لا تريد إسرائيل أو العالم الغربي حلا للقضية الفلسطينية، وما يريده هؤلاء هو فقط بيع الأوهام للفلسطينيين والأمة العربية بأن هناك حلا يمكن التفاوض حوله، لكن عبر سنوات طويلة من التفاوض لم يتبلور هذا الحل، أما الآن وبعد ربيع الثورات العربية فقد بدأ القلق يساور إسرائيل، ولاسيما بعد ارتفاع أصوات عربية كثيرة تقول إن ما حدث في الشارع العربي يمكن أن يحدث في إسرائيل أيضا إذا قرر الفلسطينيون ومن خلفهم الشباب العربي الزحف من أجل تحرير بلادهم، وذلك ما حفز السلطة الفلسطينية على أن تعلن أنها تنوي التوجه إلى الأممالمتحدة من أجل الحصول على موافقتها بإنشاء دولة فلسطينية تجعل القضية الفلسطينية تبدو وكأنها قضية دولة تعتدي على حقوق دولة أخرى عضو في الأممالمتحدة. وبسبب هذا التطور، قدم النائب الأمريكي جو ولش مشروع قرار إلى الكونغرس يدعم حق إسرائيل في ضم الضفة الغربية في حال ما إذا قررت السلطة الفلسطينية التوجه إلى الأممالمتحدة للحصول على موافقتها على إقامة هذه الدولة الفلسطينية. ووصف ولش التحرك الفلسطيني بكونه صفعة على الوجه، داعيا الرئيس أوباما إلى اتخاذ موقف قوي يمنع استمرار هذا التحرك الفلسطيني، ولكن ولش شكك في قدرة الرئيس على فعل ذلك، وهو ما حفزه على التوجه مباشرة إلى الكونغرس. ولم يقتصر الأمر على النائب ولش، إذ قال عضو الكونغرس جون بويهنر، لدى مخاطبته تجمعا يهوديا، إن من واجب الولاياتالمتحدة أن تدعم إسرائيل وألا تقف موقفا محايدا، متجاهلا حقيقة إسرائيل ذاتها ليقول إن ما تسعى إليه هذه الدولة هو فقط السلام، من دون أن يوضح كيف تسعى إسرائيل إلى هذا السلام، مادحا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله إنه يتفهم أن السلام يحتاج إلى تنازلات، وذلك ما يسعى إليه. أما صحيفة «الغارديان» البريطانية فتقول إن التحرك الفلسطيني تجاه الأممالمتحدة يرسل أصداء من قرار التقسيم الذي اتخذته الأممالمتحدة عام 1947، وهو القرار الذي تقول الصحيفة إن بريطانيا كانت خلفه، غير أن العرب لم يقبلوه في ذلك الوقت، ولا تستبعد الصحيفة حدوث مفاجآت في الأممالمتحدة بشأن هذا التوجه، كما تشير في الوقت ذاته إلى موقف مجموعة الأزمات الدولية التي ترى أن التوجه يحمل غير قليل من إساءة التقدير والإدارة، والمعرفة بما يمكن تحقيقه وما لا يمكن تحقيقه، وتقول الصحيفة إن إسرائيل تحاول أن تجعل من الأمر كله مشهدا دراميا، بينما تؤكد أن الإدارة الأمريكية تشعر بالضيق من الجانبين، كما تشعر بأن الدعوة إلى استئناف المفاوضات في ظل الظروف السائدة هي دعوة لا تحقق نتيجة. وترى صحيفة «الغارديان» أن مؤيدي الرئيس عباس لا يخشون من سقوط الفكرة في الأممالمتحدة، لأن ذلك سيفتح أمامهم المجال كي يتوجهوا إلى محكمة الجنايات الدولية، خاصة في الأمور التي تتعلق ببناء المستوطنات وما يتبعها من إجراءات تعسفية، وتذهب «الغارديان» إلى القول بأن الحل يبدو مستحيلا مع وجود حكومة الليكود التي ترفض أساسا قيام دولة فلسطينية على حدود عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين إلى جانب بعض المواقف الفلسطينية الداخلية المعارضة لهذا التوجه. ومن جانبها، ترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن هذا التحرك الفلسطيني سوف يضع إسرائيل في موضع حساس لأن العالم سينظر إليها بعد الاعتراف على أنها دولة تعتدي على حقوق دولة أخرى عضو في الأممالمتحدة، كما أسلفنا سابقا. وترى الصحيفة أن الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز وضع في ذهنه خلال زيارته للبيت الأبيض أن يطلب من الرئيس أوباما أن يوجد مخرجا لهذا الوضع الذي تواجهه إسرائيل في الوقت الحاضر، والذي قد تدعو فيه إلى مؤتمر عالمي لدراسته، ولكن الصحيفة ترى أن القادة الفلسطينيين يرون أن سائر التحركات الفلسطينية