سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مادغيش: المغرب دعم ثوار ليبيا والمهمة تكفل بها أحمد التوفيق بتعليمات من الملك الناشط الليبي الأمازيغي للمساء : طلبنا من الرباط تأجيل الاعتراف بنا لكي نستفيد سرا من دعمها
مادغيس أُمادي شاب ليبي من أصول أمازيغية, وواحد من النشطاء الذين قادوا الثورة الليبية ضد نظام معمر القذافي ميدانيا، وعبر القنوات الدبلوماسية، مستغلا علاقاته بناشطين في الكونغرس الأمازيغي العالمي، وصلاته بمسؤولين وناشطين مغاربة، فضلا عن شبكاته الدولية التي نسجها بفضل اشتغاله في السينما والإعلام في دول أوربا وأمريكا. في هذا الحوار، الذي خص به «المساء»، يتحدث مادغيس أُمادي عن حقيقة الوضع في ليبيا، وطبيعة التنسيق مع المغرب، كما يروي تفاصيل حياة عائلات مغربية خلال الثورة الليبية، ويعلن تضامنه مع رشيد نيني، الذي سبق أن تعرف عليه. - أين وصل الوضع في ليبيا حاليا؟ أنا، حقيقة، واكبت الثورة الليبية منذ يومها الرابع، حين دخلت إلى بنغازي، وكانت هناك لحظات نضع فيها أيدينا على قلوبنا من الخوف قبل أن تتدخل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ورأينا كيف أن القذافي دخل بجنوده إلى مشارف مدينة بنغازي، لكن مع الوقت أصبحنا نرى فوارق. أكبر مشكلتين واجهتنا خلال هذه الثورة هي مشكلة تقسيم ليبيا لأن شرق البلد كان محررا تحريرا كاملا، وكنا ندخل ونخرج دون مشكل، لكن لما قامت الثورة في المنطقة الغربية، وهي قائمة منذ البداية، يعني مثلا جبل «نفوسا»، الذي هو امتداد لمنطقة أمازيغ ليبيا، على شكل هلال مساحته 250 كيلومترا يحيط بطرابلس، المنطقة هذه قامت فيها الثورة منذ اليوم الثاني أو الثالث. الثورة الليبية مشهورة الآن بثورة 17 فبراير، ولكن في الواقع قامت الثورة يوم 15 فبراير في ليبيا، وفي جبل «نفوسا» يوم 19 فبراير، وفي بعض مناطق جبل «نفوسا» قامت الثورة في ثاني يوم. هذه المنطقة تحررت وكنا نحن الأمازيغ محظوظين أنهم قاموا كلهم على بكرة أبيهم. ليس هناك أمازيغي واحد لم يقم للثورة ضد القذافي. لقد كان الضغط عليهم كبيرا جدا من قبل القذافي إلا في مدينتي يفرن والقلعة، اللتين حوصرتا لمدة شهر ثم نالتا حريتهما بفضل مقاومة أبنائهما، و«الناتو» لم يضرب منطقتنا أبدا ولم يكن دوره حقيقيا في المنطقة، بينما هي حررت من قبل أهاليها. في الحقيقة، أهالي «نفوسا» لا يعتبرون أن هناك ما يفصلهم عن الآخرين، بل يشاركون باسم ثوار ليبيا ويحررون مناطق ليبيا وكان لهم إسهام كبير جدا في تحرير منطقة طرابلس، والآن في بني وليد. الثورة الليبية لم تقم على أساس عرقي أبدا، والأمازيغ لا يقولون إننا وحدنا نثور ضد القذافي، أو العرب يثورون لأنهم عرب. نحن ثرنا كلنا لأجل هدف إنساني واحد، هو أن ينال الشعب الليبي الحرية، والقذافي، كما تعلم، كان يقمع الشعب الليبي لمدة 42 سنة. كانت هناك محاولات انقلابية عديدة ضد القذافي بلغت 18 محاولة، شارك الأمازيغ فيها بعشر محاولات انقلابية، رغم أن عددنا، حسب التقارير الرسمية، لا يتجاوز 10 في المائة من مجموع سكان، ومع ذلك شاركنا في 50 في المائة من الانقلابات ضد القذافي، وهذا يقودنا إلى واقع آخر، هو أن الليبيين كلهم كانوا مقموعين، ومضروبين بأيد من حديد من قبل نظام القذافي وأزلامه، ولكن أضيف على قمع الأمازيغ الهم الثقافي والتهميش وطمس هويتهم. - كيف كان تنسيق الأمازيغ مع الثوار الليبيين، لأن ما يتضح داخل ليبيا هو أن الإسلاميين هم من يقودون الثورة الليبية؟ كما ذكرت لك، ليس هناك شيء اسمه أمازيغي أو عربي أو غيره في ليبيا خلال هذه الثورة. الكل يشتغل بدون فوارق. صحيح عندما نرى الفيديوهات نسمع أحدا يقول لرفيقه: «اضرب هناك» باللغة الأمازيغية، والآخر يقولها بالعربية، أو أحيانا نجد مناطق معينة مساهمة في الثورة، مثل ثوار «جادو»، الذين فتحوا باب العزيزية، وهذه مدينة أمازيغية، ولكنهم لم يدخلوها تحت غطاء أمازيغي أو عربي. أنتم الصحافيون تحبون العناوين البراقة مثل أن الأمازيغ فعلوا كذا أو العرب فعلوا كدا، ولكن في واقع الأمر، ماعشناه أظهر أنه ليس هناك فرق، فالكل يجري نحو الحرية، وهذا مطلب إنساني ليس له علاقة باللغة أو العرق أو الجنس. هناك تعاون، فمثلا ثوار مدينة الزاوية كانوا يقاومون في جبل «نفوسا»، الذي أصبح طيلة الشهور الماضية معقلا لثوار ليبيا، الذين جاؤوا من أقاصي الغرب والجنوب من أجل التدريب، حيث جمعت هناك الأسلحة وافتتحت المعسكرات في جبل «نفوسا»، لأن هذه المنطقة هي أقرب نقطة للعاصمة، فبينها وبين طرابلس هناك 110 كيلومترات، أما أبعد نقط فتقدر بمسافة 400 كيلومتر، لذلك من هذه النقطة انطلق الثوار لتحرير طرابلس من طرف كتائب تحرير طرابلس. خلال هذه المرحلة عرف الليبيون أن ليس هناك فرق بينهم إلا في اللغة، ونحن دائما نقول، داخل الحركة الليبية الأمازيغية، إننا جميعا ليبيون. منا من ينطق بالأمازيغية ومنا من ينطق بالعربية، والأمر ذاته في المغرب، الذي هو دولة واحدة، لكن هناك من ينطق بلغة وآخر ينطق بلغة أخرى، ولكن الثقافة والعادات والتقاليد واحدة. المهم هو أن الليبيين كلهم ساهموا في هذه الثورة، منهم من ساهم إعلاميا ومنهم من ساهم بالعلاقات الخارجية وتنظيم المظاهرات والأموال، ومنهم بالنفس. - ما هي أهداف ثوار ليبيا حاليا؟ هل سقط النظام فعلا، خصوصا بعد خرجات القذافي، وإن كان هناك مقربون منه يقولون إن النظام ما زال قائما؟ قائم إعلاميا، فهو ما زال يتحدث من قناة إعلامية موجودة في سوريا، ولكن في الواقع، ليبيا محررة بالكامل، ويمكنني التجول بكل حرية في طرابلس وغيرها من المدن الليبية. والمناطق التي تحررت في وقت سابق بدأ المدرسون فيها بالاشتغال.كما أن الموظفين الحكوميين يعملون والمصارف مفتوحة والحياة عادت إلى طبيعتها. المناطق الأخرى، خاصة الجنوب، أكبر إشكالية به هو أنه لم يتحرر بالكامل، وهناك ثوار من «نفوسا» و«جادو» و«كبا» و«يفرن» ذهبوا إلى الجنوب، حيث تم تحرير ثلثيه تقريبا. بقيت مدينتان تعدان معقلين للقذافي، هما «بني وليد» و«سرت»، لكن ثوار ليبيا كلهم موجودون في هذه المناطق، كما ذكرت قبل قليل. النظام سقط فعليا. رفع علم الاستقلال على جميع التراب الليبي، بينما هذه الأمور، كما ذكرت، يحسب لها القذافي الحساب منذ أربعين سنة، وهو يجهز لهذه اللحظة، لذلك لا نتوقع أن يسقط بهذه السهولة. - هذا على الصعيد الميداني، لكن من الناحية الدبلوماسية والسياسية، يبدو أن المجلس الانتقالي هو الذي يشرف على تسيير هذه الأمور. ما هي المشاكل التي تعترض عمله؟ وما هو دوركم كأمازيغ داخله؟ أعيدها وأكررها لصحيفتكم أنه لا يوجد أمازيغ أو عرب في ليبيا. يوجد ليبيون. مثلا القائد الذي عين الآن على رأس المحكمة العليا في طرابلس أمازيغي، لكننا لا ننظر إليه على أساس أنه أمازيغي، بل ننظر إليه على أساس أنه إنسان يخدم وطنه مثل باقي الليبيين. كما يوجد هناك أمازيغ بالمجلس الانتقالي. التفرقة بين الليبيين كان يقوم بها القذافي. ليبيا الآن تقسم إلى مجالس محلية، وفي كل مدينة هناك مجالس تخصها وتمثل داخل المجلس الانتقالي، بحيث لا يشعر أحد بأنه خارج الحلبة السياسية، لكن الحكومة ما زالت لم تتشكل بالطريقة الصحيحة، فمثلا في تونس ومصر حيث حصلت الثورة، تم إعطاء مواعيد للانتخابات بعد 18 شهرا، فما بالك بليبيا التي لم تجر فيها أي انتخابات من قبل، فالمسار نحو تكوين دولة سيأخذ نوعا من الوقت، لأن القذافي ترك الدولة بدون مؤسسات، بخلاف مصر أو تونس. من ناحية التمثيلية في دول العالم، أنا شخصيا حضرت لقاءات ليبيين في تركيا وفرنسا وغيرها من الدول، وسجلت أن الاعتراف بليبيا كان متلاحقا، وآخر حضور لي في باريس شهد حضور أكثر من ستين دولة، هذا يعني أن العالم مجمع الآن على الاعتراف بالمجلس الانتقالي، كما أن الأممالمتحدة اعترفت بهذا المجلس. وأهم المشاكل التي تعترض ليبيا حاليا هي المشاكل المادية، لأن الأموال الليبية مجمدة والبترول في ليبيا لم ينتج منذ مدة. إذن هناك عجز تام في النمو الاقتصادي في ليبيا بسبب هذه المشاكل الموجودة، لكن نتمنى، عما قريب بإذن الله، أن تتحرك هذه الأمور. حاليا بدأت المطارات تتحرك والموانئ تشتغل، وبدأت الحركة الاقتصادية تدب في ليبيا، وحتى النفط بدأ تصديره. - هل تنشطون، كأمازيغ، حاليا، من أجل التعريف بقضية الأمازيغ في ليبيا؟ عندما نتحدث عن الأمازيغية يجب أن نتحدث عن الديمقراطية بصفة عامة في ليبيا. المسار الديمقراطي مخاضه قوي جدا، خاصة في الدول الديكتاتورية، والتغييرات التي تحصل بشكل جذري في بعض المناطق ربما تضر أكثر مما تنفع، والتجارب المتمخضة عن الانقلابات العسكرية في الأنظمة الديكتاتورية، على غرار ما كان يحدث في إفريقيا الجنوبية، لم تكن تنجح أكثرها، وحتى الثورات التي حصلت خلال المائة سنة الماضية اختطف أكثرها، وصارت فيها تغييرات مفاجئة، وبدأ المتسلقون يقفزون على هذه الثورات، حتى أصبح هناك حديث عن اختطاف الثورة المصرية. كما يوجد في تونس مخاض قوي جدا، فلم لا تكون ليبيا من باب أولى. الناس يحاولون أن يأخذوا وقتهم خلال التغيير، حيث لا تكون هناك تغييرات أو خطوات كبيرة جدا. والخطوة المهمة حاليا هي تنحية النظام الديكتاتوري، وتوجد نية صادقة لدى الليبيين أن تكون لديهم قطيعة مع النظام السابق والتهميش وكل هذه الأمور. المؤتمر الذي كان في طرابلس يوم 26 من الشهر الماضي، والذي كنت منسقه، كان يتحدث عن دسترة اللغة الأمازيغية لأننا نظن أن أغلب الليبيين لا يفهمون معنى الدسترة. تصور معي أن أكثر دول العالم توجد فيها أكثر من لغة رسمية، لكن الناس يظنون أن الأصل هو أن تكون هناك لغة واحدة رسمية، رغم أن الهند مثلا لديها 23 لغة رسمية، وبجنوب إفريقيا هناك 11 لغة. المؤتمر الذي قمنا به في طرابلس كان الغرض منه تعريف باقي الليبيين والمسؤولين الليبيين، كالمجلس الانتقالي أو غيره، بأن ترسيم اللغة الأمازيغية هو في صالح ليبيا، والديمقراطية تقتضي هذا الأمر، ولدينا قدوة في المغرب، الذي رسم اللغة الأمازيغية لترسيخ مبادئ الديمقراطية. النضال الأمازيغي الآن هو في إطار الدولة الليبية، والأمازيغ، مثل باقي الليبيين، لديهم نشاطات خارجية، وكل الليبيين يشتغلون سويا في هذا الإطار من أجل دعم دولتهم الفتية، التي ما زالت في طور البناء الآن. - ما مدى حضوركم الدبلوماسي في المغرب، على اعتبار أن هناك ليبيين هناك، فضلا عن الأمازيغ المغاربة؟ في بداية الثورة كان الفضل لفتحي بن خليفة، الذي نصب قبل أيام رئيسا للكونغرس العالمي الأمازيغي، كما أنه زوج ابنة أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، الذي كان حلقة الوصل بين المجلس الانتقالي والدولة المغربية. وفي الحقيقة أحمد التوفيق كان من بين الأشخاص آمنوا بالقضية الليبية ودعمنا بشكل مطلق، وهذا تم بتعليمات مباشرة من ملك المغرب. الدولة المغربية كان لها دور في الثورة الليبية منذ الأيام الأولى، وكانت لها اتصالات بالثوار الليبيين، لكننا طلبنا من الدولة المغربية أن لا تعلن اعترافها بالمجلس الانتقالي في البداية لكي نستفيد من دعمها من بعيد ومن خلف الكواليس، وهذا الدعم كان كبيرا جدا منذ بداية الثورة. بعد ذلك جاء وفد رفيع المستوى من المجلس الانتقالي، ضمنهم فتحي بن خليفة ومحمود شمام، وزير العدل، والعلاق، وزير الإعلام، وغيرهم، إلى الرباط حيث التقوا برئيس الحكومة ووزير الخارجية واتفقوا على عدة اتفاقيات. السفارة الليبية في الرباط كذلك خرجت عن النظام الليبي منذ البداية، لكننا طلبنا منها ألا تذكر أنها خرجت عن عصمة النظام لكي تزودنا بالمعلومات عن تحركات النظام الليبي، وقد تم مؤخرا الإعلان عن انضمام السفارة إلى الثوار، وأذكر أن الشخص الذي أنزل الأعلام من السفارة هو عز الدين اللواش، وهو صديق عزيز جدا، وهو يحضر الدكتوراة هنا في المغرب. اللواش عين ملحقا ثقافيا ليبيا في المغرب وإن شاء الله سنرى نشاطاته عما قريب. فيما يخص العلاقة بين الليبيين والمغاربة، والعلاقة بين أمازيغ ليبيا والمغرب هي علاقة ثقافية ونضال، لأننا كنا كلنا في نفس المستوى من التهميش في فترة من الفترات. في المغرب كانت الأمازيغية مهمشة والآن بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش أصبح هناك تغيير في النظرة إلى الحركة الأمازيغية في المغرب، وتوج هذا الحراك بالاعتراف الرسمي بالأمازيغية، ولما نتحدث عن وضع الأمازيغية في ليبيا نعطي مثالا بالمغرب، باعتباره نموذجا يستبق الأحداث. نحن في ليبيا لم نبدأ العمل الثقافي من الصفر، بل بنيناه على ما قام به إخواننا في المغرب، فالآن هناك تبادل بين المدرسين الأمازيغيين في ليبيا كي يتمرنوا هنا في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهذا حصل باتفاق مباشر مع الدولة المغربية، وبتنسيق مع وزارة الخارجية، وهناك طلبة ليبيون في الإعلام سوف يدرسون هنا في المغرب. كما أن المغرب يساعدنا على تأسيس الشرطة في ليبيا والأمن البلدي وأمور أخرى. الدولة المغربية، حقيقة، لها فضل ونتمنى أن تزيد في دعمها لنا في ليبيا. أما على مستوى الحراك الأمازيغي، فقد خرجت في المغرب مظاهرات تأييد للأمازيغ في ليبيا، وهو حقيقة تأييد للشعب الليبي لأن المسألة مسألة إنسانية، والحركة الأمازيغية في أكادير، التي لدينا معها اتصال، قامت بمجهود كبير في التعريف بالشأن الداخلي لليبيين، وغدا (يقصد السبت الماضي) هناك مظاهرة لتأييد الشعب الليبي. نشعر