طفح الكيل بالمهنيين المغاربة، فتداعوا إلى ندوة صحفية بالدار البيضاء كي يدقوا ناقوس الخطر و يعبروا عن قلقهم من مآل اتفاق الفلاحة مع الاتحاد الأوروبي، فهم متأكدون أن ثمة أيادي تكن العداء للمغرب في أوروبا تحول دون مصادقة البرلمان الأوربي على الاتفاق الذي مكث أكثر من سنة في دهاليز المؤسسة التشريعية الأوروبية، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس المفوضية الأوروبية نفسه، مانويل باروزو، الذي أكد، حسب ما نقله يونس زريكم، رئيس الجمعية المغربية للمصدرين، أن مسلسل التصويت تأخر كثيرا.
إرجاء و تخوف
على غير عادتهم تخلوا عن تحفظهم و أعلنوا، أول أمس الاثنين، عن غضبهم من تعثر المصادقة على اتفاق الفلاحة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة أنهم علموا أن البرلمان الأوروبي قرر إرجاء قول كلمته في الاتفاق إلى غاية يناير القادم، بعدما كان مقررا أن يتم ذلك في أكتوبر القادم.. تأخير يعتبر المهنيون المغاربة أنه سوف يفوت عليهم سنة أخرى قبل الاستفادة من الامتيازات التي يوفرها لهم الاتفاق، على اعتبار أنه إذا تمت المصادقة على الاتفاق في يناير، يتوجب انتظار ثلاثة أشهر أخرى قبل أن يدخل حيز التنفيذ، حيث يكون موسم التصدير قد شارف على الانتهاء بالنسبة للمنتوجات المغربية إلى الاتحاد الأوروبي، علما أن الاتفاق الجديد، الذي يعدل اتفاق 2003 ،شرع في التفاوض حوله في 2006، ولم يتم التوصل إليه سوى في 2009، قبل أن يأخذ التوقيع عليه سنة كاملة بسبب ما اعتبروه إجراءات بيروقراطية لدى اللجنة الأوروبية.
عراقيل
غير أن دسائس لوبيات وأوساط سياسية، خاصة في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا،عملت، منذ مصادقة الحكومات الأوروبية على الاتفاق الفلاحي. على عدم إجازته من قبل البرلمان الأوروبي. المهنيون المغاربة يعتبرون أن تلك اللوبيات تتخوف من المنافسة التي تشكلها الصادرات المغربية، وتسعى بكل ما أوتيت من مبررات إلى وضع العراقيل أمام المصادقة عليه، علما أن البلدان الأوروبية التي صادقت على الاتفاق أكدت أنه متوازن ويمنح فرصا مهمة بالنسبة لصادرات المنتوجات الفلاحية والغذائية الأوروبية في اتجاه المغرب، فالمهنيون المغاربة يعبرون عن رفضهم للمبررات التي تحول دون المصادقة على اتفاق الفلاحة، تلك المبررات التي تتهم المغرب بالمس باستقرار الأسواق الأوروبية و عدم احترام المعايير الجاري بها العمل في مجال السلامة و العمل على تجاوز الحصص المخصصة للمصدرين المغاربة.
بلاغة الأرقام
المهنيون المغاربة الذين يمثلون هيئات مثل «كومادير» و«أبفيل» و«أسبام» و«أسمايكس» ...تصدوا للرد على الاتهامات التي تروج لها بعض الأوساط في البرلمان الأوروبي، حيث أكدوا أن صادرات الخضر و الفواكه المغربية لا تمثل سوى أقل من 0.05 في المائة حجم المبادلات المتبادلة في أوروبا، وهم يشددون أن الأمر لا يتعلق باتفاق جديد، بل يتعلق الأمر باتفاق سابق معدل، ثم إنهم يشددون على أن المنتوجات المغربية تتوفر على شروط السلامة الصحية أكثر من بعض المنتوجات التي توفرها بعض البلدان الأوروبية، فتلك المنتوجات تخضع في المغرب لمراقبة المكتب الوطني للسلامة الصحية والغذائية ومصالح المراقبة الأوروبية، وهم يدللون على سلامة المنتوجات المغربية بأرقام تشير إلى أن معدل التجاوزات التي وقفت عليها تلك المصالح الأوربية في سنة 2009، وصل في المتوسط إلى 4 في المائة، بينما لا يتعدى بالنسبة للصادرات المغربية 0.2 في المائة.
