هذا منظر من مونتريال في كندا يحكي مأساة ثقافة الجبت والطاغوت والخطيب المتسربل في جبة الفقيه من عصر المماليك أيام سعيد جقمق. بالله عليكم، لو قذفنا هذا الأمام ألف سنة إلى الخلف، واعتلى المنبر ولبس عباءة طويلة وأطلق لحية طويلة، وخطب خطبة مملة لجمهور متثائب في الجيزة والقيروان، هل كان سيتغير شيء؟! نحن هنا أمام آلة زمن مضحكة، أليس كذلك؟ فيمكن ضغط الزمن ألف سنة إلى الخلف وإرسال فقيهنا المعمم وخطيبنا المصقع بعباءة وسروال، فيقول نفس كلماته الحالية ولا يتغير شيء، فالمواطن متوقف في خانة الزمن! العلم الشرعي لم يعد علما ولا شرعيا. هم قوم ناقشوا مشاكلهم تحت سيف سلطان دموي. نحن اليوم تحت نفس الوضع السياسي، فالبيعة لآل الأسد الدمويين تتكرر، كما كانت أيام البويهيين والسلاجقة والبلاذرة والطولونيين والأخشيديين، بعمامة سوداء من كافور! إنها نكتة لا تضحك، أليس كذلك؟ لا أعرف لماذا يأتون إلى كندا بلد الحداثة والديمقراطية وهم يلعنون الديمقراطية ناعتين إياها بأنها كفر، ليتقوقعوا في شرانق من ظلمات عصر كافور الإخشيدي! يجب أن نعلن الديمقراطية في المسجد فلا تؤمم لأحد، ولا يستولي أحد على المنبر، ولا يخطب خطيب وإمام أكثر من خطبة يتيمة واحدة في العام، ويتوالى الخطباء على منبر رسول الله في 52 خطبة من 52 خطيبا من كافة الاتجاهات والتنظيمات والمؤسسات، فلا تحتكر بيد كهنوت وجبت وطاغوت. في عاصمة الأمويين وفي نفس الوقت كان فيه الكهنوت بكامل الطقوس والبخور يحيط الطاغوت الصغير كغمامة بعوض وهو يعلمهم فروض الطاعة، لم يكن ثمة فرق كبير بين كرافيتة الأسد الصغير وعمامة وجلباب المفتي والبوطي يهزون رؤوسهم وينحنون بجباههم لربهم فيباركوا مراسيم الطغيان، فلا إله إلا ماهر ولا رسول إلا بشار. إنها أزمة مؤسسة تهاوت وتعلن إفلاسها الأخلاقي في كل ناد. أما المؤسسة المسيحية فقد نفض ميشيل كيلو، المسيحي، يده منها أيضا ووجه كلماته إلى العلمانيين المسيحيين في سوريا أن يصدعوا بالحق. حسب نعوم تشومسكي، اليهودي، فإن المثقف هو من صدع بالحق في وجه القوة. أذكر جيدا من أيام النازيين أيضا أن الكنيسة تحالفت مع الجستابو إلا قليلا من القساوسة الذين لم يبيعوا ضمائرهم للشيطان. هل غريب قول فولتير: اشنقوا آخر قسيس بأمعاء آخر إقطاعي. علينا أن نكررها، ولكن بلغة غاندي.. من يدعمون الطاغوت في سوريا هم رجال المؤسسة الدينية في سيمفونية تضم المفتي والبوطي ورجال المخابرات. وصف المسيح عيسى بن مريم المؤسسة الدينية بهذه الكلمات النارية وهو رجل السلام اللطيف الناعم: جلس الكتبة والفريسيون على كرسي موسى، فكل ما قالوه لكم: اِفعلوا فافعلوا، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يريدون منكم أن تنقلوا الجبال ولا يحركوا شيئا بإصبع، ويعرضون عصائبهم ولفات رؤوسهم وسراويلهم ويحبون المتكأ الأول في الولائم، وأن يعطوا صدور المجالس، وأن يقول لهم الناس: سيدي سيدي. ولعلة، يطيلون صلواتهم.. إنهم يطوفون السهل والجبل ليصطادوا تابعا، فيجعلوه ابنا جديدا لجهنم مضاعفا. الويل لكم أيها القادة العميان، إنكم تعشرون النعنع والشبت وتنسون الحق والناموس الأعظم. الويل لكم أيها القادة العميان، إنكم كالقبور من الخارج، مطلية بيضاء ومن الداخل تحتشد بالنجاسات وعظام الأموات. أما السنهدرين اليهودي، فقد وجه أحد الأوغاد ليطعن فيلسوف التنوير باروخ سبينوزا، اليهودي، بسكين في رقبته، وأعلن أنه ملعون من يقترب منه أربعة أذرع أو يسمع لهرطقاته. وقصة ابن رشد والحلاج والسهروردي غنية عن التعريف. المؤسسة الدينية والدين، أين المفرق؟ الدين مثل ملح الطعام والبوصلة الأخلاقية الفردية بدونها لا حياة ولا حياء ولا أخلاق واستقامة، أما المؤسسة الدينية، فهي الشر المستطير من قم إلى الأزهر، مهمتها تأميم العقل وقتل التفكير وخلق التبعية ومد اليد إلى الجيب، والرسل كانوا يقولون يا قوم لا أريد مالا، إن أجري إلا على الله. كما لم يتميز الأنبياء بطقوس خاصة وملابس مميزة من طربوش وقلنسوة وعباءة وطيلسان. الأزهر حارب الثورة المصرية في أول انطلاقها، ثم مال حيث مالت الريح. لا جديد أليس، كذلك؟ ماذا ستفعل الثورة بالحسون والبوطي إذا انتصرت؟ إنهم مطمئنون إلى أنه ليس ثمة حساب وعقاب. يقول الرب: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. صحيح، لن تفعل لهم الثورة شييئا، فهم لا شيء. ولكن من يقتلون اليوم هم قطعان الشبيحة وفتوى البوطي وخطبة الحاج وإبراهيم وشحاتة. عفوا، نسيت الليبي ابراهيم موسى، وأحمد سعيد المصري، والصحاف العراقي، وبثينة السورية، والمعلم المكتنز بالشحم والخطايا. هل سيحشر المفتي والبوطي مع الأسد ذي الأنياب الكبيرة؟ أم الصغير مع قطعان الشبيحة؟ علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. في ظروف الثورة السورية في هذا العام الحاسم 2011 م انقسم الناس إلى فريقين يختصمون: المؤسسة الدينية تدعم الطاغوت، وملالي طهران يدعمون الطاغوت انتهاء بالبيدق الإيراني في لبنان ومعه إسرائيل في خلطة غير مفهومة. أما حماس فقد تبخرت منها كل حماسة وتحظر على أتباعها نصرة المذبوحين في دمشق. إنها سياسة الشيطان، أليس كذلك؟ يقول الرب: ولا تلبسوا الحق بالباطل؟ إن لعبة التزييف لها ثلاثة أساليب: أن يكتم أهل العلم الحقيقة أو أن يشتروا بها ثمنا قليلا من مال ومنصب كما هو حال المفتي والبوطي وكثير من العمامات والقلانس والطرابيش الحمر العصملية، أو ما هو أخطر من لبس الحق بالباطل فتختلط الحقيقة على الناس فيتيهون. هذه هي مهمة وعاظ السلاطين ومثقفي السلطة منذ أيام الفرعون بيبي الثاني وكافور الإخشيدي. يبدو أن الثقافة الإسلامية -حسب محمد إقبال- برمتها، ما عدا القرآن، كتبت في ظروف الصراع السياسي، وهو ما دعا علماء المسلمين إلى الاستنفار لغربلة الحديث، اِقرؤوا كتاب التدوين لإبراهيم فوزي، فمنها جاء المقتل من إرضاع المراهق، وبول الصبية والعقيقة، وإمامة المرأة ولباسها وولايتها، وغمس الذبابة، والمحرم والدشداشة، وتقصير الثوب وطول اللحية مع قصر العقل، والمصافحة والغناء وقتل الفن ومفهوم الجهاد وقتل المرتد، ومعنى العلم إلى عشرات المواضيع التي تحتاج إلى إعادة بناء الثقافة من جديد. ما يجري في سوريا من تعانق المؤسسة الدينية مع الطاغوت يذكرنا بلعنة القرآن للجبت والطاغوت. من أراد أن يعرف تفسير القرآن لمعنى الجبت والطاغوت فلينظر إلى سفاح دمشق، يخطب في علماء السوء أنه منظر مكرر منذ أيام المماليك البرجية. حين تابع القوم شخيرهم وأنا لا أكاد أصدق ما أراه، فأنا لست في الشرق بل كندا الدولة رقم واحد في العالم، وهم يستمعون إلى العلم الشرعي من تعليم الصبيان في الاستنجاء والاستبراء والحيض والاستحاضة وخيالات من هذا النوع والناس تقتل في سوريا وهم يعيشون في كندا، قلت الدين هنا فعلا مخدر وأفيون للضمير كما قال كارل ماركس يوما.. قلت لمن حولي من الجالية الإسلامية في كندا: أظن أنه يجب على الجالية الإسلامية أن تبني مركزا ومسجدا يدخل الحداثة ويدعو المسلمين وسواهم إلى حضور الصلاة كما حضر نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا. إنني أدعو المقتدرين من الفارين من ظلمات البعث إلى الإسراع في إنشاء مسجد إنساني يعيش العصر وبخطباء متعددي الاتجاهات والثقافات. يجب أن يكون نظم الخطاب عن معنى تدفق الهجرة لهذا البلد الآمن، ومعنى علماء السوء أن يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا أو يلبسوا الحق بالباطل، وأن العلم هو فلسفة وتاريخ وأنثروبولوجيا وأديان مقارنة وكوسمولوجيا وعلم أديان مقارن وفلسفة العلم وفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد، ولماذا تنفجر الثورات في العالم العربي ولا تنفجر في السويد والدنمارك؟ وحضور المرأة والثقافة والعالمية، فنتذكر رسالة محمد بن عبد الله والمسيح بن مريم ونخرج من جبة الفقيه وسروال الإمام ونراقب كل كلمة من الخطيب لنناقشها بعدها، فلا يصادر المنبر الواعظ المملوكي البعثي، ولا فقيه السلطان من أيام السلطان برقوق. انتهى/