إن مساندة الغرب للمجلس الوطني الانتقالي الليبي واحتضانه للمعارضة الليبية سنوات طويلة يستوجب من الشعب الليبي، أخلاقيا وسياسيا، أن يرد إليه الجميل، عبر إعطائه الأولوية في الصفقات الاقتصادية وإعادة الإعمار التي كان النظام السابق يخص بها الصين وروسيا وفنزويلا، وهي من الدول الأكثر معاداة اليوم لتحرر الشعوب؛ وكلنا يعرف موقفها اليومي من الجرائم التي يرتكبها النظام الرسمي العربي ضد شعوبه، حيث تبقى دائما العقبة الكبيرة في مجلس الأمن لاستصدار قرارات تحمي الشعوب من التقتيل والقمع والتنكيل؛ أما في ما يتعلق بالدول العربية فلا يمكن إلا أن تشكر دولة قطر وإعلامها المتميز، بقيادة قناة «الجزيرة»، ودولة الإمارات على مواقفها التاريخية في محاربة نظام الطاغية معمر القذافي منذ البداية وساندت الثورة الليبية بالمال والسلاح والدعم الإعلامي والدبلوماسي، فالشعب الليبي مدين لهم جميعا بذلك لا شك، ونفس الشيء ينطبق على المغرب الذي احتضن بعض فصائل المعارضة الليبية وساهم، في الخفاء، في دعم نضال الشعب الليبي، ورغم أن الاعتراف الدبلوماسي المغربي بالمجلس الانتقالي جاء متأخرا فإن الشعب المغربي يستحق من الأشقاء الليبيين رد الجميل، وذلك أولا بقطع أية علاقة بجبهة البوليساريو والعمل الجدي من أجل بناء اتحاد مغاربي حقيقي فاعل ومندمج اقتصاديا وسياسيا وماليا، ولن يكون ذلك بطبيعة الحال إلا بتغيير النظام الجزائري لمنهجيته السياسية المتبعة حاليا والتي تتسم بمعاداته لحقوق المغرب في سيادته الترابية، فلا عجب إذن من أن نجد النظام الجزائري يعادي الثورة الليبية ويشترط على المجلس الوطني الانتقالي محاربة «القاعدة» كشرط لاعترافه به، والحقيقة أن النظام الجزائري ساهم، بمرتزقة وسلاح وعتاد، في مساندة القذافي خوفا من انتقال الوهج الثوري إلى الجزائر، ولكن الشعب الجزائري لا شك أنه مدرك جيدا أن نظامه السياسي الحالي لا يمكن أن يستمر بهذا المنطق السياسي البائد المبني على افتعال الأزمات الخارجية مع الجيران، أولا، ومع مجموعة من الدول الأخرى، إذ قريبا سيعلن الشعب الجزائري عن ثورته هو كذلك ضد الاستبداد والعسكرتارية المسيطرة على مقدرات الشعب الجزائري. كل هذه الثورات المستمرة والناجحة تعطينا جميعا أملا كبيرا في انتصار الثورة السورية وانتهاء عهد بشار الأسد الذي قتل من السوريين ما لم تقتله إسرائيل في حربها في غزة، والشعب السوري قادر، بمثقفيه الكبار ومناضليه الشرفاء في الداخل والخارج، على الانتصار على النظام السوري الدموي الذي اتخذ من قضية فلسطين ومن القومية العربية مبررا لذبح الشعب السوري وانتهاك المحرمات والمقدسات في أحداث تعيدنا إلى تاريخ التتار والمغول وجرائمهم ضد بغداد والمنطقة، لكن لا بد، في رأيي المتواضع، من أن يستعين المناضلون السوريون بالمنظمات الدولية وبمجلس الأمن والمجتمع الدولي لمحاصرة نظام بشار الأسد، لأن التعويل فقط على الداخل ومع شراسة النظام ومداهمته المستمرة للأحياء السكنية قد يجعل فاتورة الحرية ثقيلة جدا، فمن الذي يمنع المناضلين السوريين من المطالبة بحماية دولية؟ فالنظام السوري يستعين بالخارج، وخاصة إيران، كما يستعين بحزب الله وقد يستعين سرا بإسرائيل، فنظام بشار الأسد بالمناسبة أحسن بالنسبة إلى إسرائيل من أي نظام ديمقراطي جديد محتمل في سوريا، إذ ينوب عنها بل ويحمل عنها التكاليف في قتل الشعب السوري وفي تحجيم قوى المقاومة الفلسطينية، وجانبه مأمون، إذ لم يسبق له أن أطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، فلماذا لا تقبل إسرائيل وتدافع عنه في السر وكل هذه المواصفات متوفرة فيه. إن انتصار الشعبين السوري واليمني رهين بكسب معركة الداخل، أي إقناع الشعوب بالانخراط فيها، ولكنه مرهون أكثر بكسب الرأي العام الدولي الذي من شأنه أن يقلب الموازين لصالح الشعوب المضطهدة، أما التبجح بالاستقلال والسيادة فلن يعطي هذه الشعوب سوى المزيد من الشهداء والمعتقلين والجرحى وسيرفع فاتورة التغيير، هذه قناعة لا شك أن الكثيرين من الخيرين في بلداننا لن يتفقوا معها، لكن ربما تكون، للأسف الشديد، هي الصحيحة، وقد أعطت ثمارها على الأقل في بلدين مهمين هما العراق وليبيا وقضت على نظامين ديكتاتوريين هناك. ولكن يبقى للشعوب حق تقرير مصيرها بالطريقة التي تراها الأنسب، والمهم في كل ذلك هو استرداد الشعوب لحقوقها وبناء أنظمة ديمقراطية تنقلنا من مرحلة الظلم والظلام إلى مرحلة التطور والنماء. انتهى/ انغير بوبكر - باحث في شؤون التنمية والديمقراطية