ذ. سالم تالحوت ثانيا: أساليب تشخيص ومعالجة المدرس للعوامل الثقافية تؤكد مدارس علم النفس التربوي على أن الأستاذ المربي -عموما - توكل إليه مهمتان متلازمتان: وهما التربية والتعليم؛ فهو يعلم المجهول من المعارف، ويربي وينمي ما علم من القيم الايجابية المساعدة على تحقيق درجات عالية من التعلم. لذلك فهو مضطر -بتلقائية- إلى القيام برصد آثار العوامل الأسرية الخاصة والعامة في التحصيل الدراسي للمتعلمين، باعتبارها من صميم رسالته. ويمكنه بلوغ هذه المهمة بسهولة من خلال تتبع تأثيرات الثقافة وإبداع مبادرات توليد المؤثرات الإيجابية. أ منهجية رصد التأثيرات الثقافية: قصد هد الحواجز الثقافية التي تحول بين المتعلم والتحصيل الدراسي، يسهر المعنيون بالتنشئة (المدرسون والإدارة التربوية والموجهون ونوادي الاستماع والإرشاد والمواطنة) على رصد درجات التأثيرات الثقافية، الخاصة والعامة. تأثيرات الثقافة الخاصة: تعد ثقافة المتعلم بمثابة حصيلة الثقافة العامة والخاصة للتنشئة الأسرية. ويمكن قياس سيطرة الثقافة الخاصة على مواقف التعلم من خلال: إبداء الاستياء من المؤسسة التربوية والمواد المقررة والتعبير عن خيبة علاقته بالأطر الإدارية والتربوية... وانعكاس ذلك على الاهتمام بالمظهر والمشاركة في بناء التعلُّمات والحرص على الوقت والإنجازات،. تحاشي الحديث الإيجابي عن اسم الأب والأم، وحينما يمتعض الابن عندما يطلب منه الحديث عن ومستوى تعلم والديه أو يتردد في ذلك أو يفعل دون رضا... فإن ذلك يُبِين عن عمق سلبية ثقافة الأسرة، تخويف المتعلم بوالده يُعد من مؤشرات سلبية ثقافة الحوار والتفاهم واضطراب الأدوار والمسؤوليات والواجبات واختلال الحقوق داخل الأسرة، رفض المتعلم تحمُّلَ أعباء الانخراط في عمل المجموعات وتخوفه من الأنشطة الجماعية، كالألعاب ومجموعات المسرح والأناشيد... والتهرب من لحظات التقاط الصور الجماعية وتناول الوجبات المشتركة، فقدان حس التضامن، من خلال رفض القيام بمهام تعود بالنفع على الغير، كالحراسة والخدمة التطوعية... عدم إيلاء التلميذ الاهتمام لأفراح وأحزان زملائه في الفصل وتفضيل عدم مرافقتهم في الطريق المشترَك إلى البيت والمؤسسة... وعدم زيارتهم في اللحظات العصيبة، كالمرض، وتلبية دعواتهم في الأفراح، الاستهتار واختلاق أعذار التمارض، للتّغيُّب، واستفزاز المربي، لعزله خارج القسم، والاجتهاد في طلب مغادرة القاعة لقضاء الحاجة وتناول جرعات من الماء، بين الفينة والأخرى... التأخر المتعمَّد في ولوج حجرة الدراسة وإهمال إحضار اللوازم والاستعداد المبكّر لجمع الأدوات استعجالا لمغادرة الفصل، تلقي خبر تغيب الأستاذ بفرحة و«مباركة» توعُّكه الصحي والاستفسار المتكرر عن أقرب عطلة والإلحاح على إطالتها والتماس تأجيل الأعمال واستثقال الواجبات... ويُسهِّل رصد مثل هذه المظاهر التعرفَ على طبيعة التأثير الذي تمارسه الثقافة الخاصة للأسرة على الأداء الدراسي للمتعلم. وبرصد العوامل العامة، ستكتمل عند المربي الصورة الثقافية عن الأسرة. تأثيرات الثقافة العامة: أي تأثير مختلف الفاعلين في المؤسسة من الأطر (التربوية والإدارية والأسرة والجمعيات والأحزاب) المساهمة في تأطير المتعلم. ويتحقق ذلك بقياس درجات: ترقب المتعلمين مناسبات التظاهر، لإثارة الفوضى وتخريب المؤسسة والممتلكات بدون