سهام إحولين إنه أحد أشد الأفلام السينمائية التي وجهت انتقادا لاذعا لواقع الحياة في إيران بعد ثورة الخميني وبعد التغييرات التي طرأت على الحياة اليومية للإيرانيين، وأبرزها سنوات الحرب العراقية -الإيرانية. كما أنه أحد أكثر الأفلام الإيرانية التي واجهت حملة رسمية إيرانية من أجل وقف بثه، ذهبت إلى حد اعتبار إيران لحصوله على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان 7002 تُكِنّ «كراهية مرضية للإسلام». ينتقد فيلم «برسيبوليس»، المثير للجدل، كذلك، الأوضاع السياسية والاجتماعية في ظل حكم الشاه وفي ظل الجمهورية الإسلامية من خلال تناوله حياة أسرة مثقفة من الطبقة الوسطى ذات ميول يسارية، مؤيدة لحركة الإطاحة بنظام الشاه في إيران وتربطها علاقات طيبة مع معارضين سياسيين من غير المنتمين إلى التيارات الدينية. يعرض هذا الفيلم، وهو على شكل رسوم متحركة بالأبيض والأسود، القصة الحقيقية لطفولة مخرجته الإيرانية، المقيمة في باريس، مارجان ساترابي. لكن ما سيعيد «بيرسيبوليس» إلى واجهة الأحداث هو ما أثاره من غضب في تونس، بسبب عرضه باللهجة العامية التونسية من طرف قناة «نسمة»، حيث يحوي مشهدا فيه تجسيد للذات الإلهية، التي ظهرت على شكل رجل ذي لحية بيضاء... وقد اندلعت احتجاجات على الفيلم بعد يومين من عرضه، حيث قام حوالي 002 شخص باقتحام مكاتب القناة. وقررت النيابة العامة في تونس -العاصمة فتح تحقيق جنائي حول بث قناة «نسمة» التلفزيونية الفيلم المسيء إلى لإسلام. وبعد يوم من ذلك، اعتذر رئيس القناة عن «السماح بعرض مشهد تجسيد الذات الإلهية، المثير للجدل، والذي اعتبره الناس قذفا في حق العقيدة الدينية». لكن المتظاهرين ضد «نسمة» لم تكفِهم الاحتجاجات، حيث اقتحموا بيت مدير القناة العامّ، نبيل القروي، وحاولوا إحراقه. ومن المؤكد أن الزوبعة التي أثارها «بيرسيبوليس» ستلقي بظلالها على الانتخابات التونسية الأولى من نوعها بعد الإطاحة بزين العابدين بنعلي، حيث تباينت آراء الأحزاب السياسية التونسية حول الحادث، كما هناك تخوف من العلمانيين من صعود قوي لحزب «الفضيلة»، الإسلامي في الانتخابات، مما سيؤدي إلى «فشل العملية الديمقراطية الأولى من نوعها في تونس». وقد أدان حزب الاتحاد الديمقراطي، الوحدوي، اللجوء إلى العنف كأداة للتعبير، رافضا المساس بالمُقدَّسات الدينية، مهْما كانت التبريرات. وأكد الحزب في بيانه أن هذه المقدسات والثوابت الوطنية «خطٌّ أحمرُ» لا يمكن لأي كان تجاوزه وأن حرية الإعلام وغيرها من الحريات لا يمكن أن تعلو عليها، مهْما كانت الجهات التي تقف وراءها. ومن جهته، اتّهم حزب «قوى 41 جانفي 1102» القناة التلفزيونية الخاصة بالمساس الصارخ بمقدسات الشعب التونسي، بعد تمريرها شريط «برسيبوليس»، الذي وصفه الحزب ب»المنافي لقيّمنا الإسلامية الراقية». وقد أدان الحزب، في بيان له، اختيار هذه القناة بث هذا الشريط في ظرف حساس تتطلع فيه البلاد إلى القطع مع الماضي الأليم وتستعد لمرحلة جديدة، أساسها الديمقراطية والعدالة والمساواة. وبدوره، استنكر حزب «الشباب الحر»، بشدة، صمت الحكومة إزاء بث هذا الشريط، مندّدا بقناة «نسمة» وبصاحبها، وكتب في بيانه: «الإسلام هو الحداثة، وهو الذي أكد على الانفتاح وشجّع على طلب العلم والأخذ بناصيته ولم ينكر على أحد التبصّر الثقافي». على صعيد آخر، عبّر الحزب الاجتماعي التحرري عن عميق استنكاره للأعمال التي قامت بها مجموعة من «المتشددين» احتجاجا على مضمون الفيلم والأحداث التي جدّت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في سوسة، والتي قال إنها أحداث منافية لقيّم الحرية والديمقراطية والحداثة، مستنكرا هذه «الممارسات الخطيرة الشاذة عن العقلية التونسية السائدة». واعتبر الحزب، في بيانه، أن من مسؤولية الجميع مقاومة كل أشكال التحجر الفكري والتعصب الديني، داعيا كل الأطراف إلى التحلّي بالمسؤولية وضبط النفس والابتعاد عن التشنج والعنف والإقصاء وإلى استعمال لغة الحوار والسبل السلمية للتعبير عن الآراء المخالِفة. واعتبرت المخرجة الإيرانية مرجان ساترابي أن «عرض فيلمها في تونس جاء في وضع انتخابي مكهرَب قليلا، وهو ما استدعى ردة فعل مماثلة»، مضيفة أن «كل ثورة تمر بأوقات عصيبة». ورفضت ساترابي الدخول في جدل حول مضمون الفيلم. وقالت ساترابي لوكالة «فرانس بريس» في أبو ظبي إنها لا ترغب في الخوض في مضمون الفيلم، الذي اتُّهِم من قِبَل السلفيين في تونس ب»التعدّي على الذات الإلهية»، واكتفت بالقول إن «الفيلم سبق عرضه في تونس مرات دون أن يثير مثل ردة الفعل هذه». غير أن مرجان ساترابي أكدت إيمانها بقدرة الشعب التونسي على صنع مستقبل أفضل: «الشعب التونسي شعب يتقدم، وأريد فقط أن أعبّر عن حبي وإعجابي بهذا الشعب، الذي انتفض قبل الجميع ضد الدكتاتور ونجح في إزالته.. هذا فقط ما أود التوقف عنده». كما عبّرت ساترابي عن إيمانها ب»قدرة الشعب التونسي على صنع مستقبله.. أؤمن بذلك والعالم كله عليه أن يؤمن بذلك أيضا».