أكيد أن انخراط مجموعة من الأحزاب في تحالفات أمر محمود عندما تتوفر مجموعة من الشروط تمنح هذه التحالفات معنى في الممارسة السياسية، ذلك أن هذه التحالفات تمثل مدخلا لتشكيل أقطاب سياسية تهدف أساسا إلى تيسير مهمة الكتلة الناخبة على مستوى تحديد اختياراتها؛ وتحديد الاختيارات لن يتأتى إلا إذا تمكنت الأحزاب المتحالفة من صياغة مشروع سياسي يتميز عن المشاريع السياسية التي تقدمها القوى السياسية المتنافسة الأخرى، فهل الحرص الشديد على الإعلان عن تشكيل تحالفات قبيل الاستحقاقات التشريعية يصب في صلب تخليق الممارسة السياسية وعقلنة المشهد الحزبي أم إنه مجرد إعادة إنتاج لتحالفات سبق الإعلان عنها في العديد من المرات ولم تفض إلى أي شيء جديد؟! إننا هنا سنركز على ما أثاره الإعلان عن تأسيس «التحالف من أجل الديمقراطية» من ردود فعل متباينة، ونبدأ ذلك بالحديث عن السياق الذي يحكم هذا التأسيس. ينبغي أن نضع تأسيس «التحالف من أجل الديمقراطية» في سياق الحراك الذي يعرفه المغرب منذ شهور، بدءا بتظاهرات حركة 20 فبراير، ومرورا بالخطاب الملكي لتاسع مارس، ثم انتهاء بالمصادقة على الدستور الجديد في فاتح يوليوز. يلاحظ، من خلال هذا الحراك، أن العديد من الأطراف المعنية بالتغيير قامت بمبادرات، فالشارع المغربي عبّر عن مطالبه ومطامحه في التظاهرات التي شهدتها وتشهدها العديد من المدن، والمؤسسة الملكية بادرت إلى الإعلان عن إصلاحات دستورية، كما أن وزارة الداخلية انخرطت في الإعداد للنصوص القانونية المؤطرة للانتخابات؛ في حين لوحظ غياب أي دور للأحزاب السياسية، مما جعل الرأي العام المغربي ينظر باستغراب إلى موقفها، رغم أن مسلسل الحراك الذي يشهده المغرب يعنيها، بالأساس، على اعتبار أنها في صلب العملية الإصلاحية ولا يمكن أن يُكرس الخيار الديمقراطي بمعزل عنها. لقد وُجهت انتقادات عديدة إلى الأحزاب، الشيء الذي كان يفرض على هذه الهيئات أن تتخذ مبادرات وخطوات لمسايرة اللحظة التاريخية التي يعرفها المغرب. لكنها ظلت تتعامل بنوع من البرودة مع هذه اللحظة التاريخية، إذ إن أقصى ما قامت به لم يتجاوز طرح بعض المقترحات التي تعتبر أنها تخدم مصالحها الانتخابية. لقد لوحظ النقاش الطويل الذي أثير حول العتبة واللائحة الوطنية وتمثيلية النساء والشباب والتقطيع الانتخابي، فكان الرأي العام يعتبر أن الأحزاب ركزت على هذه القضايا هروبا من تحمل مسؤوليتها، في الوقت الذي غيبت فيه جوهر الأمور، خاصة أن خطاب 20 غشت 2011 دعا هذه الأحزاب إلى صياغة برامج واقعية وقابلة للتطبيق من أجل النهوض بأوضاع المغاربة عوض الاقتتال على المقاعد البرلمانية. في ظل هذا الحراك الذي يشهده المغرب وإحساسا بالحرج بسبب العجز عن مواكبة التحولات الراهنة، بادرت مجموعة من الأحزاب إلى نسج تحالفات. و«التحالف من أجل الديمقراطية» لا يمكن أن نفصله عن التحالف الرباعي، أولا، ولا ينبغي أن نفصله، كذلك، عن مبادرة الأحزاب الخمسة ذات المرجعية الاشتراكية والتي تضم أحزاب: الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية واليسار