فاز الإسلاميون في تونس ثم في المغرب، وآخرا وليس أخيرا في مصر.. هذا الفوز أسعد البعض لكنه في الوقت ذاته شكل صدمة لآخرين، سرا أو علنا، الذين رؤوا في هذا المد الإسلامي الجارف تهديدا للحريات، وأن الإسلاميين يحملون خطابا مزدوجا، الأول يتبنى الديمقراطية والحرية والآخر ديني يهدد مكاسب الحداثة والحرية. شكل الفن أول اختبار لسقف الحريات المسموح بها داخل تونس بعد سلسلة أحداث عرفها الشأن الثقافي منذ الإطاحة بنظام بن علي، في انتظار موقف حزبي العدالة والتنمية في المغرب والحرية والعدالة في مصر. تونس.. علمانية أم إسلامية البداية مع تونس، العلمانية منذ استقلالها عام 1956، التي شكلت شرارة الربيع العربي التي أطاحت بزين العابدين بن علي، والتي عرفت حتى قبل فوز حزب النهضة الإسلامي محطات صراع بين العلمانيين والإسلاميين. عرض فيلم «لا ربي لا سيدي»، يوم 26 يونيو بقاعة أفريكارت بالعاصمة تونس، للمخرجة المثيرة للجدل نادية الفاني، المولودة لأب تونسي وأم فرنسية، عرف أعمال شغب وعنف حين قام أشخاص، لم يعلنوا عن هوياتهم، وإن تبين بشكل واضح انتماؤهم للتيار السلفي، وبرروا ما قاموا به بأنه دفاع عن الإسلام والمقدسات الدينية التي اعتبروا أنه وقع التعدي عليها في هذا الفيلم الوثائقي. ولم يتوقف الهجوم على المخرجة، التي أعلنت عن إلحادها بشكل علني، عند هذا الحد بل امتد إلى الفايسبوك، حيث اتهمت بالترويج للإلحاد، ودخل حزب «حركة النهضة» على الخط ورأى أن اسم الفيلم استفزازي، وحتى الناشط التونسي توفيق بن بريك رأى أن الفيلم أكثر من استفزازي، فيما دافع ليبيراليون واعتبروا ما وقع قمعا لحرية التعبير وتدخلا في عملية الإبداع. المخرجة قامت أمام الضغوط الكبيرة بتغيير عنوان الفيلم إلى «العلمانية إن شاء الله». ثم جاء عرض الفيلم الكرتوني الإيراني «بيرسيبوليس» فقامت عدة تيارات بتهييج الشارع ضد قناة «نسمة» التي عرضت الفيلم، بحجة أنه تخللته مشاهد تسيء للذات الإلهية. (ويروي الفيلم سيرة حياة كاتبته ومخرجته الإيرانية الأصل مارجان ساترابي، ويصور مشاعر الإحباط التي تعيشها إثر وصول الإسلاميين إلى الحكم)، وتعرض مدير المحطة التلفزيونية لتهديدات وصلت إلى حد التهديد بالقتل. بدوره تعرض فيلم «حكايات تونسية» خلال العرض الأول له الشهر الجاري، على هامش أيام السينما الأوربية، لانتقادات واسعة من طرف مرتادي الفايسبوك وتويتر، وذهب البعض إلى المطالبة بمنع عرضه بدعوى تضمنه مشاهد ساخنة فيها الكثير من الإباحية. وما زاد الطين بلة ظهور إحدى بطلاته «نادية بوستة» شبه عارية على غلاف مجلة « Tunivision» واتهمها البعض بالإساءة إلى سمعة المرأة التونسية وجعلها ك«سلعة رخيصة»، فيما كان ردها، من خلال إحدى المحطات الإذاعية التونسية، أنها لا ترى عيبا في صورتها عارية وأنها تعتبر استخدام جسدها قمة الحرية في التعبير. وتداولت وسائل إعلام تونسية مشاهد تهجم من طرف أشخاص وصفوا بالانتماء إلى التيار السلفي في تونس على مدرسة تربية تشكيلية، معتبرين أن