انطلق موسم الزواج والأعراس في بداية الصيف وخمد بحلول رمضان، لأسباب لا تخفى على عاقل، فالأزواج يفضلون صلاة التراويح على القيام في غرف النوم مع زوجاتهم ولا يحبّون الصوم في شهر العسل فهم لا يضمنون تمالك أنفسهم أمام «عسل» ذائب يدعوهم إلى التذوق في كل لحظة.. ثم عرف انطلاقة ثانية مع الدخول المدرسي وانقضاء شهر الصيام. لذلك فحديثي اليوم عن الزواج يبقى حديثا منطقيا وفي أوانه. فالزواج رابطة تجمع بين زوجين لتتحقق فيها ثلاثة عناصر أساسية: عنصر جسدي، وهو الجانب الجنسي الشهواني، الذي يستجيب لهاتف الرغبة والجوع الشبقي إلى الالتحام مع الآخر. وعنصر نفسي، وفيه الحب والعاطفة، التي تستجيب لدافع التواصل والتجاوب مع الآخر. ثم عنصر اجتماعي قانوني واقتصادي، يتعلق بحقوق وواجبات الزوجين وتحدده المسؤوليات المنزلية المستمرة، بما في ذلك الأولاد. منذ قديم الزمن، تطورت مؤسسة الزواج وعرفت صيغ الارتباط بين الشريكين أشكالا مختلفة ومتنوعة تتوافق، في غالبيتها، مع العرف الاجتماعي والعقيدة الدينية. ويبقى الاتجاه الغالب هو تعاقد بين رجل وامرأة، يلزم الطرفين بالالتزام بنص مكتوب أو شفهي، فيجتمع الزوجان، بناء عليه، في مسكن واحد ويتعاونان على الرعاية المشتركة لما ينجم عن هذه الرابطة من أطفال. في المجتمعات الإسلامية، نجد أشكالا متفرعة عن هذا الزواج الغالب: -الزواج العرفي: وهو زواج بدون عقد مصادَق عنه ويتم بالشهود وقراءة الفاتحة، -زواج المتعة: زواج فيه جميع شروط الزواج، غير أنه محدد زمنا في ليلة أو شهر أو سنة... -تعدد الزوجات: عرفته حضارات كثيرة غير إسلامية، في مجتمعات بعيدة عنا نجد حول العالم، تعدد الأزواج: عرف في الماضي ومازال ممارَسا في حضارات معاصرة في جنوبي ووسط آسيا، حيث تستطيع الأنثى أن تتخذ أكثر من زوج واحد وتمارس حق اختيار من تعاشره جنسيا، كما أنها تختار من أحد أزواجها من تضفي عليه صفة الأبوة لمولودها، والذي يتوجب عليه أن يرعاه كابنه، -زواج الاستبعاض: يسمح للزوجة أن تنجب طفلا من غير زوجها، إن أراد ذلك. وقد كان ذلك عند العرب في الجاهلية، حيث كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: «أرسلي إلى فلان فاستبعضي منه:، أي اطلبي الجماع، ويعتزلها حتى يتبين حملها، فإذا تبيّن أصابها إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. وعادة ما يكون الرجل الذي يستبعض منه معروفا بالشجاعة والفروسية... -زواج مجتمع سكان جزر تروبيرياند: وهو نمط من الزواج يحقق إرضاء الرغبة الجنسية للشريكين، كما يحقق إنجاب الأطفال، تسوده الألفة والمودة بين الزوجين، غير أن عبء رعاية الأطفال يقع على عائلة الزوجة، مما يحرر الزوجين كليا من الالتزامات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبط عادة بالأطفال، -زواج مجتمع الآكان: زواج لديه نفس جميع خطوات ومراسيم العلاقات المؤدية إلى الزواج من حب بين الطرفين وخطوبة وموافقة الأهل وتقديم الهدايا، غير أن الزوجين يعيشان منفصلين عن