في كتابه «جرأة الأمل»، يشارك المرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي باراك أوباما القارئ أفكاره عن كيفية معالجة الانقسامات الداخلية الأمريكية، حيث يطالب بنوع مختلف من السياسة ويعرض لعدم الاستقرار الاقتصادي المتزايد في الأسر الأمريكية والصراعات العرقية والدينية داخل المؤسسات السياسية والمخاطر الخارجية التي تهدد الولاياتالمتحدة من العنف إلى الأوبئة. لهذا اعتبر أوباما ما جاء في كتابه أفكارا للمطالبة بالحلم الأمريكي. إن السلطة الرئاسية في زمن الحرب، والأخلاقيات التي تخص قرارات إنهاء الحياة، لا تعتبر مواضيع سهلة. وبما أنني أختلف مع السياسات الجمهورية، فأنا أعتقد أن هذه المواضيع تستحق مناقشة جادة. ما كان يسبب لي اضطرابا هو معنى قواعد الحكم الذي لم يعد يطبق، وأنه لا توجد معايير ثابتة يمكن الرجوع إليها. ويبدو الأمر وكأن الذين هم في السلطة يقومون بتعقيد ما يعتبر واضحا للعيان مثل ضرورة وقف الإرهابيين، أو إعاقة ما هو صواب مثل قدسية الحياة التي يتم تجاهلها. المفارقة هنا بطبيعة الحال هي أن مثل هذا التجاهل والتلاعب باللغة للوصول إلى نتيجة معينة هو بالضبط ما اتهم به الليبراليون طويلا من طرف المحافظين. وكان هذا هو أساس إجراءات الاتهام في حق بيل كلينتون والازدراء في العبارة الحزينة: «الأمر يتوقف على معنى كلمة: هو». كان هذا أساس نقد المحافظين للأكاديميين الليبراليين الذين يعتبرون كهنة الصواب السياسي، وقيل إنهم رفضوا الإقرار بأي حقيقة أبدية أو بالترتيب الهرمي للمعرفة وتلقين شباب أمريكا نسبية أخلاقية خطيرة. كان ذلك في قلب هجوم المحافظين على المحاكم الاتحادية. فقد أصبح بسط السيطرة على المحاكم بصفة عامة وعلى المحكمة العليا على وجه الخصوص يمثل الحرب المقدسة لجيل من النشطاء المحافظين. إصرارهم هذا لم يكن لأنهم يرون فيها آخر معاقل المؤيدين للإجهاض والمثلية والإجرام وآخر معاقل المناهضة للنخبة الليبرالية المتدينة، فوفقا لهؤلاء النشطاء فإن القضاة الليبراليين قد وضعوا أنفسهم فوق القانون، ويرون أنهم يستندون في آرائهم ليس إلى الدستور بل إلى أهوائهم الخاصة، والنتائج التي يودون الحصول عليها. وقد قام هؤلاء القضاة بإيجاد الحق في الإجهاض وفي ممارسة المثلية التي لم تكن موجودة في النص، وبذلك يكونون قد خربوا العملية الديمقراطية. إن عودة المحاكم إلى دورها السليم يتطلب تعيين «مفسر للنصوص القانونية صارم» في هيئة المحكمة الاتحادية، ونساء ورجالا يفهمون جيدا الفرق بين تفسير وسن القوانين. إن الأمر يتطلب رجالا ونساء من شأنهم أن يلتصقوا بالمعنى الأصلي لكلمات المؤسسين. رجال ونساء من شأنهم أن يتبعوا القواعد. أما أصحاب اليسار فيرون الوضعية بطريقة مختلفة. مع المكاسب التي حققها الجمهوريون المحافظون في كل من الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس، فإن العديد من الليبراليين يرون أن المحاكم هي الشيء الوحيد الذي يقف في طريق المجهود الرجعي لدحر الحقوق المدنية وحقوق المرأة والحريات المدنية وتنظيم البيئة و الفصل بين الدولة والكنيسة. وكما يبدو، فإن المحافظين فقدوا أي معنى للديمقراطية التي يجب أن تكون أكثر من مجرد ما تصر عليه الأغلبية. بعد ظهر يوم ما، سنوات قبل ذلك، عندما كنت عضوا في مجلس شيوخ إلينوي، كنت أحاول القيام بتعديل دستوري يخص إضافة صحة الأم كاستثناء في مشروع القانون الجمهوري القاضي بتحريم إجهاض الولادة الجزئي (إجهاض الجنين في الأشهر الأخيرة من الحمل)، لكن هذا التعديل فشل في جمع الأصوات اللازمة ليتم أخذه بعين الاعتبار. بعد ذلك خرجت إلى مدخل المجلس مع أحد زملائي الجمهوريين. قلت له إنه من دون هذا التعديل الدستوري فإن القانون سيتم اعتباره غير دستوري من قبل كل المحاكم، فالتفت إلي وقال لي إن الأمر لا يهم، سواء كان هناك تعديل أو لم يكن، لأن القضاة سيفعلون ما يريدون فعله. «إنها السياسة»، قال لي وأضاف قبل أن يرحل: «والآن فإننا نملك الأصوات». هل تهم هذه الحروب بين الحزبين؟ بالنسبة إلى العديد منا، فإن الجدل حول إجراءات مجلس الشيوخ، والفصل بين السلط، والترشيحات القضائية وتفسير القواعد الدستورية يبدو في باطنه جميلا، لكنه بعيد عن الاهتمامات اليومية. في الواقع، أظن أن هذه الحروب هي في غاية الأهمية، ليس فقط لأن القواعد الإجرائية لحكومتنا تساعد على تحديد النتائج في كل شيء، من رغبة الحكومة في السيطرة على ملوثي البيئة، إلى رغبة الحكومة في الاستفادة من هاتفك، لكن هذه الحروب تحدد ديمقراطيتنا بالدرجة نفسها التي تقوم بها الانتخابات. إن نظامنا للحكم الذاتي قضية معقدة، لكن من خلال هذا النظام ومن خلال احترام قواعده استطعنا بلورة قيمنا والتزاماتنا المشتركة.