القضية الأمازيغية مقابل الصحراء المغربية معادلة القائد الفاتح لمحمد السادس !! في بداية شهر ديسمبر 2010 المنصرم سيسافر الباحثان المغربيان المحفوظ أسمهري وحسن رامو في رحلة بحث أكاديمية من المغرب قادتهما إلى تونس، وفي 14 من نفس الشهر سيحطان رحالهما بليبيا وبالضبط في نالوت بجبال نفوسة الواقعة في الجزء الغربي من الدولة الشقيقة، ومنذ 19 من الشهر المنصرم ستفقد العائلة الاتصال بأبنائهما، ليتم إطلاق سراحهما يوم الخميس 6 يناير الجاري ممتنعين عن الإدلاء بأي تعليق "للحياة" التي حاولت تتبع تفاصيل الملف. وحسب إحدى الوثائق التي عممتها منظمة العفو الدولية للتداول العام، ففي 16 ديسمبر المنصرم أي 3 أيام قبل اختفاء المغربيين، سيقتحم رجال الاستخبارات المنتمين لجهاز الأمن الخارجي الليبي شقة التوأمين الليبيين مازيغ ومادغيس بوزخار ليتم إلقاء القبض عليهما. وحسب مصادر "الحياة" فإن التوأمين بوزخار لحد كتابة هذه السطور قيد الاعتقال والتحقيق معهما في مكان مجهول، على خلفية لقاء أكاديمي جمعهما مع طالب إيطالي يتردد على ليبيا، والذي سيتعرض هو الآخر للاعتقال لمدة 3 أسابيع ولن يفرج عنه إلا في 24 ديسمبر الماضي مع تعليمات صارمة بمغادرة ليبيا فورا. عاما قبل كل هذا، ستقدم السلطات الليبية على اعتقال خالد زيراري في مطار طرابلس والتحقيق معه لساعات طويلة قبل الإقدام على إبعاده من ليبيا بعد عودته من نشاط شارك فيه بالمغرب ليجبر على المغادرة على متن أول رحلة إلى روما ومنها سيعود إلى المغرب، وقبلها بقليل أفادت مصادر "الحياة" أن السلطات الليبية قد قامت بطرد السكرتير السياسي الأمريكي متهمة إياه بالتجسس بعد قيامه بزيارة مناطق بعينها في ليبيا بغية الاطلاع على أوضاع هذه الإثنية في هذه البلاد، وقبل هذا وذاك كانت السلطات المغربية قد أقدمت قبل حوالي العام على إبعاد الليبي فتحي بنخليفة من المغرب، فما سر هذه التضييقات؟ وكيف يمكن قراءتها؟ خلفيات متاعب ملك ملوك إفريقيا التقليديين تجد هذه الأسئلة إجاباتها في الانتماء الفكري أو التنظيمي لهؤلاء، فالمحفوظ أسمهري وحسن رامو باحثان ينتميان إلى الحركة الأمازيغية بالمغرب، كما أن التوأمين بوزخار ينتميان بدورهما لنفس الحركة لكن بليبيا، والطالب الإيطالي ينجز بحثا يتصل بالقضية الأمازيغية بليبيا، وخالد زيراري يشتغل حول نفس القضية وهو نائب رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي، وكان قد شارك في جنازة شخصية أمازيغية بالمغرب، بالإضافة إلى أن الدبلوماسي الأمريكي كان قد زار مناطق أمازيغية وأعلن أن الزيارة أتت في سياق الاطلاع على أوضاع هذه الشريحة الإثنية بليبيا، وأخيرا فإن فتحي بنخليفة ناشط أمازيغي هو الآخر، اختار هولندا كمنفى اختياري له بعد إبعاده من وطنه ليبيا ومن المغرب الذي كان قد استقر به أخيرا. هذه عبارة عن نماذج فقط من الإشكالات التي يتخبط فيها معمر القذافي مع ناشطي الحركة الأمازيغية التي على ما يبدو أصبحت جد ناشطة على المستوى المغاربي ككل وليس في المجال المغربي فقط. وفي اتصال هاتفي "للحياة" بالناشطة الأمازيغية مريم دمناتي، أوضحت أن السلطات الليبية أصبحت تتجاوز كل الخطوط الحمراء في علاقتها بالسيادة المغربية، وأضافت أن "اعتقال أسمهري ورامو يمثل انتهاكا لها بما أنهما ينتميان إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبما أنهما كانا في رحلة بحث علمي ويتوفران على جميع التراخيص القانونية ذات الصلة بمجال بحثهما". وكانت السلطات المغربية قد منعت الأسبوع الماضي وقفة احتجاجية لنشطاء أمازيغيين ينتمون للمرصد الأمازيغي والشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة وغيرهما، كانوا يعتزمون تنظيمها أمام القنصلية الليبية بالرباط بعد اختفاء الباحثين، وبالموازاة مع ذلك، اتجهت الفعاليات الأمازيغية إلى محاولة تدويل القضية لدى المنظمات الحقوقية الدولية وهو الأمر الذي نجحوا فيه