ذ. سالم تالحوت تنزيلا للبرنامج الاستعجالي، عزز فضاء الحياة المدرسية المغربية بميلاد جمعية «دعم مدرسة النجاح». ويسعى مهندسو التربية والتكوين من هذا الإحداث إلى تجاوز الإخفاقات والتدني المقلق. وانسجاما مع الانتظارات الآنية، وقبل أن ينطلق الموسم الدراسي القادم فعليا (15 /09/2011) تحت ضغط هواجس «النجاح»، سيحتفل بعيد المدرسة (14/09/2011) تحت شعار «جميعا من أجل مدرسة النجاح»، وستحيي أسرة التعليم يومها العالمي للمدرس (5/10/2011) تحت لواء «المُدرسة والمدرس أساس بناء مدرسة النجاح». إلا أن معانقة النجاح الكبير يظل مؤجلا إلى حين تخطي ظاهرة التأخر الدراسي التي تتسم بطابعها البنيوي المعقد. فعطاء المتعلم يتأثر بوضعه الصحي والنفسي والاجتماعي ومستوى شروط التعلم... ومساهمة في مقاربة «ثقافة النجاح»، يعتبر المدخل الثقافي الأسرة والمدرسة الطرفين الأساسيين في نجاح أو تأخر حصيلة تعلم المتعلم، مما يرهن دور الفاعل الجديد باستحضار عاملي: استنفار همة الأسرة، واستثمار تجربة المدرس لبناء ثقافة «مدرسة النجاح». فكيف تؤثر العوامل الثقافية الأسرية في نجاح أو فشل المتعلمين دراسيا؟ وكيف يتأتى للمدرس تشخيص هذه العوامل؟ وكيف يستطيع تنمية العوامل الايجابية وتجاوز السلبيات لتحسين وتيرة التحصيل الدراسي؟ أولا: دور العوامل الثقافية الأسرية في التحصيل الدراسي تعتبر الأسرة وحدة اجتماعية، تسهم بكثافة في التنشئة النفسية المكثفة للمتلقي، إلا أن تدخلها ينتج عن عوامل ثقافة متباينة، قد تتكامل مع دور المؤسسة التعليمية، وتتقاسم معها المهمة، وتدعمها، وقد تناقضها وتهدم ما تبنيه، مما سيغلب حالات التميز أو الفشل الدراسي. أ دور العوامل الثقافية الأسرية في نجاح المتعلم تتحكم ثقافة الأسرة - حوافزها- في نجاح المتعلم، ونميز في هذا التأثير بين زاويتيها الخاصة المتعلقة بمستوى تعلمها، والعامة المتصلة بتفاعلاتها مع مكونات المجتمع. حوافز الثقافة الخاصة كلما ارتقى الأبوان في التعلم كلما أسعفتهما معرفتهما ببنية التعليم، وأسلاكه وتخصصاته، والقدرات المطلوبة، والإمكانيات الضرورية... في مساعدة المتعلم على الاختيار المبني على معطيات واقعية، واستحضار آفاقه المستقبلية، وإيلائه الاعتناء والتتبع، وتحفيزه ليشق مساره الدراسي بسهولة وحماس. إلا أن إحاطة الآباء بنظام التعليم لا يكفي؛ إذ لن تستطيع كل الأسر المتعلمة جعل أبنائها يتفوقون، فقد سجلت حالات فاشلة عديدة في صفوف أبناء المتعلمين ذوي الشهادات، بل في صفوف أبناء رجال التعليم أنفسهم.فمثلا في إحدى الثانويات أحرز تلميذ من شعبة علمية 0.97 من 20 في مادة الرياضيات أثناء الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة الباكلوريا. وإذا كان من المفروض أن يرصد ابن أستاذ مادة الرياضيات النقطة كاملة، فإن فشله يبين نقصا حادا في تدخل العوامل الثقافية العامة في تغذية العملية التعليمية. حوافز الثقافة العامة تساعد البيئة العامة على الرفع من الأداء التعليمي للمتعلم، فثقافة الأسرة حينما تفيض بالحوار والانفتاح والانخراط في مكونات المجتمع (أحزاب، جمعيات، أندية، مزاولة وظيفة ناتجة عن تفوق دراسي، المكانة الاجتماعية المرموقة للأسرة...) تصبح لها رؤية واهتمامات تنعكس على أساليبها في تربية الأبناء على قيم الجد والعمل والسعي والتنافس في النبوغ. وتساعد الثقافة العامة للأسرة على تربية المتعلم داخل الأسرة وعلى تقدير