الرسم والنحت والفن التشكيلي مخالفة للشريعة الإسلامية. أحداث أخرى بعيدة عن الفن عرفتها تونس شهدت صراعا بين التيارين، منها احتجاز عميد كلية لمنعه محجبات من دخول الجامعة ومهاجمة بعض الملتحين أستاذة غير محجبة وسيطرة آخرين على المطعم الجامعي بقابس، حيث فرضوا تقسيمه على أساس جنسي، إذ خصصوا قاعة للطلبة وقاعة أخرى للطالبات. كل هذه الأحداث وغيرها أثارت قلق التونسيين ودفعت المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان بتونس إلى إطلاق صيحة خوف على مستقبل الحرية والكرامة اللتين قامت من أجلهما الثورة. حركة النهضة دافعت عن نفسها بتشديدها على التزامها بالنظام الجمهوري الديمقراطي وبمبادئ حقوق الإنسان والمساواة والتقدم. مصر.. فنانون على الخط حملت صناديق الاقتراع في مصر، الشهر الجاري، فوزا لحزب «الحرية والعدالة»، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين، هذا الفوز الذي كان متوقعا خلف ردود فعل فنية متباينة في مصر، ففيما أكد بعض الفنانين ضرورة احترام اختيار الشعب، أبدى بعضهم الآخر تخوفه، ووصل الأمر بهم إلى التفكير في الهجرة خارج البلاد. المخرجة المصرية إيناس الدغيدي، المعروفة بجرأتها وأفكارها المتحررة صرحت علانية قبل الانتخابات بأنها ستغادر مصر لمواصلة مشاريعها الفنية في حال وصول الإخوان المسلمين أو السلفيين إلى سدة الحكم، على اعتبار رأي الجماعات الإسلامية مسبقا في ما تقدمه من أعمال سينمائية، كما أن الإخوان سبق لهم أن طالبوا بإقامة الحد عليها، وأهدروا دمها بسبب أفكارها المتحررة. وبعد فوز الإخوان عادت لتؤكد أنها ستقف في وجه التيارات الدينية حتى «لو مت وأصبحت شهيدة لهذا الفكر مثل شهداء التحرير». الفنانة هالة صدقي (وهي قبطية واسمها الحقيقي هالة جورج يونان) صرحت في لقاء تلفزيوني بكونها ترفض أن يتم إجبارها على ارتداء الحجاب في التمثيل بالقوة بناء على تعليمات الإخوان المسلمين أو غيرهم. مشددة على أنه في حالة إجبارها على ذلك ستقوم بالدفاع عن حقها وحريتها مهما كلفها هذا الأمر حتى إذا كانت حياتها ثمنا. علا غانم، بدورها أبدت تخوفها على مستقبل الفن في مصر وأنها قد تهاجر إلى أمريكا لو حاول الإخوان تحويل مصر إلى إيران أخرى. من جانبها، أشارت الفنانة داليا البحيري إلى أنها لن تعطي صوتها للإسلاميين في الانتخابات، وأنها قلقة على الفن مستقبلا. هناك من الفنانين من كان متفائلا بوصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر، كالفنان تامر حسني، الذي صرح بأنه ليس خائفا من نجاح الإسلاميين لأنه جسد إرادة الشعب وأن فوزهم لن يؤثر نهائيا على مستقبل الفن والغناء في مصر. الفنان أحمد السقا لا يرى بدوره أي خوف على الفن من الإسلاميين، واعتبر أنهم لن يفكروا في هدم أشياء بل سيفكرون في البناء. بدورها قالت الفنانة سمية الخشاب إنها لن تستبق الأحداث مبكرا. واتفق مع الآراء السابقة الفنان عزت العلايلي، الذي أكد أن الإسلاميين لن يتدخلوا في الفن على الإطلاق، والتاريخ يقول إن الإخوان يعرفون ماذا يريدون ولن يتدخلوا في حرية الناس. الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بعثت برسالة تطمين للمتخوفين من انتهاج «الإخوان المسلمين» سياسات ضد الأنشطة الفنية والرياضية والاستثمار في السياحة، عندما يحوزون الأغلبية في مجلس الشعب. قالت الرسالة: «لمن يقول إن الإخوان ضد الفن: حنان ترك صوتت للإخوان. لمن يقول الإخوان ضد السياحة: في البحر الأحمر والغردقة الإخوان في الصدارة.. ولمن يقول الإخوان ضد الرياضة: أبوتريكة وفضل وجمعة وغالي صوتوا للإخوان». المغرب.. أول الغيث لطيفة الفوز الكاسح الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية بالمغرب جعل بعض المثقفين والفنانين يستندون إلى الضجة التي أثارها الحزب ضد مشهد من مسرحية «كفر ناعوم أوطو صراط» وصفوه بالسلوك الساقط، حين ظهرت الممثلة المغربية لطيفة أحرار بلباس البحر للحظات قبل أن تضع برقعا، في إشارة أخرى لا تخلو من دلالة. نفس الضجة أقامها حزب العدالة والتنمية ضد الفيلم المغربي «حجاب الحب» لمخرجه عزيز السالمي، لكونه أول فيلم مغربي يتناول قضية إقامة البطلة المحجبة علاقة جنسية انتهت بحملها خارج إطار مؤسسة الزواج، دون أن ننسى الحملة التي قادها حزب العدالة والتنمية خلال الدورة التاسعة لمهرجان موازين 2010 ضد مشاركة المغني البريطاني إلتون جون، لأن ذلك قد يشجع الشذوذ الجنسي في المغرب. إلا أن البعض رأى في ظهور الفنانة لطيفة بلباس مغربي تقليدي «القفطان» يظهر جزءا كبيرا من ساقيها في مهرجان مراكش، الذي من المنتظر أن تختتم فعالياته نهاية الأسبوع الجاري، رسالة إلى منتقديها في حزب العدالة والتنمية ونكاية في عبد الإله بنكيران الذي طلب لها الهداية بعد عرض مسرحيتها «كفر ناعوم». أحرار ردت على منتقديها بقولها: «أنا حرة فيما أفعل»، ونفت استفزاز أية جهة، مضيفة أنها تحب مواكبة الموضة والأناقة في الأزياء كأي امرأة متحضرة ومنفتحة في المجتمع المغربي. ودعت «خصوم» حزب العدالة والتنمية إلى عدم «أكل الثوم بفمها» لأنها تحترم هذا الحزب الذي يعبر عن توجهه السياسي، فيما تعبر هي أيضا عن أفكارها بكل حرية. هناك من الفنانين من أبدوا عدم تخوفهم من وصول الإسلاميين إلى الحكم في المغرب، في تصريحات سابقة، كالفنان الطيب لعلج، ورشيد فكاك، وسناء عكرود وغيرهم. لم يعلق حزب العدالة والتنمية على صور ولا على تصريحات لطيفة أحرار، وكان الحزب قد تعهد في برنامجه، بخصوص الثقافة والفن، باعتماد سياسات ثقافية وفنية تعيد الاعتبار إلى الهوية المغربية والإنسان المغربي قائمة على المواطنة والحرية والمسؤولية والإبداع. كما تعهد الحزب بإقراره مبدأ الاستثناء في المجال الثقافي من خلال دعم الإنتاج الوطني في المجال الثقافي بمختلف أشكاله، فضلا عن تعهده بتشجيع الكتاب المغربي، من خلال التعريف به عن طريق تنظيم لقاءات بين المؤلفين وجمهور القراء وإدراجه ضمن الكتب المدرسية المقررة في مختلف المستويات التعليمية وبإحياء نوادي الكتاب...