لم أعرف هل أبكي أم أضحك وأنا شاهد كريم غلاب، وزير النقل والتجهيز الاستقلالي، عند حميد برادة في برنامج «ميزينكور» على «دوزيم». حلقة «ترن بشكل خاطئ»، كما يقول الفرنسيون، المضيف لم يتوقف عن كيل المديح لضيفه، والضيف لم يكف عن «التمسكن» كي يقنع المشاهدين بأن المغرب بلد «تكافؤ الفرص»، والدليل أن شابا من «أيها الناس» اسمه كريم غلاب وصل إلى منصب وزير ب«دراعو»، رغم أنه ينحدر من «عائلة متواضعة»، من فضلكم، الوالد مجرد «مدير شركة تأمين» والوالدة موظفة في البنك والسكن شقة في الدارالبيضاء... لم يكن ينقص إلا أن يخرج برادة منديله كي يسمح عينيه وتكتمل مسرحية «أنا يتيم». المسرحية التي ختمها غلاب بأن عاتب برادة لأنه لا يقدم برنامجه باللغة العربية، ما جعل «المناضل القديم» يستيقظ فجأة في حميد في اللحظات الأخيرة من الحلقة، ويرد عليه بما معناه أن «قفشته» تؤكد أن حزب «الاستقلال» لا يتبدل ولا يتغير، «مثل قهوة سمر»، مازال وفيّا لديماغوجيته وشعبويته. الحزب الذي جعل من الضحك على ذقون المغاربة برنامجا سياسيا: عندما كان قادته يدعون إلى تعريب التعليم العمومي، كان غلاب وغيره من أبناء العائلات الاستقلالية يدرسون في ثانويات «ديكارت» و«ليوطي» و«بوان كاري» في نانسي الفرنسية، كي يحتلوا المناصب التي هم فيها اليوم. القضية قضية وراثة، وتحصين مكتسبات. هناك عائلات معروفة في المغرب، تتصرف كأن البلاد «غنيمة» ربحتها من الفرنسيين، شعارها واضح منذ الاستقلال: «المغرب لنا لا لغيرنا». أسر محظوظة «حفّظت» كل شيء باسمها: الثروة والمناصب والوزارات والأحزاب والسفارات والأراضي والبنوك والرخص والامتيازات... بما فيها بعض «الامتيازات» التي منحها الله لأولاد الشعب، من قبيل التعاطف التلقائي مع الفقراء، الذي زرعه الله في قلوب الناس على سبيل «جبر الضرر». أولاد «الألبة» صاروا يزاحمون «الخوشبيش» في كل ما يمت إلى الفقر بصلة، يتسابقون معهم حتى على «شهادة الضعف» في البلديات وعلى «أغاني الراب» التي تخرج عادة من أفواه الشباب الفقير الغاضب في «الغيطوهات» والضواحي المهمشة. ومن أبرز «رموز» هؤلاء الذين يريدون «سرقة الفقر من الفقراء» بعضُ وزراء حزب «الاستقلال»، الذين وصلوا إلى الطابق الحكومي عن طريق «مصعد العائلة» السريع، وباتوا يتمسحون بحيطان الأحياء الشعبية، ويخترعون لأنفسهم مسارات وهمية، على سبيل التقرب من الشعب، كي يمنحوا لأنفسهم شرعية تمثيله في المؤسسات المنتخبة، و«يرعوا مصالحه» كما يرعى الذئب قطيع الغنم. عندما يخرج «الراب» من «ليسي ليوطي» ويتحدث كريم غلاب باسم سكان سباتة، اعلم أن البلد يمشي على رأسه، وأن لا حدود للجشع عند البعض، حتى الفقر «طمعوا» فيه. قبل كريم غلاب في «ميزونكور» سمعنا زميلته في الحزب والحكومة، ياسمينة بادو، تصرخ في برنامج «نقط على الحروف»: «علاش حنا ولادنا ما يخدموش؟» بلى وكلا، حاشى ولا يرضى. أولادكم يستحقون أرقى المناصب سيدتي، في المغرب وخارج المغرب، دون حاجة إلى أي شهادة... شهادة الميلاد تكفي.