يعيش المغرب هذه الأيام أجواء حملة انتخابية استعدادا لإجراء اقتراع يوم 25 نونبر الجاري. ويكتسي هذا الاقتراع أهمية خاصة على اعتبار أنه المحك الحقيقي للتنزيل السليم لمقتضيات الدستور الجديد من جهة، وعلى اعتبار أن هذا الاقتراع سيفضي إلى تشكيل حكومة تعبر عن الإرادة الشعبية من خلال أغلبية برلمانية جديدة، من جهة أخرى. إن هذا الرهان الكبير لا ينبغي أن يخفي عنا مجموعة من التحديات ينبغي رفعها في حالة ما إذا كانت هناك إرادة للانطلاق بشكل صحيح نحو إضفاء المصداقية على العهد الدستوري الجديد؛ وهنا يمكن الإشارة إلى أربعة تحديات أساسية مرتبطة حتما بمجريات الحملة الانتخابية وستنعكس، سلبا أو إيجابا، على ما سيفرزه الاقتراع يوم 25 نونبر الجاري: يرتبط التحدي الأول بتغيير سلوك المرشحين في التعاطي مع الكتلة الناخبة، فهناك إجماع على إدانة العديد من الممارسات في السابق، خاصة تلك المتعلقة بشراء الأصوات واستعمال العنف والتضييق على المنافسين بأساليب غير مقبولة أخلاقيا ويعاقب عليها قانونيا. وهذا التحدي من شأنه أن يؤثر، إلى حد كبير، على الكيفية التي ستتعاطى بها الكتلة الناخبة مع العملية الانتخابية نفسها. وهنا، سنجد أنفسنا أمام حالتين: إما حالة احترام المرشحين لأنفسهم من خلال احترام التزاماتهم واحترام ذكاء المغاربة عبر تقوية صيغ التواصل والإقناع أو حالة التعامل مع المغاربة باعتبارهم مجموعة من بائعي الأصوات الذين لا يؤمنون بالأفكار ولا بالمشاريع السياسية. ويتعلق التحدي الثاني بتحديد التزامات المرشحين أمام الكتلة الناخبة؛ فمن الأسباب التي أدت إلى العزوف عن صناديق الاقتراع كثرة الوعود الانتخابية التي يبالغ العديد من المرشحين في تقديمها إلى الناخبين، وهذه المبالغة تعتبر في حد ذاتها إساءة إلى المغاربة واحتقارا لقدراتهم على التمييز بين الوعود السياسية والالتزامات الواقعية القابلة للتنفيذ. وهنا، مرة أخرى، سنجد أنفسنا أمام حالتين: إما حالة الاستمرار في الكذب على الناخبين على اعتبار أن هذا الكذب أمر مشروع خلال الحملة الانتخابية ولا تترتب عنه أية مسؤولية سياسية بعد ذلك، وإما حالة التعامل مع المغاربة بأسلوب جديد يوضح فيه كل مرشح للناخبين حدود التزاماته وما يمكن تنفيذه من عدمه برسم خطوط فاصلة بين وظيفة البرلمان ووظيفة المؤسسات المنتخبة، محليا وجهويا. ويتمثل التحدي الثالث في طريقة التواصل مع الكتلة الناخبة. أكيد أنه منذ سنوات، شرعت بعض الأحزاب السياسية خلال الحملات الانتخابية في استخدام وسائل التواصل الحديثة، ولو على استحياء، من قبيل إحداث مواقع على الأنترنيت أو توظيف الشبكات الاجتماعية، وهو أمر لا يتنافى مع الاستمرار في اعتماد أساليب التواصل التقليدية كعقد التجمعات الجماهيرية أو الجولات التي يقوم بها المرشحون في دوائر ترشيحهم. وبصدد الحديث عن أساليب التواصل، تحتل مشاركات الأحزاب في الندوات التي تبثها وسائل الإعلام الرسمي حيزا هاما؛ غير أن المتتبع لتدخلات هذه الأحزاب ومرشحيها يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة الخطاب التواصلي المتداول. وهنا، مرة