الأتراك يلعبون بالنار. يبدو أن رئيس الوزراء التركي، طيب أردوغان، يجتاز الخط الرقيق الذي بين التصعيد اللفظي والصراع الدبلوماسي ضد إسرائيل وبين السعي إلى مواجهة عسكرية. هذا الرجل، الذي عزا إليه الجميع سلوكا سياسيا مناهضا لإسرائيل على نحو مواظب ومخطط له جيدا مع أهداف واضحة، يبدأ بالعمل من البطن. الحالة النفسية في الأزمة بين إسرائيل وتركيا بدأت تسيطر على المنطق. أثناء العيد، نشر الأتراك نبأ عما اعتبروه «استفزازا عسكريا إسرائيليا». وبزعمهم، فإن طائرات قتالية إسرائيلية حامت فوق قوة المهمة البحرية التركية التي انطلقت لحماية منطقة تنقيبات الغاز التي تخطط لها تركيا قرب قبرص. في الجيش الإسرائيلي ينفون، ولكن هذا لا يغير في الأمر شيئا على الإطلاق. هذا ما يبثه الأتراك: نحن والإسرائيليون في احتكاك جسدي. في إسرائيل، بالمقابل، يبدؤون في المتابعة بتحفز خاص لتحركات الأسطول التركي في البحر المتوسط. قبل بضعة أسابيع، تجولت سفينة قتالية تركية بحجم متوسط في الحوض الشرقي للبحر المتوسط من الشمال إلى الجنوب، في مسار «مرمرة»، واقتربت بشكل شاذ جدا من شواطئ إسرائيل. صحيح أن السفينة لم تدخل المياه الإقليمية الإسرائيلية، ولكنها توجد في المدى الذي درجت فيه السفن العسكرية على إطلاع الدول الصديقة على وجودها تفاديا لسوء الفهم. في إسرائيل أشعلت أضواء حمراء: هل يحتمل أن يكون أردوغان من خلال الأسطول التركي يفحص يقظة وسلوك إسرائيل؟ في 20 شتنبر انطلقت قوة مهمة بحرية تركية إلى منطقة التنقيبات بجوار قبرص. وضمت القوة قوارب بحرية عسكرية، سفينة توريد، سفينة جر، وضمت أيضا، على ما يبدو، غواصتين. هذه لم تبد بالضبط كقوة حماية بل تبدو بقدر أكبر كقوة تنطلق نحو دول «معادية» مثل قبرص، اليونان وربما إسرائيل أيضا. بشكل عام، في الأشهر الأخيرة صعدت تركيا نشاطها في مجال البحر المتوسط، سواء في الجو أم في البحر، دون مبرر، دون أي تهديد استراتيجي ظاهر للعيان. الرحلات الجوية التي ينفذها سلاح الجو التركي في المنطقة هي في مقاييس تختلف عن تلك التي شهدناها في الماضي. أحد كبار رجالات وزارة الخارجية التركية استدعى مؤخرا سفراء عربا في أنقرة وتباهى على مسمعهم بأن تركيا دفعت إلى الجو عدة مرات بطائرات قتالية حيال طائرات إسرائيلية حلقت في البحر المتوسط قبالة الشواطئ السورية ودفعتها إلى الفرار. وسواء كان الحديث يدور عن أنصاف حقائق أم عن خيال، فإن هناك أمرا واحدا واضحا: الخطاب التركي تجاوز الشتائم إلى الألعاب الحربية. هذه الألعاب من شأنها أن تنتهي على نحو سيئ. مسؤولون كبار في الناتو حاولوا الحديث إلى نظرائهم في جهاز الأمن التركي وناشدوهم بوقف اللعب بالنار. ورد الضباط الأتراك بأنه لو كان هذا منوطا بهم، فلن تكون مواجهة عسكرية. ولكن قادة الجيش التركي فزعون من أردوغان. كما أن اليقظة الشعبية التركية لا تشبه اليقظة الشعبية لإسرائيل، ولهذا فإن أفعال وسلوك أردوغان ليست شفافة وليست خاضعة للانتقاد الدائم. وهو يمكنه أن يشعر بثقة كافية في سلوكه حيال الرأي العام الداخلي الذي يعتبر إسرائيل، على أي حال، دولة غير سوية، تعمل من البطن. الأمريكيون هم أيضا يحذرون الأتراك: إذا واصلتم هذه الألعاب، ففي النهاية ستغرق لكم سفينة. ولكن أردوغان، الذي يعيش حالة الاعتداد بالنفس، يدفع نحو تصعيد عسكري. في مثل هذا الوضع، لا ينبغي أن يُفاجأ إذا ما ضغط طيار تركي أو طيار إسرائيلي، شعرا فجأة بالتهديد على الزر فأطلقا صاروخا. المسافة بين الاستفزاز والانفجار الإقليمي قد تستغرق ثواني معدودة. إذن، من سيوقف أردوغان؟