بثت قناة «السادسة» المغربية في شهر رمضان المنقضي مسلسل «الحسن والحسين»، الذي أثار جدلا واسعا، سواء قبل عرضه على بعض الفضائيات العربية أو أثناءه، بسبب تصويره للصحابة وحفيدي النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين، وكذا بسبب الخلاف حول المحور الرئيسي للأحداث فيه والنبش في مرحلة حرجة من تاريخ المسلمين. فالمسلسل يلقي الضوء على الفتنة الكبرى في تاريخ الإسلام والحرب بين البيت الأموي والبيت الهاشمي حول السلطة، ويقدم روايته عن صراع تلك المرحلة ودور الحسن والحسين في الدفاع عن الخليفة عثمان بن عفان وتنازل الحسين عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقنا لدماء المسلمين. والمسلسل، الذي يعالج لأول مرة على صعيد الإنتاج التلفزيوني قضية الفتنة الكبرى، يحاول العودة إلى أصول الخلاف بين السنة والشيعة القائم اليوم برده إلى جذوره الأولى، لكنه إذا كان قد حاول أن يحل معضلة الخلاف، على المستوى الفني، بمسألة التنازل عن السلطة، فإنه، على المستوى الفقهي والسياسي، ترك الموضوع معلقا، لأنه لم يتعامل مع موقف الشيعة القائل بالإمامة بالنص أو الوصية، فبدا موقف الحسين رضي الله عنه في المسلسل موقفا فرديا يراعي المرحلة، لا موقفا مؤسسا على قواعد فقهية، وهو الأمر الذي يدفع الشيعة إلى تفسير ذلك الموقف بأنه ناتج عن الخلل في «توازن القوى»، وقتذاك، بين الحسين ومعاوية، وليس ناتجا عن رؤية شرعية. وقد أحيى المسلسل الجدل حول جواز تصوير الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة في الأعمال الفنية، لأول مرة منذ تسعين عاما، عندما رفض الأزهر في العشرينيات من القرن الماضي أن يؤدي الممثل المصري الراحل يوسف وهبة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في فيلم تركي. ورغم وجود الحسم في قضية تصوير النبي الكريم، إلا أن تصوير الصحابة ظل محل خلاف بين تيارين، تيار يرى أنه لا يحق تصويرهم حتى لا يتم التقليل من مكانتهم في وجدان المسلمين، خصوصا أن بعض الممثلين المعروفين بسيرتهم غير الحسنة قد يسيئوا أكثر إلى صورة الصحابي، الذي يتقمصون شخصيته في العمل الدرامي، ويرى هذا التيار أن التعرض للخلافات بين الصحابة يسقط المسلمين في اتخاذ مواقف بين هذا الطرف أو ذاك، وهو أمر غير مقبول بالنسبة إلى هذا التيار، لأن هذه الخلافات لا يمكن الخوض فيها، تطبيقا للآية القرآنية «محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم»، فقد وصفت الآية الصحابة بالتراحم فيما بينهم، وهذا يتناقض مع قضية الخوض في الخلافات التي حصلت بينهم والتي لا يمكن تقديرها. كما أن تصوير الصحابة في العمل الدرامي من شأنه أن يولد لدى المشاهد مواقف نفسية وحالات تحيز لطرف دون آخر، بما فيها حالات الكراهية أو التعاطف، التي تحصل مع أي عمل درامي بشكل طبيعي، وهو ما يخالف المطلوب في التعامل مع الصحابة، بناء على قول النبي عليه الصلاة والسلام: «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه». أما التيار الثاني فيرى جواز تصوير الصحابة في الأعمال الدرامية، شرط أن يقوم بأدوارهم أشخاص مشهود لهم بالورع والاستقامة، من أجل بعث الروح الدينية في نفوس المتلقين وترويج نموذجهم الإسلامي الصافي. ويرى أصحاب هذا الموقف أن هناك عدة أعمال فنية مكتوبة في النصوص الإبداعية عن تلك المرحلة، لم تثر أي جدل، بالرغم من أنها تتضمن أمورا أكثر قسوة من العمل الدرامي، وأن هذا يعتبر نوعا من الإنتاج الدرامي المكتوب وفيه مساحة واسعة للتخيل. ويضيف أصحاب هذا الرأي أن الإنتاج السينمائي اليوم تطور بشكل كبير وأصبحت الفضائيات موجودة في كل البيوت، ولا يمكن الاستمرار في حالة الانغلاق وعدم الانفتاح على التطورات الجديدة. وقد دعا الأزهر إلى عدم جواز بث المسلسل وأصدر شيخه فتوى في الموضوع، كما أصدر مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ومجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي ومفتي الأردن ودائرة الإفتاء الأردنية، كلها أصدرت فتاوى ترفض عرض المسلسل في الشاشات العربية، لكن المفاجأة أن العديد من الفضائيات التي برمجت بث المسلسل لم تتراجع أمام هذه الفتاوى، وهو ما يثير تساؤلا لمَ يتم الاهتمام به حتى الآن، وهو قيمة الفتوى في عالم اليوم، وتوحيد المواقف من قضايا هامة مثل هذه. وقد أقدمت قناة «السادسة» بالمغرب على بث المسلسل بالرغم من تعدد الفتاوى الرافضة، وجاء قرار بثه بعد تشكيل لجنة من خمسة أعضاء من المجلس العلمي الأعلى، قررت خلو المسلسل من كل ما يعارض الشريعة الإسلامية، غير أن نص هذه الفتوى لم يخرج للعلن لكي يمكن معرفة حيثيات هذا الموقف من الناحية الفقهية والفنية، هذا إذا لم يكن الأمر مجرد رأي للجنة، لا عبارة عن فتوى مفصلة في الموضوع.