هل شكلت أحداث الربيع العربي وتداعياته في المغرب، من خلال ظهور حركة شباب 20 فبراير، متنفسا لحزب العدالة والتنمية لفك الطوق الذي ضرب عليه من قبل حزب الأصالة والمعاصرة أم شكلت لحظة كشفت أن حزب العدالة والتنمية لازال لم يتمرس بعد على تدبير مواقفه عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع بعض القضايا التي تحتاج إلى حسم واضح؟ وهل شكلت أحداث الربيع العربي فرصة لحزب العدالة والتنمية للانفتاح على الشارع أم وظفها لتأكيد دوره في الدفاع عن المؤسسة الملكية؟ هذه التساؤلات تستمد مشروعيتها من واقع الدينامية السياسية التي أطلقتها حركة شباب 20 فبراير، وسنحاول هنا تحديد طبيعة موقف حزب العدالة والتنمية من هذه الحركة. هناك من يرى أن حركة شباب 20 فبراير لعبت دورا أساسيا في فك الطوق عن حزب العدالة والتنمية الذي كان عرضة لاستهداف واضح من قبل حزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس في غشت 2008 وجعل من بين أهدافه الرئيسية إضعاف حزب العدالة والتنمية بدعوى أن مشروعه يتعارض، في العمق، مع المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي يتبناه الملك محمد السادس. اعتمد حزب الأصالة والمعاصرة منذ تأسيسه من قبل فؤاد عالي الهمة، صديق الملك، استراتيجية مناوئة لحزب العدالة والتنمية ترتكز على عنصرين أساسيين: إضعاف الحزب على المستوى الانتخابي أولا، وعزله على المستوى السياسي ثانيا. ورغم أن حزب العدالة والتنمية حاول مواجهة هذه الاستراتيجية بالسعي إلى التعاون والتنسيق مع بعض الأحزاب السياسية لمواجهة الحزب الجديد من خلال السعي إلى تشكيل «جبهة وطنية لحماية الديمقراطية»، حيث كانت هناك مراهنة على «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، غير أن حسابات هذا الأخير كانت لا تخدم هذه الاستراتيجية المضادة، وهو الأمر الذي جعل القوى السياسية المشاركة في اللعبة السياسية تعتقد أن الطريق أصبحت سالكة أمام حزب الأصالة والمعاصرة لتصدر نتائج تشريعيات 2012، وأن حزب العدالة والتنمية هو الخاسر الكبير من تأسيس حزب صديق الملك. إن الربيع العربي الذي أفضى إلى انهيار حكم بن علي وحكم حسني مبارك استلهمت دروسه حركة شباب 20 فبراير التي قارنت حزب الأصالة والمعاصرة بالتجمع الدستوري الديمقراطي في تونس والحزب الوطني الديمقراطي في مصر وطالبت بحله باعتباره حزب الدولة، وهكذا وفي ظرف قياسي نجحت حركة شباب 20 فبراير في إرجاع حزب الأصالة والمعاصرة إلى الخلف وتضييق الخناق عليه، حيث أصبحت تطرح العديد من التساؤلات حول مستقبله جراء النزيف التنظيمي الذي يتعرض له . لم يختلف موقف حزب العدالة والتنمية من حركة شباب 20 فبراير عن مواقف العديد من الأحزاب السياسية المغربية، هذا الموقف الذي يتسم بنوع من الالتباس والذي يحاول أن يوفق بين الاعتراف بعدالة مطالب الشارع وضرورة عدم المساس باستقرار البلاد. وتقدم تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران نموذجا واضحا لهذا الموقف الملتبس من حركة 20 فبراير، ففي ندوة نظمتها أسبوعية «الأيام المغربية» ونشرت أشغالها يوم 5 مارس 2011، قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إنه لم يقف ضد حركة شباب 20 فبراير ولم يدع إلى مقاطعتها كما لم يدنها. وبرر عدم المشاركة في التظاهرات بكون حزبه حزبا مسؤولا. وكان محمد الحمداوي رئيس «حركة التوحيد والإصلاح» أشار إلى أن حركته لم تستدع للمشاركة ولا يعرف الجهة التي تقف وراء تنظيم التظاهرات، وهو ما شدد عليه محمد يتيم، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ومسؤول «الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب». يشدد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في نفس الندوة على اطلاعه على محتويات الأرضية التي أعدتها حركة شباب 20 فبراير، ويلاحظ أن هذه الأرضية لم تكن مذيلة بأسماء الجهات التي أعدتها، وبالتالي فإن هذه الحركة هي التي تتحمل مسؤولية التقصير في التعريف بنفسها بطريقة تمكن القوى السياسية الأخرى من التعرف عليها، وأفضل وسيلة لكي تتمكن حركة شباب 20 فبراير من التعريف بنفسها هي المبادرة إلى تأسيس جمعية أو حزب سياسي. يعتبر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ضمنيا حركة شباب 20 فبراير، برفضها تأسيس حزب سياسي أو جمعية، حركة تتبنى خيارا ثوريا ويؤكد أن الثورة ليست عيبا، فهو يعتبر نفسه إصلاحيا وليس ثوريا ويعتقد أن الثورة لن تأتي بالاستقراء وستحطم المغرب الذي يعرفه. يزداد الموقف التباسا عندما يتحدث الأمين العام لحزب العادلة والتنمية عن أرضية حركة شباب 20 فبراير المتضمنة لمجمل مطالبها، فقد طالعها ولا يقف ضد أية نقطة من النقاط الواردة فيها بشكل مطلق وإن كانت هناك بعض القضايا التي ينبغي أن تناقش، وأكد أنه، منذ انطلاق مسيرة الحزب رفقة الدكتور عبد الكريم الخطيب قبل 20 سنة، كانت المطالب الواردة في أرضية حركة شباب 20 فبراير مندرجة في عمق انشغالاته ونقاشاته، ويمكن القول إنه طالب منذ ذلك التاريخ بنفس المطالب الواردة في أرضية حركة شباب 20 فبراير، ويضيف قائلا إن المطالب الواردة في أرضية الحركة تشبه، إلى حد كبير، مطالب السياسيين الجادين. إن الموقف الملتبس لحزب العدالة والتنمية من حركة شباب 20 فبراير على غرار مواقف الأحزاب السياسية الأخرى كان محكوما بمنطق الصراع بين مشروعيتين: مشروعية حركة شبابية تعتبر نفسها قد تجاوزت بكثير الأحزاب السياسية القائمة وتحملها مسؤولية الفساد السياسي الذي تعرفه البلاد ومشروعية القوى السياسية «التقليدية»، ومنها حزب العدالة والتنمية، التي تعتبر أن التحول الذي يعرفه المغرب هو نتاج نضالات تلك القوى منذ عقود.