ذاته وتقدير الآخرين، ومن ثم يسعى إلى إسعادهم، ويشعر بدوره داخل الأسرة، ويتعرف على مهمته المتمثلة في التفوق الدراسي من خلال تقمص شخصية والديه المتعلمين، اللذين استطاعا - بفضل نجاحهما الدراسي - تكوين أسرة مترابطة وفاعلة. لسنا في حاجة إلى متعلم متفوق دراسيا فحسب، إذ يظل تداول نموذج ذلك المتعلم المتفوق جدا، لكنه لما أنهى واجب الامتحان الموحد خرج – قبل زملائه منتشيا- لكن نزوعه المذهل إلى تكسير أول مصباح صادفه بساحة المؤسسة أمام أعين لجنة مراقبة الامتحان يزكي الحاجة إلى ما أمكن من جرعات في الثقافة العامة الإيجابية. تساعد العوامل الثقافية الخاصة المتعلقة بالمستوى التعليمي والثقافية المرتبطة بنمط الحياة العامة في نجاح المتعلم، حينما تسهم في خلق تحفيزات وإثارة تمثلات تبعث على التفاؤل .فكلما تكامل الطرفان كلما تقوت شروط النجاح، غير أن تدني هذه العوامل بشقيها أو أحدهما قد يثمر الفشل، فتعمل بشكل مضاد على تنمية الإحباط لدى المتمدرسين. ب دور العوامل الثقافية الأسرية في فشل المتعلم تساهم انعكاسات ثقافة الأسرة في فشل المتعلم، ونميز في هذا التأثير بين المثبطات الثقافية الخاصة والمثبطات الثقافية العامة. مثبطات الثقافة الخاصة كلما تفاقم جهل الأسرة بأهمية التعليم، وتدنت رهاناتها عليه كلما هزل اهتمامها بتعليم الأبناء، وتراخت في تحفيز وتتبع أدائهم التعليمي، والتعرف على نقط القوة والضعف، واستقالت من مهمتها في الاعتناء بالدعم. تتفاوت الأسر في درجة الافتقار إلى أنزيم الثقة في جدوى التعليم (لم يعد يثمر وظيفة). وقد توسعت هذه الظاهرة بتفاقم بطالة الخريجين حاملي الشهادات العليا. وتتزايد الأسر المستسلمة لهذا الفهم الخاطئ؛ منخرطة في التقليل من أهمية التعلم. وبتكريسها لعدم جدوائيته، حطمت ما يمكن أن يوجد في المتعلم من الطاقة والحماس . فعوض التوجيه الحسن واختيار مسارات واضحة تذرعت الأسرة وتخلت عن واجب مساندة الابن، وحاجة متابعة أحواله الدراسية، وتشجيعه على المنجزات الحسنة... فضعف أمام مشوشات طريق التعلم. يؤدي تدني المعارف الخاصة بالأبوين إلى التخلي عن دور الأسرة في تحفيز الأبناء في التعلم، إلا أن آثار العوامل الثقافية الخاصة عادة ما تستفحل خطورتها حينما تتعزز بعوامل ثقافية عامة غير مساعدة. مثبطات الثقافة العامة تساهم العوامل الثقافية العامة في فشل المتعلم حينما تتدهور الأسرة، وتتفكك نتيجة الصراع، والتصادم... وفي مثل هذه الأجواء يسود إقصاء الصغار وانتشار ثقافة الانفراد بالقرارات. في مثل هذه الأسرة تندر فرص إشراك الأبناء، وتحميلهم المسؤولية في صناعة المستقبل، ودفعهم إلى القيام ببعض الواجبات، وتعويدهم على الإحساس بمسؤولياتهم في إنجازات الأسرة. يتأثر الأبناء بأسرتهم غير المبادرة والمنطوية على ذاتها، المعزولة عن محيطها... من خلال عوزهم لتمثلات وحوافز، من شأنها أن تشكل لديهم قدوة وأمثلة، يسعون إلى محاكاتها في التفوق الدراسي. من خلال ما سبق تساهم العوامل الخاصة والعامة للأسرة في النجاح، كما تساهم في الشلل الدراسي للمتعلم، فالعملية التعلمية بمثابة استثمار أسري تنتظر عائداته وأرباحه.لكن من حسن القدر، ليست الأسرة المتدخل الوحيد في خلق الحوافز والطموحات، فقد وضع المجتمع مؤسسة المدرسة، وزودها بأطر يمكنها أن تساعد على تعزيز الإيجابيات الأسرية وتجاوز سلبياتها. فكيف يمكن للمدرس والأسرة تشخيص العوامل السلبية والإيجابية؟