الأخضر والحزب الاشتراكي. وفي إطار ردود الفعل هذه، يمكن الحديث عن محاولة بعث الروح في الكتلة الديمقراطية. لا ينبغي تحميل «التحالف من أجل الديمقراطية» أكثر مما يحتمله، حيث لا يمكن أن نعتبره خطوة متقدمة جدا أو قطيعة مع الممارسات السابقة، كما لا يمكن أن نعتبره تحالفا يقود، في نهاية المطاف، إلى عقلنة المشهد السياسي، فنحن لازلنا بعيدين عن ذلك؛ فهذا التحالف، إضافة إلى التحالفات الأخرى، هو تدبير يروم «تبرئة الذمة» من خلال توجيه رسائل إلى من يهمه الأمر تفيد بأن هذه الأحزاب منخرطة في عقلنة المشهد السياسي، لذلك فإن الملاحظين، ولهذا الاعتبار، سيتعاملون مع هذا التحالف بنوع من التحفظ، باعتبار أنه تحالف انتخابوي بالدرجة الأولى، يهدف إلى رسم معالم أغلبية قبل إجراء الانتخابات. وهذا المعطى ليس جديدا، لأنه منذ تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة في 2008، وبالأخص منذ احتلاله الرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، بدأت تتحدد المعالم الاستراتيجية السياسية المقبلة، باعتبارها تتأسس على عزل حزب العدالة والتنمية، سياسيا، وإضعافه انتخابيا. طبعا، قام البعض بمراجعة هذا التحليل باعتبار التغيرات المرتبطة بالربيع العربي، غير أن هذه الاستراتيجية تبين أنها لازالت قائمة وإنما تغير موقع الذين سيقودون المرحلة الجديدة، فقبل حركة 20 فبراير كان الحديث عن حزب الأصالة والمعاصرة، باعتباره سيقود الأغلبية المقبلة؛ والآن، هناك مؤشرات تقول إن «البام» يفضل أن يتوارى إلى الوراء، باعتبار أن اللحظة السياسية قد لا تسمح له بتصدر المشهد السياسي. مهما يكن من أمر، فالإعلان عن تأسيس «التحالف من أجل الديمقراطية» لا يؤشر على تحول مفصلي يقطع مع ممارسات الماضي، خاصة أنه من بين مكونات هذا التحالف الثماني من ظل، إلى وقت قريب، يشير إلى حزب الأصالة والمعاصرة بأصابع الاتهام بمحاولة إفساد الحياة السياسية وإعادة إنتاج ممارسات يرغب الجميع في القطع معها؛ وهذا التحالف يجعل الكثير من الملاحظين، وحتى الرأي العام الوطني، لا يتعامل معه بالجدية رغم إمكانية وجود بعض الأهداف الكبرى وتتجلى في عزل الإسلاميين، وهي مصلحة مشتركة بين مجموعة من الأحزاب، أو حتى الحيلولة دون استمرار حزب الاستقلال في قيادة الحكومة. إن المبررات التي قُدمت للدفاع عن التحالف الجديد لا تُقنع أحدا في الواقع، وستعمق من «لاعقلانية» المشهد السياسي، وستجعل الكثيرين يتساءلون كيف يمكن تصور تحالف يجمع، في نفس الوقت، بين الحساسيات الليبرالية والحساسيات الاشتراكية والحساسيات المحافظة، ولا يمكن القفز على التناقضات بالتشديد على تجاوز المقاربة التقليدية التي تركز على وحدة المرجعية الإيديولوجية واعتماد مقاربة جديدة تشدد على الدفاع عن القيم المشتركة، كالحداثة والديمقراطية؛ فأكيد أن المضامين التي تمنح لهذه القيم مرتبطة أساسا بطبيعة المرجعية الإيديولوجية. إننا في المغرب، وارتباطا باللحظة التأسيسية للعهد الدستوري الجديد، في حاجة إلى تحالف من أجل الديمقراطية وليس إلى تحالف من أجل التحالف.