أشرف جامع الأزهر، لأول مرة في تاريخه، على تنظيم أول مؤتمر عالمي للتصوف في الأسبوع الماضي، جمع عددا من علماء الصوفية من جميع البلدان العربية والإسلامية وعددا من المفكرين والباحثين المعنيين من 30 دولة عربية وإسلامية وغربية. المبادرة تمت من طرف “أكاديمية الإمام الرائد لدراسات التصوف وعلوم التراث بالعشيرة المحمدية” بمصر تحت رعاية الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبإشراف المشيخة العامة للطرق الصوفية ووزارة الأوقاف المصرية، وعقد المؤتمر تحت عنوان “التصوف منهج أصيل للإصلاح”. وجاء عقد هذا المؤتمر في وقت يشهد فيه الأزهر حراكا كبيرا بعد ثورة 25 يناير في مصر التي أسقطت نظام حسني مبارك، وطرح الأزهر لوثيقته الشهيرة حول مستقبل مصر ودوره الجديد والتي لقيت ردود أفعال متباينة بين القبول والرفض. أما “العشيرة المحمدية”، التي نظمت المؤتمر، فتعد من أكبر الهيئات الإسلامية بمصر والعالم، وهي معتمدة رسميا في مصر بقرار جمهوري وأسسها الشيخ محمد زكي إبراهيم، أحد رواد الإصلاح الصوفي عام 1930. وقد بحث المؤتمر خمسة محاور، هي: دواعي الإصلاح في المجتمعات العربية والإسلامية، طرح التصوف كمنهج للإصلاح، إشكاليات التصوف والإصلاح، التصوف وإمكانيات الإصلاح، ونماذج من الإصلاح عند الصوفية. ويظهر أن المؤتمر كان يراد منه في هذا التوقيت أن يكون رسالة، عبر الأزهر، إلى المسؤولين الجدد في مصر مفادها أن الإصلاح السياسي العام في البلاد لا يمكن أن يتم بدون إصلاح الفرد، فقد أوضح الدكتور حسن الشافعي، رئيس أكاديمية الدراسات الصوفية، ورئيس المكتب الفني لمشيخة الأزهر، أن محاولات الإصلاح سابقا كانت دائما محصورة في إطار الأشكال والهياكل دون الجوهر والمضمون، وقال إن إصلاح الهياكل والمؤسسات دون الاهتمام بإصلاح القائمين عليها قليل الجدوى، مؤكدا أن بناء الفرد المؤمن هو أساس كل إصلاح، وأن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يبدأ من قمة النظام مع إغفال قاعدة البناء، ألا وهو الفرد المؤمن. ومن جانبه، أكد الشيخ محمد عصام الدين، رئيس العشيرة المحمدية، أن المؤتمر يكتسب أهمية كبيرة في ظل الضغوط الخارجية المتواصلة على الشرق الإسلامي، لافتا إلى أن المؤتمر سعى لفرض نموذج معين للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية، بعد الشعارات التي ظهرت في الآونة الأخيرة، منها شعار الإصلاح كمبرر لتمرير نماذج من الخارج لا تتفق مع طبيعة التراث الحضاري للأمة وتحقيق أهدافها القومية، حسب قوله. وحسب منظمي المؤتمر فإن هذا الأخير هدف إلى توحيد وتفعيل دور أكثر من 15 مليون متصوف مصري وما يزيد عن 200 مليون متصوف في الدول العربية وفي العالم، للإسهام وبفاعلية في دعم المساعي والتوجهات الحالية في الدول الإسلامية الهادفة إلى تحقيق الإصلاح الشامل والتنمية الحقيقية في جميع القطاعات المجتمعية. وقد أعلن المشاركون رفضهم توظيف بعض التيارات الصوفية سياسيا، وتقديم التيار الصوفي على أنه معاد لتيار ديني بعينه، أو محاربته لفكر السلفيين، كما طالبوا بتدريس التصوف في المدارس والجامعات لتحقيق النهضة الاجتماعية المطلوبة لاسيما في الدول العربية التي تشهد ثورات وانتفاضات جماهيرية. ودعا المشاركون في ختام أعمالهم إلى إقامة اتحاد عالمي للتصوف يمثل في مختلف أنحاء العالم، يضم كافة الطرق والهيئات والمؤسسات والمنظمات الصوفية في العالم بهدف توحيد كلمة الصوفية وتعاونهم جميعا تعاونا ينهض بالتصوف ويعيد للتصوف كل ما فقده من اعتبار مما يجعله أداة إصلاحية إيجابية لها أثرها في العالم، وتعديل قانون الصوفية في مصر الصادر عام 1976.