مازالت التحولات التي يعرفها العالم العربي تستأثر باهتمام المنتظم الدولي؛ فبعد ليبيا واليمن، تشكل سوريا محط جدل وترقب بشأن السياسة الواجب اتباعها تجاه نظام يطلق النار على مواطنيه ويهاجم اللاجئين السوريين على الحدود التركية. إن سوريا نموذج للدول المحاذية للولايات المتحدة وإسرائيل وتعتبر نفسها جبهة للممانعة ضد سياسات الدول الكبرى، وقد سبق أن صنفت ضمن الدول الراعية للإرهاب، ووجهت إليها أصابع الاتهام في مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري سنة 2004 بسبب معارضته لتدخلها في لبنان. لكنني أجدد تساؤلي الذي أثرته في المقال السابق حول صعوبات ومأزق المجموعة الدولية في التعامل مع سوريا ومحيطها الإقليمي، خاصة تركيا وإيران وإسرائيل. لقد كرس خطاب بشار الأسد الأخير عزلة النظام السوري وعمق الهوة بينه وبين أعدائه وحلفائه، إذ أكد المضي في سياسة الأرض المحروقة، فأي مستقبل للأزمة السورية؟ أظن أن الوضع الإقليمي لسوريا سيجعلها تفاوض المجتمع الدولي من موقع قوة نظرا إلى امتلاكها عدة أوراق للضغط: - تأثيرها المباشر على الوضع السياسي في لبنان عن طريق حلفائها في المعارضة اللبنانية («حزب الله» وحزب العماد ميشيل عون)، بما يمكنها من عرقلة الحياة السياسية الهشة في لبنان؛ - تأثيرها المباشر على الوضع الفلسطيني، إذ تؤوي مختلف الفصائل الفلسطينية، بدءا من حركة «حماس» والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرهما من الفصائل المسلحة، رغم اتفاق المصالحة بين «فتح» و«حماس»، بما يمكنها من الحفاظ على موطئ قدم في عملية التسوية الإسرائيلية-الفلسطينية؛ - تحالف سوريا مع إيران يمنحها قوة أكبر في التفاوض مع الغرب ويوفر لها عمقا استراتيجيا في حال ما إذا تخلت عنها تركيا؛ - الحدود السورية-الإسرائيلية، وخاصة هضبة الجولان، تشكل عامل ضغط لصالح سوريا بتحريكها لنزاع إقليمي مع إسرائيل، وقد سجلت مناوشات بين الجيش الإسرئيلي ومحتجين سوريين هذه السنة في ذكرى النكبة التي تؤرخ لطرد إسرائيل للفلسطينيين من أراضيهم عام 1948؛ - ضعف المعارضة السورية في الخارج وعدم اتفاقها يجعل الخيارات مفتوحة بالنسبة إلى النظام السوري. وكلها عوامل قد تنذر بأزمة طويلة الأمد مع النظام السوري الذي لم يبد أي قلق أو تخوف من التحذيرات والعقوبات الموجهة ضده من قبل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي. إن انقسام الجيش السوري واستمرار المظاهرات والاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد هما العاملان المحددان لمدى قدرة النظام السوري على الانصياع للنداءات الدولية وتجاوبه معها. لكن من المؤكد أن سوريا تسير نحو المجهول، على الأقل على الصعيد الداخلي، إذا ما طرحنا جانبا قدرتها على تحدي المجتمع الدولي لمدة طويلة؛ ولعل الإجراءات التي ستتخذها مستقبلا هي الكفيلة بتحديد مصير النظام السياسي السوري. هذا، وتثير التحولات في العالم العربي مسألة تعقد الأزمات وانعدام أي أفق سياسي واضح داخل هذه الدول، فقد شهدت تونس فرار الرئيس زين العابدين بن علي، وتنحى حسني مبارك سلميا بعد ضغوط داخلية وخارجية، والقذافي اختفى بعد أن رجحت كفة الثوار وإن كانت المواجهات بينهم وبين من تبقوا من مؤيدي النظام الليبي المتهاوي لازالت مستمرة، لكن الأزمة في اليمن تراوح مكانها بل وتتجه نحو مزيد من العنف والتوتر، في حين قد تشكل سوريا مفاجأة للجميع. إن الثورات التي يشهدها العالم العربي، أو ما اصطلح عليه ب«الربيع العربي»، تشكل محكا حقيقيا للقوى الكبرى التي تبدو سياساتها مرتبكة وغير متناسقة في تعاملها مع هذه الأزمات الإقليمية، كما تبرز صعوبة الانتقال الديمقراطي في العالم العربي، باستثناء دول أخرى كالمغرب الذي نهج نهجا توافقيا يؤسس لمرحلة جديدة وواعدة في مسار النظام السياسي المغربي. عادل متيق - باحث وعضو المعهد المغربي للعلاقات الدولية