صادقت دورة أكتوبر الحالي للجمعية البرلمانية لمجلس أوربا في ستراسبورغ على منح المجلس الوطني الفلسطيني وضع «شريك من أجل الديمقراطية» لديها، ليصبح بذلك ثاني مؤسسة تحصل على هذا الوضع بعد المغرب. وأثناء مناقشة قرار الجمعية البرلمانية، تدخل البرلمانيون الأوربيون الحاضرون وطرحوا قضية فلسطين كل من موقعه الإيديولوجي والسياسي. لكن الملاحظ أن الكثيرين منهم طالبوا بإطلاق سراح الجندي شاليط وحماية أمن إسرائيل ومحاربة الإرهاب الفلسطيني. ولولا تدخلات برلمانيين من تركيا واليونان أعادت الأمور إلى نصابها بالتأكيد على وجود آلاف الأسرى الفلسطينيين وعلى حقهم أيضا في الحرية والكرامة، إضافة إلى استمرار حصار قطاع غزة والتجاوزات الإسرائيلية في مجالات حقوق الإنسان والاستيطان والقدس، لتمادى هؤلاء البرلمانيون في شيطنة المقاومة الفلسطينية وإظهار إسرائيل بمظهر الضحية. وأثناء متابعتي الشخصية لتلك المناقشات مع الوفد البرلماني المغربي المشارك في الدورة، تساءلت عن الكيل بمكيالين، كأن هناك بشرا من الدرجة الأولى له حقوق أكثر من سائر البشر. وقد أظهرت صفقة تبادل الأسرى الأخيرة هذا الخلل الفظيع في التعامل. فبعد مشوار طويل من المفاوضات دام خمس سنوات ونصف السنة، وبعد مماطلات من القيادة الصهيونية، بودل الجندي شاليط -الذي أسر من على متن دبابته- ب1027 معتقلا ومخطوفا فلسطينيا من مختلف الفئات والفصائل الفلسطينية؛ فمجرد مقارنة الرقمين كافية ليتبين حجم احتقارهم للإنسان الفلسطيني واستهانتهم بدمه. وكانت الأصوات متعالية -طيلة الخمس سنوات الماضية- في كل مناطق العالم الغربي لمطالبة حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الأسير لديها في قطاع غزة، والتباكي عليه، وإدخال عملية الخطف ضمن عمليات الإرهاب الدولي، وغيرها من التوصيفات التي لا تعدو أن تكون نفاقا وازدواجية فاضحة لا تصمد أبدا أمام فلسفة الشرعية الدولية ونصوص مواثيقها القاضية بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل. ولم تكن تلك الأصوات المتعالية تعبأ بآلاف الأسرى الفلسطينيين، وهم مدنيون، ومنهم أطفال ونساء وبرلمانيون، وكأن ليس لهم من الآدمية شيء. وقد صدرت تصريحات عديدة في هذا الاتجاه عن الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين أمريكيين وأوربيين. فمثلا، دعا الاتحاد الأوربي في الذكرى الخامسة لأسْر شاليط إلى الإفراج الفوري عنه، وقال القادة الأوربيون في بيان مشترك: «إن المجلس الأوربي يعرب عن قلقه البالغ حيال مصير شاليط المسجون لدى حماس في انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي، ويطالب بالإفراج الفوري عنه». وهذه قمة التناقض والنفاق الدولي في التعاطي مع القضية، وتستحق كل الازدراء كما هو الشأن بالنسبة إلى العديد من المواقف الدولية المتغاضية عن الانتهاكات الصهيوينة الخطيرة لحقوق الإنسان. وهو -إذا تمعنا- عمل ممنهج من قبل الأطراف الغربية ضد حقوق الشعب الفلسطيني، وإلا فكيف يمكن تفسير عدم اكتراث محكمة العدل الدولية للتحقيق في جرائم الكيان الصهيوني وهي التي توزع مذكرات الاعتقال ذات اليمين وذات الشمال وفي سرعة قياسية. ولئن كان أولئك في الغالب الأعم يستحقون تلك المتابعة، فإن الكيان الصهيوني أكثر استحقاقا.. لقد شملت جرائمه جميع أنواع وأشكال جرائم الحرب، فقد ارتكب جرائم العدوان العسكري والإبادة الجماعية والتطهير العرقي واستهداف المدنيين واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، كما قام ببناء المستوطنات المخالفة لقوانين الاحتلال، والجدار العازل الذي أفتت محكمة العدل الدولية بمخالفته للقوانين الدولية، والجهات الرسمية الغربية صماء عمياء صامتة. ولا ننكر، بطبيعة الحال، وجود مجتمع مدني غربي قوي يدافع عن الحقوق الفلسطينية، وهو يتجه اليوم نحو بناء تحالف مدني عالمي يناصر الحقوق الفلسطينية. وقد عانينا، نحن المغاربة، أشد المعاناة من مثل هذه المعاملة المزدوجة، فلمدة 35 عاما غضت الأطراف الغربية، بما فيها الكثير من هيئات حقوق الإنسان وجمعياته، الطرف عن الانتهاكات الخطيرة في مخيمات تندوف، وتنكرت لحقوق لاجئيها مما يتمتع به جميع لاجئي العالم من إحصائهم وتدقيق رغبة كل منهم في اختيار مصيره، وحقوقهم الإنسانية البسيطة من تعليم وصحة وعيش كريم. وفي المقابل، كانت تضخم الأحداث التي تقع في الصحراء المغربية، وتصدر القرارات والتوصيات؛ فهل سيصدر الاتحاد الأوربي بيانا حول وضعية الأربعين ألفا من المغاربة الصحراويين بالمخيمات في تندوف كما أصدر بيانا خاصا عن جندي واحد أسر من دبابته التي لم تكن تنثر الورد والسلام، بل كانت توزع الحرب والدمار؟ وأين هو من التصفيات والاختطافات والاعتقالات العشوائية وتحويل المساعدات الإنسانية وسرقتها والممارسات المستهترة بقيمة الكائن البشري التي تعرفها تلك المخيمات؟ كيف يمكن أن يقنعنا بأن مواقفه ذات طبيعة حقوقية متجردة وتروم العدالة الإنسانية، وليست ذات طبيعة سياسية خالية من قيم النزاهة والإنصاف؟