مسؤولية، تردد الآباء على المؤسسة لتفقُّد أحوال أبنائهم والحرص على التواصل مع مُدرِّسيهم وإدارة المؤسسة والإسراع في الاستجابة الدائمة والمستمرة لدعوات الإدارة حضور اجتماعات تهُمّ الحياة المدرسية، مبادرة الآباء في إبلاغ الأطر التربوية والإدارية بالتغيرات الإيجابية والسلبية الطارئة على مسار أبنائهم، مسارعة الآباء إلى إطلاع الأطر الإدارية والتربوية على حالات ذوي الاحتياجات الخاصة (صمم، ضعف البصر، صعوبة النطق، الخجل) قصد إيلائهم ما يجب من رعاية خاصة، مبادرة الآباء إلى الاستفسار عن مستويات أبنائهم والمطالبة بالاطّلاع على أحوالهم والحفاظ على التردد على المؤسسة، قصد التعرف على طبيعة سيرهم الدراسي، وتحيين مجالات تقدمهم وتأخرهم، ترحيب الأبوين بمبادرات دروس الدعم والتقوية التي تقدمها المؤسسة التربوية وشركاؤها وعدم الاقتصار على السقف العادي من الحصص، حرص الأبوين على اغتنام مشاريع المؤسسة لإدماج أبنائهم في الأنشطة الموازية، كالألعاب الرياضية والمسابقات الثقافية والخرجات والرحلات التربوية وحملات التزيين والنظافة... اجتهاد الآباء وجمعياتهم في نسج علاقات طيبة مع الطاقم الإداري والتربوي في مؤسسات أبنائهم، استشارة المربين للإدارة التربوية في معالجة سير الحالات الشاذة، انفتاح مكونات المؤسسة التربوية على الآباء والأولياء وحثهم على زيارة المؤسسة، للتعرف على ثقافة الأسرة الخاصة والعامة واستنتاج آثارهما في التحصيل. ويهدف المعنيون (الإدارة، المدرس والجمعيات والأندية) من رصد العوامل الثقافية، بصنفيها، تبويبها ودراستها وإعمال التفكير في أساليبَ من شانها توليد ثقافة تزرع تأثيرات إيجابية في مسار تمدرس المتعلم. ب خلق مبادرات إيجابية لتجاوز تأثيرات الثقافة السلبية قصد تعديل سلوكات المتعلمين، تنكبّ «فرق متابعة التفوق» على ابتكار مبادرات تتوخى تعزيز المضامين والآثار الثقافية الإيجابية وتجاوز السلبي منها. ويتحقق ذلك من خلال العمل على توليد عناصر الثقافة الداعمة والنهوض بها. توليد تأثيرات عامة: أي إنجاز ما حُرِم منه المتعلم في شق الثقافة العامة، ويتم ذلك من خلال: التعرف على محيط المؤسسة والفئات الاجتماعية ومستويات الأحياء السكنية التي تغذي المؤسسة (البعد والقرب الجغرافي) ووسط عيشها (حضري أو ريفي)... التعرف على اهتمامات ووضعيات سكان المنطقة (فلاحية، صناعية، ترحال، فقر، غنى)... وضع ملفات شخصية للمتعلمين تشمل بيانات عن وضع الأسرة (المهنة -السكن -المستوى التعليمي -عدد الأبناء)... تعبئة استمارات جد دقيقة مع الآباء حول حالات خاصة، حينما يلجؤون إلى المؤسسة أو حين استدعائهم لزيارتها، اطلاع جمعيات الآباء والتلاميذ على خلاصات عوامل الآثار الإيجابية والسلبية وإشراك مختلف الفاعلين في النهوض بثقافة الأسرة، ايلاء الأهمية لموقع الآباء والأولياء ورد الاعتبار إلى دورهم التربوي، محاولة استنهاض الأسرة لتفعيلها وتعبئتها والاستناد إليها في تقويم الاختلال الثقافي العام والخاص، خلق نوادي القرب (الاستماع والمواطنة والتربية على الحقوق) تُمكّن المتعلمين من فضاءات يرتاحون إليها في البوح بمشاكلهم بشكل صادق، ايلاء الأهمية للفتاة وانجاز مشاريع فئوية لتعزيز تفوق المتفوقين وتصحيح مسارات الفاشلين والمنقطعين ومدارسة حالات المنحرفين (التدخين، المخدرات، الشغب)...