بالفعل بعد دخول منظمة أمنستي على خط القضية. وحسب مصادر من الحركة الأمازيغية، فإن القذافي أصبح يشن هجمات شرسة على القضية الأمازيغية خاصة بعد الإحراج الذي أضحت تسببه له الحركة في المنتديات الدولية، من قبيل التقرير الذي قدمته السلطات الليبية إلى اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري في 2003 المبني على أساس أن "جميع الليبيين ينتمون إلى أصل عرقي مشترك، وأنهم جميعا يعتنقون الإسلام ويتكلمون العربية، وبالتالي لا مجال للتمييز العنصري"، ليتلقى الليبيون صفعة قوية من اللجنة بأسئلة تتعلق بواقع العنصر الأمازيغي والكونغرس العالمي الأمازيغي وتنظيمات ليبية أمازيغية لازالت تشتغل بالمنفى من قبيل جبهة التبو للعمل الليبي ومجموعة العمل الليبي وحقيقة القانون رقم 24 لسنة 1369 الذي يحرم استخدام لغة غير اللغة العربية، فكان امتحانا عسيرا لم يغفره القذافي لنشطاء الحركة أبدا. أمير المؤمنين، ملك ملوك إفريقيا والتوازن الصعب كيف تعتقل وتختطف السلطات الليبية باحثين مغربيين ينتميان لمؤسسة "ملكية"مغربية رسمية دون أن يرف لها جفن؟ وكيف يتأتى للسلطات الليبية أن تتجنب الوقفة الاحتجاجية أمام قنصليتها بالمغرب بعد منعها من طرف السلطات المغربية؟ بل وما علاقة المغرب بمشاكل القذافي مع الحركة الأمازيغية الليبية؟ أحد نشطاء الحركة الأمازيغية بالمغرب رفض الكشف عن اسمه صرح "للحياة" أن العقيد معمر القذافي يعتبر أن المغرب "سبب مشكلاته المتزايدة مع نشطاء الأمازيغية، فهو القاعدة الخلفية لهؤلاء اعتبارا للهامش المهم من مجال الحرية الذي فتحه المغرب في مسار التعامل الرسمي مع القضية، فإن لم تأت ضربات الفاعلين الأمازيغيين للقذافي من المغرب، فإنها على الأقل تتبلور أو يخطط لها بكل حرية بالمغرب"، ويستدل مصدرنا على ذلك، بالحملة الشرسة التي يشنها القذافي على الإذاعات والقنوات الناطقة بالأمازيغية على رأسها الدعوة التي أطلقها العام الماضي لإغلاقها في حوار أجرته معه إحدى الصحف المغربية. لكن الحكاية لا تقف هنا، فمصدرنا ذهب إلى أن الكشف عن معلومة لم يتسن "للحياة" التأكد منها بشكل رسمي، وحسبه فإن معمر القذافي أقدم على اقتناء مقر لفائدة الشرفاء الأدارسة بحي أكدال بالرباط وتحديدا بشارع ملوية، وهو ما يطرح حسب مصدر "الحياة" أكثر من سؤال حول مغزى هذه الخطوة خاصة أن المغرب يعتبر الزوايا من أكثر العناصر الحساسة التي لا يمكن أن يقبل باللعب بها كورقة سياسية. ومن جانب آخر، كشفت إحدى بيانات المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات والتي تعود إلى منذ حوالي السنة، أن النظام الليبي أقدم على "إنشاء وتمويل عدد من الجمعيات على التراب المغربي يفوق عددها الثلاثين جمعية، وهي الخطوة التي كان قد استنكرها عدد من النشطاء الأمازيغيون واعتبروا الأمر دعما للسياسة القمعية الليبية...وخرقا لمجال السيادة المغربية"، في حين استنكر نفس البيان ما صدر الزعيم الليبي من تصريحات وصفها " بالتدخل السافر وغير المهذب في السياسة الداخلية للدولة المغربية، ومسّا بسيادتها ويطبعها العنف الرمزي ضدّ الأمازيغ وحضارتهم وهويتهم"، وذلك بمناسبة الكلمة التي ألقاها "الفاتح الليبي" –حسب وكالة الأنباء الليبية- أمام وفد من الفعاليات المغربية ترأسه الاستقلالي شيبة ماء العينين بتاريخ 30 ماي من العام الماضي بليبيا. وحسب معلومات حصلت عليها "الحياة" فإن كلمة العقيد الليبي اتسمت بالتهجم وانتقاد التعامل الرسمي مع القضية بالمغرب، لكن الأخطر حسب نفس المعلومات، فإن العقيد القذافي ربط هذا باستعداده للمساهمة في إنشاء حزب صحراوي بالمغرب وربط كل هذا بمسألة الاستفتاء، وهو اللقاء الذي تم التكتم على خلاصاته بعد عودة الوفد المغربي من ليبيا، فهل يفعلها القذافي؟ هل سيساوم بقضية الصحراء المغربية مقابل القضية الأمازيغية بالمغرب؟ رشدي المرابط. "الحياة الجديدة"، العدد: 123/ 14-20 يناير 2011