ما الذي يريدون قوله لأمتهم أولئك الذين ما إن تواجه ثورات وحراكات الربيع العربي المبهرة، في هذا القطر أو ذاك، بعض الصُّعوبات أو العثرات، أو ترتكب بعض مكوناتها بعض الأخطاء، وذلك بسبب قلة الخبرة في كثير من الأحيان.. ما إن يحدث ذلك حتى يولولوا بالويل والثبور ويتنبؤوا بقرب انهيار الثورات ويحاولوا المستحيل لزرع الخوف والشُّكوك في قلوب وعقول الشعوب؟ ولعل أكثر الأساليب شيطانية وخبثا هو محاولتهم ربط علل المجتمعات، من بطالة وفقر وتردّي خدمات عامة وغيرها كثير، والتي كانت موجودة ومتجذرة في مجتمعات ما قبل الثورة طيلة سنين وعقود، بعدم الاستقرار المؤقت وبتراجع بعض الخدمات المؤقت، وبالتالي الإيحاء الخبيث بأن الحراكات والثورات لا تأتي إلا بالمصائب والمشاكل. دعنا نفند بعض ما تقوله تلك الفئة الماكرة كحجج لتشويه سمعة الربيع العربي، المثال الأول هو الهلع الذي يراد للمجتمعات العربية أن تعيشه كلما تراجعت البورصات العربية بسبب عدم اتضاح الرؤية في الفترات الانتقالية للثورات. لكن ألا تتقلب أسعار البورصات العربية، نزولا مفجعا وصعودا ليس له مبرر اقتصادي، طيلة العام بسبب الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والنكبات الطبيعية التي تحدث في عالمنا العولمي. لماذا نتفهّم تلك الظاهرة ونقبلها كشرّ لا بدّ منه، ولكننا نرفضها وندينها ونشعر بالإثم تجاهها إذا كانت أسبابها داخلية؟ لماذا نضِنُّ على شعوبنا بحقها في التجريب وارتكاب الأخطاء إبان محاولاتها النهوض من بؤسها التاريخي، ولكننا نوجِد الأعذار والتبريرات المثيرة للشفقة للأخطاء الفادحة التي ترتكبها حكومات ومؤسسات وشعوب الدول العولمية الرأسمالية؟ ثم، لنطرح السؤال الآتي: هل ثروة البورصات هي ثروة وطنية تملكها جموع المواطنين، وبالتالي فإن تأثرها السلبي المؤقت يهم الجميع، أم إنها في الأساس ثروة، لعدد صغير من الأثرياء والمغامرين، بمن فيهم عدد لا يستهان به من الأجانب الذين جاؤوا للكسب السريع وإخراج ثروة البلاد؟ المثال الثاني مرتبط بالأول، ولكن تحت عنوان تخويف آخر. فما إن تزيد حرارة الوضع السياسي إبان الفترة الانتقالية المؤقتة للثورات حتى تنبري المنابر والأقلام إياها لترثي موت الاستثمارات الأجنبية أو جفاف منابعها. ومرة أخرى يطلُّ السؤال: ما نسبة الفوائد المعيشية لتلك الاستثمارات التي تذهب إلى الفقراء والمهمشين من عمال وفلاحي وشباب ونساء المجتمعات العربية؟ ألا ينتهي القسم الأكبر من الاستثمارات في يد النافذين الفاسدين في مؤسسات الحكم أو مؤسسات المال والاقتصاد التي تملكها أقلية متعاونة ومستزلمة لبعض جماعات السلطة السياسية أو لبعض الشركات العولمية الاحتكارية العابرة للقارات التي من خلال وكلائها المحليين تجني الأرباح، ثم تخرجها لتزيد في توسعها ومضاعفة أرباحها في أماكن أخرى؟ هناك أمثلة كثيرة أخرى من مثل ذرف دموع التماسيح على اضطراب الأمن إبان فترات الانتقال المؤقتة. لكأن الأمن قبل الثورات والحراكات كان أمانا ورحمة للمواطنين، بينما القاصي والداني يعرف أن آلة الأمن تلك كانت ظالمة فاسدة عبدة لأصحاب النفوذ والجاه والاستبداد. ينسى المتباكون الألوف الذين سجنوا بدون محاكمات، عذبوا بدون وجه حق وماتوا ودفنوا أو أحرقوا خارج القوانين وشرائع السماء. أما انفلات الأمن المؤقت بين الحين والآخر بسبب محاولة أجهزة الأمن القديمة معاقبة الثورات والانتقام منها أو بسبب الفوضى المؤقتة في بعض الأجهزة، فإنه يعتبر مرضا من أمراض الثورات التي تستدعي توقفها عن السّير. ما المشكلة بالنسبة إلى الذين يريدون إجهاض الحراكات الثورية العربية الكبرى؟ أحد جوانب المشكلة هو عدم رغبتهم في الاقتناع بأن الغالبية الساحقة من شعوب الأمة العربية تريد هذه التغييرات وعلى استعداد للموت في سبيلها أو تحمُّل تكاليفها. ما لا تريد تلك الغالبية أن تدركه هو حقُّ الأمة العربية، بقيادة شبابها الثائرين، في التجريب وارتكاب الأخطاء، ثمُ تعديل المسار، حتى نوصل ثورات الربيع العربي إلى بّر الأمان. هذا الطريق سلكته الأمم الأخرى وستسلكه هذه الأمة التي أخرجها الظلمة والمتخلفون عبر القرون من دروب تاريخ الإنسانية. وأخيرا، ما لا يريد هؤلاء أن يفهموه أن زوابع الثورات والحراكات قد تهدأ قليلا إبان فترات الانتقال والاستعداد لصعود جديد، غير أنها إذا أصبحت سكونا تاما بانتظار أن يمن عليها أحد من الخارج والداخل بالمساعدة فإن الثورات ستموت، السكون التام في أية فترة يتناقض ومستقبل الثورة. من هنا، مطلوب من شباب الثورات ألا يصغوا لكثير من الترهات التي نسمعها ونقرؤها في أيامنا هذه ويعوا بأن الطريق إلى الحرية والمساواة والعدالة مليء بالحفر والأعاصير والدموع.