«إذا ما قيل بضرورة التمسك بالعقلانية والواقعية من قبل الطبقات الحاكمة، نكتشف من دون الكثير من العناء أن المقصود من هذه الدعوة هو الاستسلام والخضوع والمساومة، لا العمل على استنباط الحلول وتغيير الواقع»، الدكتور السوري حليم بركات في كتابه «الاغتراب في الثقافة العربية»، ط 1 شتنبر 2006، ص 30. تتناقل وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، يوميا، الملاحم البطولية للشعب السوري الأعزل الذي يخوض معركة الديمقراطية والتحرر من الاستبداد العائلي والطائفي الأسدي، نضالات يدفع فيها الشعب السوري يوميا عشرات الشهداء ومئات الجرحى، إلا أن موقف المجتمع الدولي إلى حد الآن لا يواكب طموحات الشعب السوري ولا تضحياته الجسام، إذ ما تزال الآلة القمعية النظامية السورية تغتال المواطنين والمناضلين رغم سلمية تحركاتهم ورغم شرعية ومشروعية مطالبهم؛ فإلى حد كتابة هذا المقال، يعد قتلى الشعب السوري بالآلاف، وجرحاه يقدرون كذلك بالآلاف، ناهيك عن أعداد المعتقلين والمختطفين الذين تجهل منظمات حقوق الإنسان الدولية والسورية أماكن وجودهم، ولا شك أن ظروف اعتقالهم سيئة للغاية كما تبين ذلك تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية التي طالبت المجتمع الدولي، منذ البداية، بضرورة إيفاد مراقبين دوليين لزيارة السجون والمعتقلات السورية؛ لكن النظام القمعي السوري لم يستجب، بطبيعة الحال، لهذا المطلب وواصل حملته الإجرامية ضد المناضلين السوريين واغتيال كوادرهم من أجل إخماد الروح النضالية الثورية المتقدة في نفوس كل الشرفاء الرافضين للظلم والاستبداد والعنجهية، فكلنا يتذكر طريقة اغتيال الشهيد السوري الكبير، شهيد حقوق الإنسان، معن العودات، شقيق المناضل الحقوقي الكبير هيثم مناع، يوم 8 غشت 2011، وهو رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان وصاحب مواقف وكتابات متميزة عن حقوق الإنسان، حيث كان معن العودات صوت الاعتدال والنضج ومثال المناضل الملتزم بقضايا شعبه، لكن إرادة القتل والقمع كان لها رأي آخر تلخص في التصعيد فالتصعيد ومزيد من القمع والتقتيل، ظنا من النظام الجبان أن الشعب السوري سيخاف ويتراجع عن المطالبة بحقوقه، لكن ظنهم خاب، فواصل شعب سوريا نضالاته وتضحياته، واستمر بالمقابل اغتيال عدد كبير من الكوادر الثورية التي بصمت الثقافة والسياسة السوريتين لمدة كبيرة، وعاث النظام السوري في أرض سوريا تدميرا وتقتيلا في ظل صمت رهيب من المجتمع الدولي الذي ربما ينتظر أن يحصد النظام السوري جميع أفراد الشعب السوري، لذلك فالتدخل الدولي العاجل لحماية المدنيين مسؤولية سياسية وأخلاقية مستعجلة من شأنها إيقاف المجازر اليومية التي ترتكب في حق المتظاهرين السلميين، ومن شأنها كذلك إعطاء ضوء أخضر للمنظمات الإنسانية الدولية للتدخل الإنساني وتقديم العون إلى المحتاجين والجرحى والأرامل، وهذه كلها قضايا تتطلب الإسراع الدولي باتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه. إننا، كشعوب مستضعفة، مطالبون اليوم بالاستفادة من النضال السوري ودروسه في التضحية والعزم بنفس حاجتنا إلى استخلاص درس مهم، وهو حاجتنا إلى الدعم الخارجي الأوربي، والأمريكي على وجه الخصوص، لتشجيع المسار الديمقراطي في بلداننا. يتبع... انغير بوبكر - باحث في قضايا التنمية والديمقراطية