شكّل ملف التعليم ورقة انتخابية قوية في يد الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الأخيرة، خصوصا الأحزاب الكبرى، حيث إن تواتر احتجاجات مختلف فئات رجال التربية والتكوين جعل هذا القطاع مصدر قلق حقيقي للناخبين، سواء كانوا رجال تعليم، وهم فئة قوية داخل الأحزاب الكبرى، أو كانوا أسرا، فالوضع التعليمي اليوم غير مريح لرجل التعليم للتلميذ، ومن خلفه أسرته، لذلك ينتظر أن يشهد التفاوض الحزبي على الحقائب الوزارية تنافسا قويا بين الأحزاب التي ستشكل الائتلاف الحكومي المقبل، وخاصة بين حزب العدالة والتنمية، الفائز، وحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بسبب قوة الأذرع النقابية لهذه الأحزاب، وهو معطى يساهم في ضمان «سلم اجتماعي» على غرار النسخة «الكونفدرالية» إبان حكومة التناوب، وهي نسخة كما نعلم خدمت تلك الحكومة كثيرا، لكنها لم تخدم رجال التربية والتكوين.. الأمر الذي نتمنى تداركه، بأن ينتصر رجل التعليم على رجل الحزب في مناضلي هذه النقابات، مع أرجحية أن تسند هذه الحقيبة لشخصية من حزب العدالة والتنمية، ليس فقط بسبب قوة ذراعه النقابي، ولكنْ لاعتبارات سنقف على بعضها: أولا، إن مساهمات الحزب منذ ظهوره في نقاشات عمومية تتعلق بمسألة القيّم تحديدا، سواء إبان النقاش حول المدونة أو على هامش النقاش الذي خلقته حركات الشواذ و»وْكّالينْ رمضان»، جعل الحزب لا يخفي مطمحه في الاشتغال على المستوى التربوي، وهذا ينسجم مع رؤيته للظواهر الجديدة التي طفح بها مؤخرا المجتمع المغربي، والتي تُشكّل فيها القيّم ولواحقها ركن الزاوية. وإذا استحضرنا معطى آخر هو أن اغلب أطر هذا الحزب اليوم تشربوا رؤيتهم للمجتمع والفرد في أحضان حركة الإصلاح والتجديد قبل اندماجها مع رابطة المستقبل الإسلامي، لتصبح حركة التوحيد والإصلاح، وهي حركة كانت التربية على القيّم عمادها الرئيسي، أضف إلى ذلك أن أغلب أطرها هم خريجو جامعات، وأغلبهم أيضا حاصلون على شهادات عليا، وبعضهم أساتذة جامعات، كل هذا يجعلنا نرجح أن تكون ورقة التعليم ذات أولوية كبرى في البرنامج الحكومي المقبل لهذا الحزب. ثانيا، سيسعى الحزب إلى حقيبة التعليم، لإجراء ما يعتبره «إحياء» لقيّم اندثرت في المجتمع، كما يراه هو. وإذا رجعنا إلى التدابير والإجراءات التي تَضمَّنها برنامجه الانتخابي، سنجد ما يؤكد هذا التحليل، حيث تمت الإشارة إلى أن «الحزب ينطلق من تطوير التربية على القيّم في المدرسة الوطنية، باعتماد مرجعيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، خاصة قيّم العمل والمبادرة والمواطنة، وخلق مرصد وطني للقيّم يسهر على تتبع مختلف الإشكالات المرتبطة بالقيّم، ووضع ميثاق أخلاقي لمهنة التدريس»، وهي إجراءات تُقوِّي احتمال عدم تنازل الحزب عن قطاع التعليم. ثالثا، ما يرجح أيضا حصول الحزب الفائز بهذه الانتخابات على حقيبة التعليم، هو كونه يتمتع بقاعدة مهمة في صفوف رجال التربية والتكوين، قياسا إلى الأحزاب الأخرى، خاصة أحزاب اليسار، هذه القاعدة يمكن -وأقول «يمكن»- أن تضمن بشكل كبير حل معضلة ضعف انخراط أغلب رجال التربية والتكوين في مسلسل إصلاح منظومتهم، فقد أعلن الحزب عزمه، كما تمت الإشارة، على اعتماد مرجعيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي يُعَدّ البرنامج الاستعجالي جزءا منه، أي أن الحزب سيروم استكمال مسيرة بدأت منذ عقد تقريبا.. ويمكن استثمار الانضباط التنظيمي لمنخرطيه في تشكيل نماذج ومبادرات عملية للانخراط في مسيرة الإصلاح، لاسيما أن الجميع يعترف اليوم بكون الأطر البشرية هي المشكلة الكبرى في قطاع التربية والتكوين.