نحن الآن في ضواحي السمارة، على بعد خطوات من الحزام الأمني الفاصل بين المغرب والبوليساريو. هنا، يسكن الموت تحت الحجارة الصمّاء. هذه البقعة من المغرب هي من أخطر ما يوجد فوق سطح الأرض، حسب المرصد الدولي للألغام... وأنت تسير هنا ، يجب أن تفكر جيدا قبل أن تخطو خطوتك الثانية. ألغام «مختبئة» تحت الرمال الساكنة وقنابل عنقدوية متربّصة بين الأحراش. «المساء» اخترقت حقول الألغام في الجنوب وتجولت بين القنابل والذخائر الحية وبقايا الأسلحة والصواريخ، والتقت ضحايا حرب ما زالت مشتعلة حتى اليوم. يوم الاثنين، 11 أبريل الماضي، حل ممثل المغرب الدائم لدى الأممالمتحدة في جنيف، رفقة وفد رسمي، في العاصمة اللبنانية بيروت لحضور أشغال المؤتمر الدولي الثاني للدول الأطراف في اتفاقية القنابل العنقودية. بدا اهتمام بالغ على أعضاء الوفد المغربي المشارك وهم يستمعون إلى رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشيل سليمان، ويناقشون، تحت قبة قصر «يونسكو»، موضوع قنابل تُخلّف قتلى وضحايا وأشلاء وأرامل وأيتاما في المغرب منذ النصف الثاني من القرن الماضي. يوم الأربعاء، 20 أبريل الماضي، كان يوما قائظا خرج فيه اغضن محمد العبدي الرامي ورفيقه الخليفة علي خر في رحلة معتادة، يتجولان على متن سيارة دفع رباعي في منطقة «روس أخريبيشات»، شمال السمارة، بحثا عن مراعٍ جديدة لمواشيهما، بعدما أنهكت الرمال الزاحفة أغلب المراعي في المنطقة. فجأة، انفجرت سيارتهما ال«لاند روفير». تحطّمت السيارة كليا. «تطاير» جسدا راكبَيْها، قبل يسقطا أرضا، وقد أصيبا بجروح مختلفة الخطورة وبكسور في أنحاء من جسديهما. حلّت سيارات الجيش على عجل. نُقِل الضحيتان إلى المستشفى، بعد أن تم التأكد من أنهما مرا فوق لغم ظل رابضا بهذا الخلاء ينتظر، من سيخطو فوقه ذات يوم. الثامنة والنصف من صباح يوم الخميس، ثاني شتنبر 2010. سيارة دفع رباعي تنفجر بقوة في منطقة «نكب لعكال»، قرب «البيرات» في الصحراء المغربية. أودى الانفجار بحياة الطفل سعيد، البالغ من العمر 14 سنة، بينما أصيب والده ديدا سويلم لعروصي وشخص آخَرُ كان يرافقهما بجروح خطيرة في الوجه واليدين. كان الثلاثة، هم أيضا، يتفقّدون قطيعا من الإبل قبل أن ينفجر لغم مرت فوقه سيارتهم. «تُرِكوا» هناك ثمان ساعات، حتى حلت سيارة إسعاف وأقلّتْهم إلى مستشفى مدينة آسا. كما تعرّض ثلاثة آخرون لحادث مشابه قبل يومين من حادث «نكب لعكال»، أي يوم الثلاثاء، 31 غشت 2010، في ضواحي مدينة الداخلة. وتوفي طفل آخر، يدعى المحفوظ يحيى أحمد فال بليلة، ذو الأربعة عشر ربيعا ، بينما أصيب والده وعمه بجروح وكسور. ألِفت هذه العائلة الصحراوية انفجارات الألغام، المنتشرة في المكان، فقد سبق لعم الطفل المحفوظ أن توفي، قبل ثلاث سنوات من الحادث، أي في سنة 2007، بعدما انفجر في وجهه لغم أرداه قتيلا على الفور. والأغرب من ذلك هو أن أحد أعمام الطفل أصيب في الحادثتين معا، بحكم أنه كان يرافق شقيقيه في رحلتيهما المميتتين هاتين. بدأت قائمة الهلكى باحتلال إسبانيا للمغرب و«حرب الرمال» سنة 1963، ثم في معارك المغرب مع البوليساريو طيلة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. كرونولوجيا الأحداث المتلاحقة مستمرة. لم تتوقف المعارك، ولم تغلق قائمة ضحاياها، عشرة، مائة، مائتان... الآن في المغرب أزيد من ألفين و187 ضحية، بينهم 544 قتيلا، وآخرون كُتِب عليهم مواصلة حياتهم بأعين مفقوءة وأيد وأرجل وأطراف مبتورة. «المساء» زارت أراضي الموت هذه في عمق الصحراء المغربية، رفقة مجموعة من ضحايا حرب الألغام.