غير مجدية ما لم توقف إسرائيل بناء المستوطنات قبل التفكير في أي مباحثات جديدة مع الفلسطينيين، وقد أكد نبيل شعث أن استراتيجية الفلسطينيين في هذه المرحلة هي أن يجعلوا إسرائيل تشعر بمزيد من العزلة الدولية، ويبدو أن إسرائيل تضع هذا الأمر في اعتبارها مع تغير الوضع السياسي في المنطقة العربية وظهور مشكلات بين مصر وإسرائيل، من جهة، وتركيا وإسرائيل، من جهة أخرى، وقد جعل ذلك إسرائيل تفكر في أنها لا يمكن أن تتجاهل كل هذا الحراك الذي يحيط بها. ولا يبدو أن الحيطة التي بدأت تظهر على القادة الإسرائيليين غائبة عن بعض القادة في المجتمع الدولي، إذ صرح وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ بأن الدرس المستخلص من الربيع العربي هو أن الحقوق المشروعة لا يمكن تجاهلها. ويذهب الكثير من القادة إلى أنه في ظل توقف المباحثات الإسرائيلية الفلسطينية فإن الضغط الخارجي أصبح ضروريا من أجل التقدم بالقضية الفلسطينية، وقد أكد الرئيس الأمريكي أوباما ذلك، خاصة أنه يرى أن أي اتفاق على الحدود بين الدولتين يجب أن يكون عن طريق الاتفاق. ويبدو أن المواقف الألمانية والبريطانية والفرنسية، حسب الصحيفة، تنطلق كلها من أن الأساس في أي اتفاق هو حدود عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، وذلك بالطبع ما ترفضه إسرائيل في هذه المرحلة، كما أن الولاياتالمتحدة لا تقدم دعما قويا لهذا التوجه لأنها مازالت تقف داعمة المواقف الإسرائيلية. وترى صحيفة «نيويورك تايمز» أنه على الرغم من المشكلات التي يسببها عدم رغبة كثير من الإسرائيليين في التخلي عن المستوطنات التي أقاموها، فإن هناك صعوبة في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين بسبب الخلاف القائم بين سلطة الضفة الغربية وسلطة حماس في قطاع غزة، على الرغم من جهود المصالحة القائمة في الوقت الحاضر. وهنا لا بد أن نتوقف عند مواقف حماس، حسب ما تراه صحيفة «نيويورك تايمز»، التي قالت إن سلطة حماس تراقب الموقف بقلق لأن تحرك السلطة في الضفة الغربية لم يتم باتفاق معها، محذرة من أي اعتراف بإسرائيل أو التنازل عن حق العودة، ولكن على الرغم من ذلك فقد قال إسماعيل هنية، رئيس وزراء حماس في غزة، إنه لن يعترض على إقامة دولة فلسطينية في أي جزء من أراضي فلسطين ولن يقف في طريق الرئيس محمود عباس، ولكنه في الوقت ذاته لن يؤيد فكرة الاعتراف بإسرائيل أو التنازل عن حق العودة، وقد أصدر فرع حماس في العاصمة السورية دمشق بيانا قال فيه إنه يعارض التحرك نحو الأممالمتحدة لأنه لم يستشر في هذه الخطوة التي تقوم بها السلطة الفلسطينية، وأكد البيان أن تحرك السلطة هو استمرار في سياسة الحوار والتنازلات التي تتبعها السلطة، مؤكدا أن المقاومة إلى جانب العمل السياسي هما الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف الفلسطينية في هذه المرحلة. وقالت حماس فرع دمشق بقيادة خالد مشعل إنها تؤيد قيام دولة فلسطينية على حدود ما قبل عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين وعاصمتها القدسالشرقية مع شرط أن يعود كل اللاجئين إلى منازلهم، وعدم الاعتراف بدولة إسرائيل. ولا يبدو، في ضوء هذه التحركات جميعها، أن إسرائيل تتوقع نجاحا للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، ولكنها ترى أن الذهاب إلى الجمعية العامة قد يرفع مستوى التمثيل الفلسطيني في الأممالمتحدة إلى مستوى دولة مراقبة غير عضو في المنظمة الدولية. وعلى الرغم من كل هذا الحراك في المجتمع الدولي، فإن معظم الدول العربية وجامعتها تحتفظ بوجه خجول غير قادر على أن يقف بقوة خلف مطلب عربي مهم، في قضية مضى عليها أكثر من ستة عقود، ومع ذلك لم تستطع الأمة العربية أن تحسم موقفها فيها بدرجة تحقق المصالح الفلسطينية. يوسف نور عوض