خلفيات
لكن ما الذي يقلق المهنيين المغاربة، هم ينبهون إلى أن مقررين في البرلمان الأوروبي، عبروا عن مواقف تشي بنواياهم الرافضة لاتفاق التبادل الحر، فالفرنسي جوزي بوفي، مقرر لجنة التجارية الدولية و الإيطالي لورينزو فونتانا ، مقرر اللجنة الفلاحية ، مدعومين بنائب إسباني، رغم تباين خلفياتهم السياسية، يسعون إلى الحيلولة دون تصويت البرلمان الأوروبي بالإيجاب على اتفاق الفلاحة، إذ يفترض أن تبت المؤسسة التشريعية الأوروبية على أساس التقرير الذي سترفعه لجنة التجارة الدولية، و يؤكد المهنيون المغاربة أن موقف ذلك الثلاثي تمليه الرغبة في الحفاظ على مصالح لوبيات ترى أن الصادرات المغربية تتوفر على تنافسية كبيرة، خاصة على مستوى الجودة، و هي لا تزاحم المنتوجات الأوروبية على اعتبار أن الخضر و الفواكه المغربية تدخل بحصص محددة و في فترات زمنية محددة و بأسعار مراقبة، غير أن ما يحرك المناوئين للمغرب في البرلمان الأوروبي، حسب المهنيين، لا يتمثل في الخوف من المنافسة فقط، بل يمليه نوع من الموقف السياسي المناويء للمغرب، خاصة فيما يتصل بملف الصحراء.
أوراق مغربية
المهنيون المغاربة سعوا إلى دق ناقوس الخطر، فهم لا يريدون الاستسلام لنوع من التفاؤل الأعمى، كما شدد على ذلك، محمد أوعياش، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، غير أنهم لا يكتفون بالاحتجاج على وضع يضر مصالحهم، بل يعتبرون أنه لدى المغرب أوراق يمكن أن يستعملها في حال اتخذ التصويت على اتفاق الفلاحة منحى غير ذلك الذي يتطلعون إليه، فهم يؤكدون أنه يمكن وقف المفاوضات الخاصة باتفاق تحرير الخدمات مع الاتحاد الأوروبي والتوجه نحو عدم تجديد اتفاق الصيد البحري الذي ينتهي العمل به في فبراير القادم.. غير أن رد الفعل المغربي قد لا يقتصر على ذلك، بل يمكن أن يمتد إلى الواردات المغربية من الاتحاد الأوروبي، الذي يميل الميزان التجاري بين البلدين لفائدته ،علما أن الاتحاد الأوروبي يمثل أول شريك عالمي للمغرب، في نفس الوقت لا يستبعد المهنيون المغاربة النزول إلى الشارع من أجل الاحتجاج على موقف اللوبيات الأوروبية.
على باب الحكومة
تلك خيارات لا يستبعدها المهنيون، لكنهم يترقبون ما ستأتي به الأيام القادمة من مساع تبذل من قبل السلطات العمومية المغربية لدى الأوروبيين، فهم يعتبرون أن الملف لم يعد يخص وزارة الفلاحة والصيد البحري وحدها، بل يستدعي أن تنكب عليه الوزارات المعنية، ثم إنهم يستغربون غياب « الديبلوماسية البرلمانية» ، حيث كان يفترض أن يثير البرلمانيون المغاربة هذا الملف مع نظرائهم الأوروبيين، لكن ما مفعول تدخل البرلمان والحكومة في ظل انشغالهما في الوقت الحالي بالاستحقاقات الانتخابية؟ المهنيون المغاربة يتخوفون من أن يستمر الأوروبيون في التلكؤ مستغلين تلك الاستحقاقات والانخراط في تشكيل الحكومة الجديدة، التي قد يستغرق انكبابها على الإحاطة بملف الاتفاق الفلاحي بعض الوقت.