات النميمة البيضاء. يروقني هذا الطريق الأفعوان، إذ يمنحني لذة كشف المستور لوجه طنجة الخفي، والذي ظل منكفئا عن ساكنة المدينة لمدة عقود. لا يميط عنه اللثام إلا من أتى طنجة جهة البحر في عبوره المضيق انطلاقا من الجزيرة الخضراء على ظهر الباخرة الأسطورة ابن بطوطة. من يصدق أن الباخرة اليوم صارت متحفا يرسو في ميناء يوناني يزار كمعلم تاريخي يثير فضول السياح والدارسين. مرة أخرى يُهمل ابن بطوطة في عقر الدار ليحتفي به الآخر. ومرة أخرى يصير ابن بطوطة - في شخص باخرة - شاهداً على أيام عز ميناء بعماله، بصياديه، بصناع مراكبه التقليديين، بباعة الصناعة التقليدية المتجولين فيه، بحماليه البررة الذين أفنوا عمرهم واستنزفوا سواعدهم الفتية في صناعة أمجاد مرفأ من أقدم مرافئ المتوسط. أين هم اليوم يا ترى هؤلاء الأبرياء البسطاء الضحايا المنبوذون؟ وكيف يتدبرون قوتهم اليومي بعد أن تخلى عنهم صناع التاريخ الجدد وتنكروا لما أسدوه للسياحة وللتجارة في ميناء المدينة العابر واستبدلوهم بشركات التدبير المفوض العابرة للقارات والقاطعة لأرزاق الضعفاء؟!