أن إخواننا في المغرب قاموا بمجهود كبير. أحكي لك قصة حدثت في مدينة «مصراتة»، إذ عندما كان قصف قوات القذافي في قمته، عرض شباب «مصراتة» عائلاتهم وأنفسهم للخطر من أجل إنقاذ أسرتين مغربيتين. وفي مدينة «زوارة»، وهي حاضرة أمازيغية، رفضت العائلات المغربية أن تخرج من المدينة تضامنا مع الليبيين، كما أن أول شهيد أجنبي في ليبيا هو مغربي يتحدر من مدينة الناظور. إذن المغاربة ساهموا مع إخوانهم الليبيين كثيرا، كما ساهم الليبيون في إنقاذ المغاربة ومساعدتهم على الخروج من ليبيا. هذه العلاقة ستتقوى بعد الثورة لأن القذافي كان مزاجيا، وعلاقته بالمغرب أو الجزائر كانت علاقة نابعة من مصالحه الخاصة أو بغرض إثارة الجدل الإعلامي حوله، ولكن نتمنى مع بزوغ الدولة الجديدة أن تجمع الثقافة بين الشعوب أكثر من السياسة، كما نتمنى أن يكون هناك تبادل ثقافي، والمركز الثقافي بليبيا ينسق مع المغرب بشكل دائم. الأمازيغ في ليبيا كانوا مقموعين، فحتى العمل المسرحي والأدبي والسينمائي كان مقموعا، والآن بعد الثورة الليبية قام الليبيون الأمازيغ بإخراج إبداعات أمازيغية لم يستطيعوا القيام بها خلال الأربعين سنة الماضية، وتقريبا صدر 11 ألبوما في السوق، وهذا كان ممنوعا في عهد القذافي، بل حتى أحد المغنين الأمازيغ الليبيين، وهو عبد الله الشني، كان مقموعا بسبب حضوره وتسجيله ألبوما في المغرب، ولكن خلال اليومين الثاني والثالث من الثورة خرج الألبوم. أنا شخصيا أبدعت رسوما متحركة بالأمازيغية، لكن ذلك تم في المغرب، وشاركت بهذه الأعمال في مهرجانات أمازيغية. الآن هناك 87 قناة ليبية تريد إدماج الأمازيغية في برامجها، وتوجد قناة أمازيغية ستخرج قريبا. هذا المشروع هو جهد ذاتي والمجالس المحلية الأمازيغية الليبية كلها اشتركت فيه، على أساس أن يكون هناك تلفزيون بالأمازيغية تبث فيه برامج بالعربية والإنجليزية. كما سيتم بث برامج مشتركة بين شمال إفريقيا كلها، وتنظيم مسابقات مغاربية يشارك فيها مغنون من مختلف هذه الدول. القناة ستسمى «إبرارن»، وهي تعني التنوع. - من هم أمازيغ ليبيا؟ وما هي صلاتهم بأمازيغ المغرب؟ قلت أمازيغ ليبيا! هذا تناقض، لأن كلمة ليبيا في حد ذاتها اسم قبيلة أمازيغية، وربما تكون ليبيا هي الدولة المغاربية الوحيدة التي سميت باسم أمازيغي. كلمة ليبيا ترجع إلى قبائل اللبيو، التي ذكرها المصريون القدماء، وذكرها الرومان، والتي أصبحت فيما بعد قبيلة لواتة، فقبيلة الليبو أو الليبييون يؤكد الأصل الأمازيغي لكلمة ليبيا. أمازيغ ليبيا يرجع تاريخهم إلى آلاف السنين، والليبيون خرج منهم عظماء في التاريخ ومصلحون وفلاسفة، كما أن كاتب الإنجيل الرابع المسمى «إنجيل مرقس» هو الحواري مرقس، وهو أمازيغي، وما زال هناك واد في ليبيا يحمل اسمه. كما ساهم قادة أمازيغ ليبيون في الفتوحات الإسلامية، وأولى دولة إسلامية منشقة عن الشرق تأسست بين ليبيا والجزائر هي الدولة الرستمية. وحقيقة، كان لأمازيغ ليبيا دور كبير في تاريخ شمال إفريقيا. الناطقون بالأمازيغية في ليبيا يتراوحون بين 10 في المائة و25 في المائة من عدد السكان في ليبيا، لكن ذوي الأصل الأمازيغي يشكلون أغلبية. وأغلب التمركز الأمازيغي هو في الهلال المحيط بطرابلس. أنا شخصيا من مدينة اسمها يفرن، وهذا اسم موجود في المغرب، كما لدينا أيضا مدن تدعى