بعضهما، فالزوجة تظل في بيت والديها وكذلك الزوج. وتقوم الزوجة بزيارة زوجها بالليل ! كما تقوم بتزويده بالطعام، الذي تُعِدّه في بيت والديها، ويقوم الزوجان برعاية الأطفال بالمشاركة، غير أنهما يظلان في حوزة عائلة الزوجة وإخوتها. وهذا النمط يحرر الزوجين من التبعات القانونية والاقتصادية، كما تسهل عملية إنهائه في حالة استنفاد العلاقة الزوجية كل أغراضها، من حب وعاطفة وجاذبية ورغبة جنسية، وتبقى عائلة الأم هي الوحدة القانونية والاقتصادية الدائمة، الزواج التعايشي: في هذه الحالة يعيش الذكر والأنثى في بيت واحد وغرفة نوم واحدة يمارسان العلاقة الجنسية ولكن بدون عقد زواج شرعي. وهذا النمط واسع الانتشار في أمريكا وأوربا، حيث تصل نسبة الطلبة الذين يمارسونه 50 % أحيانا. وتفيد متابعة هذا النمط من العلاقة الجنسية أن معظم حالات التعايش تنتهي بالزواج بين الشريكين أو أن أحدهما ينتقل إلى حالة مماثلة من التعايش مع شريك آخر، وهكذا إلى أن ينتهي الأمر بالزواج، -الزواج المفتوح: أو كما يحلو لأحد الباحثين أن يسميه «الزنا المفتوح»، وهو زواج بين اثنين يتفقان قبل الزواج أو في بدايته على حق الطرفين بإقامة علائق جنسية مع طرف آخر، دون أن يؤدي ذلك إلى توتير العلاقة بين الزوجين، وهذا الزواج منتشر، خصوصا في المجتمعات الأمريكية والأوربية، طالما قبلت النساء -مرغمات- في مجتمعاتنا بحق الرجل في مثل هذه الممارسة، غير أن الثابت عندنا هو عدم قبول الزوج بحق الزوجة في ممارسة مماثلة. وأغلب هذه الزيجات لا يحلها الدين ولا تستسيغها النفوس السوية ولا يقبلها المجتمع، لأنها لا تستجيب لحاجاته ولا توفر حلولا لتحدياته. غير أنه في وسطنا المسلم اجتهادات جديدة طرأت في فقهنا الحديث، جديرة بالدراسة والنظر العميق والمتأني، لأنها قد تحمل حلولا لحالات طارئة في حياتنا الحديثة، وأذكر، على سبيل المثال لا الحصر، «زواج المسيار»، الذي قد يأتي نجدة لشريحة من النساء الميسورات واللائي يوشك قطار الزواج أن يغادر محطتهن ولم يعثرن على زوج بعدُ، فيتعاقدن مع رجل يكون في الغالب متزوجا، بشرط التنازل على النفقة والمهر وترك العصمة في أيديهن، فيُحصنّ أنفسهن جنسيا، وقد يدركن الإنجاب قبل سن اليأس. فيُشبعن غزيرة الأمومة حملا ورضاعة وحضانة وتربية... لست أرى في مجتمع انتشر فيه الزنا مخرجا إلا التشجيع على الزواج وتيسير سبل تحقيقه، لهذا لا بد أن تتحرك كل الجهات التي تؤثر في نجاحه لتسطير سياسات اقتصادية واجتماعية وقانونية وفقهية ناجعة تستجيب لحاجات ملحة وتعمل على توفير الظروف للشباب و الشابات لفتح بيوت تشكل خلايا أساسية لمجتمعات سعيدة تختفي منها الانحرفات الجنسية والعقد النفسية لطوابير العوانس البئيسة... ومما يستدعي الانتباه ويدق ناقوس الخطر أنني لاحظت في محيطنا بعض الأشكال من الزيجات الغريبة، التي ذكرتُ آنفا، يمارسها بعض الغارقين في لجج التيه والظلمات... ولَعمري إني لأشفق لحالهم.. وأخاف أن نكون كلنا مسؤولين عن مصيرهم !...