ثالثة، نجد أنفسنا أمام حالتين: إما حالة خطاب تواصلي جديد يعي دقة المرحلة السياسية التي يجتازها المغرب وما يطرحه العهد الدستوري الجديد من ضرورة الانخراط في أوراشه، ومنها تجديد الخطاب الانتخابي الذي يركز على أهمية الأحزاب كدعامة للديمقرطية أولا وكقوة اقتراحية ثانيا.. خطاب انتخابي يتأسس، من جهة أولى، على تشخيص دقيق لأمراض الجسم المغربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ويتأسس، من جهة ثانية، على طرح الحلول الواقعية والناجعة؛ وإما حالة الخطاب الانتخابي الذي يستخدم لغة الخشب ويكرر نفسه إلى درجة لم تعد الكتلة الناخبة قادرة معها على التمييز بين خطاب اليمين وخطاب اليسار وخطاب الوسط.. خطاب انتخابي يتأسس على رؤية اختزالية وتبسيطية للواقع المغربي ويطرح حلولا هي، في جوهرها، سبب العديد من المشاكل التي ساهمت في تردي أوضاع العديد من الفئات الاجتماعية.. خطاب انتخابي ينفر المغاربة من العمل الحزبي ويدفعهم إلى الابتعاد عن صناديق الاقتراع. أما التحدي الرابع فيتجسد في عدم السقوط في نوع من الشكلانية المفرطة والتي من خلالها تسعى الأحزاب إلى إخفاء مظاهر شيخوختها عبر التركيز على العديد من الوجوه الشبابية من الجنسين؛ وهنا، مرة رابعة، سنجد أنفسنا أمام حالتين: إما حالة تقديم عديد من المرشحين الشباب الذين يرغبون في ضخ دماء جديدة في الحياة السياسية ويدركون ما ينبغي أن يقوموا به داخل المؤسسة البرلمانية على مستوى التشريع أو على مستوى مراقبة العمل الحكومي ويطمحون إلى فرض إرادتهم على القيادات الحزبية؛ وإما حالة مجموعة من الشباب دفعت إلى الترشيح دفعا لتستخدم كواجهة لضمان استمرارية هيمنة القيادات الحزبية المتحكمة. إن هذه التحديات الأربعة المشار إليها ستحدد، إلى حد كبير، نسبة المشاركة التي أضحت رهانا بالنسبة إلى اقتراع 25 نونبر الجاري. هناك من يرى أن تسجيل نسبة امتناع مرتفعة أصبحت أمرا واقعا، وذلك للعديد من الأسباب، أولها عدم قدرة الأحزاب السياسية على التفاعل بشكل إيجابي مع حراك الشارع المغربي منذ تظاهرات 20 فبراير، من جهة، وعدم التفاعل الإيجابي مع خطاب 9 مارس 2011، من جهة أخرى؛ فهذه الأحزاب عوض أن تبادر إلى إصلاح هياكلها بتزامن مع الورش الدستوري الذي فتحه الملك، استمرت في صم آذانها والاكتفاء بالتفاوض مع سلطات الإدارة الترابية على مضامين الترسانة القانونية المنظمة للاستحقاقات الانتخابية، الشيء الذي كرس انطباعا بكون هذه الأحزاب كانت تبحث عن تكريس نوع جديد من أنواع الريع المتمثلة في الريع السياسي؛ ثانيها انخراط مجموعة من القوى السياسية في الدعوة إلى مقاطعة التصويت في اقتراع 25 نونبر الجاري كحركة 20 فبراير والقوى المساندة لها، كجماعة العدل والإحسان والحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب النهج الديمقراطي؛ وثالثها نوعية التحالفات التي تم الإعلان عن تشكيلها قبيل الاستحقاقات التشريعية السابقة لأوانها والتي جعلت الكثيرين يعيدون النظر في مصداقية وجدية بعض التشكيلات السياسية التي أبانت عن قدرة كبيرة على تبرير الشيء ونقيضه في نفس الآن.