تافيلالت ووليلي وكلميم. الارتباط بين أمازيغ ليبيا والمغرب هو ارتباط جغرافي وتاريخي، فهناك مغاربة استقروا في ليبيا. الملك السابق لليبيا، إدريس السنوسي، كان من بني إزناسن، وهي قبيلة قريبة من وجدة، وكان يحكم ليبيا دون أن ننظر إليه على أنه ملك مغربي، بل جزء من ليبيا. عبد الهادي التازي كتب كتابا رائعا، لما كان سفيرا في ليبيا، عن المغاربة وإسهاماتهم في الحراك الثقافي في ليبيا، ودور الرحالة الليبيين في المغرب. وهذا الحراك يدل على أنه كان قديما. - وهل يوجد في ليبيا حاليا أمازيغ مغاربة، سواء من أصول ليبية أو ممن انتقلوا حديثا إلى ليبيا؟ طبعا يوجد، سمعت إحصائية تشير إلى أنه يوجد في ليبيا أزيد من 250 ألف عامل مغربي، أي ربع مليون، وأكيد أن بينهم ناطقون بالأمازيغية. شخصيا، داخل مزرعة عائلتي في جبل «نفوسا» يوجد عمال مغاربة أكثرهم أمازيغ. - هناك دستور للأمازيغية في المغرب، كيف تقيم تطور الاهتمام بالأمازيغية في المغرب؟ نعتبر هذا التحرك متأخرا نوعا ما، ولكنه خطوة مهمة جدا لإحقاق العدالة في المغرب، لأن الدستور المغربي، وبالضبط المادة السابعة، لأنني قرأته بتمعن، يقر بالمساواة بين كل المواطنين في المغرب، ومن أسس المساواة أن تدستر الأمازيغية وأن تعطى لها صفة قانونية كما أعطيت للعربية، فقد مضى عهد التخيير والصراع بين اللغات، فكلا اللغتين تبني ثقافة المغرب وتاريخه، ونتمنى أن تصل ليبيا إلى هذا المستوى من الوعي الذي وصل إليه المغاربة، فالإنصاف هو الذي يوحد بين الدول ويبنيها وليس التهميش والإقصاء. نتمنى أن تخطو ليبيا خطوات المغرب، وأنا معجب بالمغرب، وأقمت فيه مدة طويلة، ولدي بيت فيه وأصدقاء، وأنا معجب بالحراك فيه، والمغرب دائما يعتبر مثالا للتحرك البطيء، فالمغاربة لا يحبون الخطوات السريعة وغير المدروسة، رغم وجود إحباط لدى الناس، لكن المغرب مثال يحتذى به بحكم النية الصادقة للملك الذي يلقب بمحمد السريع، وكنت معجبا به لما رأيته، وإن شاء الله ربي يحفظه ويخدم بلده أكثر وأكثر، وأنا أرى فيه إنسانا مثله مثل باقي المغاربة، وهذا هو النموذج الذي يجب أن يحتذى به في باقي الدول المغاربية. - حاليا يوجد رشيد نيني، مدير جريدة «المساء»، الأكثر مقروئية في المغرب، في السجن بسبب مقالات كتبها. بصفتك ناشطا ليبيا كيف تنظر إلى هذه القضية؟ رشيد نيني هو صديق عزيز، وسبق لي أن التقيت به في وقت سابق وفي أكثر من مناسبة، وتبين لي أنه إنسان مثقف، رغم أنني أؤاخذه في بعض الأمور المتعلقة بالقضية الأمازيغية، ولكن هذا لا يعني أبدا أننا لا نتضامن معه ومع أي إعلامي سجين. جريدة «المساء» كان لها دور كبير في المغرب وما يزال، وهي من أكثر الجرائد انتشارا في المغرب كما نعلم. على المغرب أن يتعامل مع الصحافة والصحافيين بأسلوب آخر، فعهد التهميش ولى، فحتى لو قمعت أحدا أو سجنته سيخرج صوته بطريقة أو بأخرى إلى الناس، والآن، أصبح لدينا الأنترنت والصحافة الإلكترونية، فإلى متى يستطيعون قمع الصحافة؟ إذا افترضنا أن رشيد نيني حبس بسبب آرائه، وهذا هو السبب الذي يتحدث عنه الجميع، فنتمنى له الخروج عما قريب إن شاء الله، وهذه الأشياء لا تتكرر، وأنا تابعت إغلاق جرائد ومجلات في المغرب أكثر من مرة، كما سبق للقذافي أن رفع دعوى قضائية ضد «المساء»، لكن القذافي الآن ولى ونحن الآن في عهد جديد.