في العاشر من هذا الشهر، تقدم السيد عبد القادر سيفر رفقة زوجته وابنته سهام المعاقة، البالغة من العمر 21 ربيعا، إلى بوابة طائرة بوينغ من نوع 777 AT، التابعة للخطوط الملكية المغربية والقاصدة باريس. أخرج تذاكر السفر لعرضها على طاقم الاستقبال المكلف بتوجيه المسافرين نحو مقاعدهم. لكن عوض المضيفة، تقدم منه ربان الطاقم ليخبره، كما لو كان سائق حافلة تربط الفقيه بن صالح بسبت أولاد النمة، بأن «الطيارة عامرة» وأنه سينقل خلال هذه الرحلة 160 شخصا، وبالتالي يتعذر عليه إركاب فتاة معاقة! وتذرع بأنها قد تقوم بحركات عنيفة من شأنها إزعاج سلامة المسافرين أو قد تعرض الرحلة للخطر! هكذا طارت الطائرة من دون عائلة السيد عبد القادر سيفر التي مكثت أكثر من أربع ساعات بمرأب طائرات في انتظار الرحلة التالية! بعد وصول العائلة إلى مطار أورلي، لم تتمكن من استرداد أمتعتها التي وصل قسم منها متأخرا بعد 48 ساعة، فيما سرقت كاميرا تصوير وأغراض أخرى. مرة أخرى، برافو للخطوط الملكية المغربية ولرئيس الطاقم على هذا الصنيع الذي دفع بالسيد عبد القادر سيفر، وهذا أضعف الإيمان، إلى رفع دعوى قضائية ضد الشركة، خصوصا وأن العائلة اعتادت السفر على متن لارام من دون أن تعترض الشركة أو تبدي تحفظا تجاه ابنته المعاقة التي لا تقدر على الكلام ولا على الحركة، وبالتالي لم تشكل يوما مصدرا للخطر! ليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها تصرفات مشينة من هذا القبيل في حق زبناء لارام، فقد حصل في السابق أن صفعت إحدى المضيفات مسافرة، كما تجد أصحاب الحسنات من المضيفين والمضيفات من يفرغ عليك عنوة كوب قهوة... وزيد وزيد! قد تجد هذه التصرفات وغيرها تفسيرها في المناخ العام السائد في الشركة وفي غياب أية مراقبة أو نقد ذاتي لسلوكات الطيش والإهانة التي أصبحت ماركة مسجلة للشركة، وإلا بماذا يمكن تفسير الأثمنة الفاحشة لتذاكر السفر، والتأخر الحاصل في المواعيد إلى درجة إلغاء بعض الرحلات، وغياب خدمات لائقة.. إن الخطوط الملكية المغربية لا زالت تحكمها عقلية إقطاعية نجحت أيام الحسن الثاني في تحويل المسافرين، وبخاصة العمال المهاجرين، إلى قطيع وديع. تغيرت اليوم أجيال المسافرين الذين سافروا إلى بلدان أخرى، حيث أمكنتهم معاينة وتجريب سلوكات ومعاملات أخرى.. تلك بعض الأسباب التي دفعت بالمسافرين إلى التوجه نحو شركات اللو-كوست ذات الأثمنة المنخفضة والتي توفر حدا أدنى من اللياقة في الاستقبال وفي احترام المواعيد، فقد استفادت شركات (مثل راينار، إيزي تجيت، إيبيريا، اللوفتانزا، آير فرانس) من هذا الوضع السلبي. وقد أبانت لارام في الأعوام الأخيرة، وبالأخص خلال عطل الصيف، عن انحدارها واندحارها على مستويات التسيير والعناية والأداء. وعوض أن تقدم الدولة حلولا راديكالية تعطي الشركةَ أجنحةً جديدة لوضعها في سرعة الإبحار (كما تقول العبارة المكرسة) لمنافسة شركات اللوكوست والتصالح مع المسافرين واستقطاب زبناء جدد، عوض تعيين مدراء ومسيرين جدد، فضلت إدخالها إلى غرفة العناية الفائقة، بضخ 1.6 مليار درهم من ميزانية الدولة في رأسمال الشركة لإنقاذها من الإفلاس، جراء «الوضع المالي المتدهور». ولتبرير هذا التدهور، احتمت الحكومة وراء ما أسمته «تعاقب العديد من الأحداث الظرفية السلبية وعدم قدرة الشركة الوطنية على خفض تكاليفها لمواجهة المنافسة الدولية (...)، إلى درجة أصبحت تستلزم تبني مخطط إرادوي لهيكلتها جذريا». كيف ذلك؟ ب«تحسين إيفائيتها المالية وتطوير قدرتها على الاستثمار وتطوير جودة الخدمات وعقلنة وتعزيز آليات الحكامة الجديدة بالشركة». لقد رهنت الحكومة الحالية، إنقاذا للشركة وربما لرأس رئيسها بنهيمة، مصير خزينة الدولة إلى غاية 2016 بمصير شركة هي اليوم في مهب الرياح، إن لم نقل في عين الإعصار؛ فقد بلغت خسائر الشركة هذا العام حوالي 80 مليون درهم شهريا. ولا نعتقد أن حلولا من قبيل بيع حصص من لارام لشركتي طيران الإمارات أو إير-فرانس/ ك-ل-م، وبيع بعض من طائراتها من نوعي آيرباص وبوينغ التي ستدر عليها عائدات بمبلغ مليار درهم، هي من الحلول التي ستقوي من ريش أجنحة لارام. أيام الاستعمار، كان المغاربة «تايقلزو» للطائرات الفرنسية. إلى عهد قريب، كان هبوط طائرات لارام على أرضية مطارات المغرب، ترافقه التصفيقات والزغاريد، كعرفان من المسافرين لربان الطائرة وللطاقم المضيف وللشركة. أما اليوم، فلا غرابة أن ترد على ألسنة بعض المسافرين دعوات من قبيل: «الله يطيرهم».