في كتابه «جرأة الأمل»، يشارك المرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي باراك أوباما القارئ أفكاره عن كيفية معالجة الانقسامات الداخلية الأمريكية، حيث يطالب بنوع مختلف من السياسة ويعرض لعدم الاستقرار الاقتصادي المتزايد في الأسر الأمريكية والصراعات العرقية والدينية داخل المؤسسات السياسية والمخاطر الخارجية التي تهدد الولاياتالمتحدة من العنف إلى الأوبئة. لهذا اعتبر أوباما ما جاء في كتابه أفكارا للمطالبة بالحلم الأمريكي. هناك مثل يقوله أعضاء مجلس الشيوخ عندما يطلب منهم وصف أول سنة لهم في الكابيتول هيل: «إنها مثل الشرب من خرطوم ناري». وهذا الوصف هو مناسب لأشهري الأولى في مجلس الشيوخ، والتي بدا لي فيها أن كل شيء كان يأتي مرة واحدة. اضطررت إلى توظيف مستخدمين وإنشاء مكاتب في كل من واشنطن وإلينوي. كان علي مناقشة مهام اللجنة والإسراع في القضايا المعروضة على اللجن. كان هناك تراكم لعشرات الآلاف من الرسائل التي بدأت بالوصول منذ يوم الانتخاب، إضافة إلى ثلاث مائة دعوة للحديث كانت تصل كل أسبوع. كنت أقوم برحلات مكوكية من الطابق الأرضي لمجلس الشيوخ إلى غرف اللجن، ومن لوبيات الفنادق إلى المحطات التلفزيونية. وكنت أعتمد كليا على مجموعة متنوعة من المستخدمين، في العشرينات وأوائل الثلاثينات، الذين قمت بتوظيفهم، لكي أصل في الموعد المحدد وإعطائي الكتاب المناسب لأحيط نفسي علما بالموضوع، ويذكرونني مع من سيكون لقائي التالي أو توجيهي إلى أقرب حمام. بعد ذلك، عندما يحل الليل، كان علي التعود على العيش بمفردي. فقد قررت أنا وميشال أن تبقى أسرتنا في شيكاغو، ويعود ذلك في جزء منه إلى أننا رحبنا بفكرة أن تتم تربية الفتيات خارج واشنطن التي تضج بالحركة، ولكنه أيضا نوع من الترتيب حتى تظل ميشال محاطة بمن يساعدها، أي أمهما وأخوها وباقي أفراد عائلتها وأصدقائها، والذين يمكن أن يمدوا لها يد المساعدة في غيابي بسبب العمل. استأجرت شقة صغيرة بسرير واحد قرب مدرسة قانون جورج تاون، ما بين الكابيتول هيل ووسط المدينة، لقضاء الثلاث ليال في الأسبوع التي أكون فيها متواجدا في واشنطن. في البداية حاولت تبني عزلتي، لذلك كنت أجبر نفسي على تذكر متع العزوبية. كنت أجمع لائحة الأطعمة الجاهزة من كل المطاعم المتواجدة في الحي. كنت أشاهد مباريات كرة السلة أو أقرأ إلى وقت متأخر من الليل. كنت أترك الأطباق المتسخة في حوض الغسيل، وكنت أترك سريري غير مرتب. لكن كل هذا كان بدون جدوى. فبعد ثلاث عشر سنة من الحياة الزوجية وجدت أنني أصبحت أليفا ولينا وأحتاج إلى المساعدة. في أول صباح لي في واشنطن، أدركت أنني نسيت أن أشتري ستارا للحمام، وكنت ألتصق بجدار الحمام وأنا أخذ دشا حتى أتفادى تبليل الأرضية وإحداث فيضانات. في الليلة الموالية، كنت أشاهد مباراة كرة السلة وأشرب الجعة، عندما غفوت مع نهاية الشوط الأول، استيقظت بعد ذلك بساعتين وأنا أحس بتشنج مؤلم في رقبتي. حتى طعم الأكل الجاهز لم يعد جيدا كما كان، وأصبح الصمت يزعجني. وجدت نفسي مرارا أتصل بالمنزل لمجرد سماع صوت بناتي، فقد كنت أتوق إلى دفء حضنهن ورائحة بشرتهن الحلوة. «هاي يا حلوتي» «هاي أبي» «ماذا يحدث؟» «منذ أن اتصلت بنا آخر مرة؟» «نعم» «لا شيء. هل تريد أن تتكلم مع أمي؟» كان هناك مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ ممن لديهم أسر شابة، وكلما التقينا كنا نقارن محاسن ومساوئ الانتقال إلى واشنطن، إضافة إلى صعوبة حماية الأسرة من الموظفين المتحمسين زيادة على ما يلزم. وكان معظم زملائي الجدد كبارا في السن، حيث كان معدل أعمارهم ستين سنة. وقد قمت بجولات في مكاتبهم وقاموا بتقديم النصائح لي بخصوص كل ما يتعلق بمجلس الشيوخ. أوضحوا لي مزايا مهام اللجن وأمزجة رؤساء اللجن المختلفة. وقدموا لي اقتراحات بشان كيفية تنظيم فريق الموظفين، كما أخبروني مع من يجب علي التحدث لكي أحصل على مساحة أكبر لمكتبي، وكذا كيفية تدبير طلبات الناخبين. وجدت أن معظم النصائح التي قدمت لي كانت مفيدة، لكن بعضها كان فيه نوع من التناقض. لكن بين الديمقراطيين على الأقل، فإن لقاءاتنا كانت تنتهي بتوصية واحدة: يجب علي في أقرب وقت ممكن أن ألتقي بالسيناتور بيرد، ليس فقط على سبيل المجاملة السيناتورية، وإنما أيضا لأن مكانة السيناتور بيرد كأقدم عضو في مجلس الشيوخ تسمح له بالحصول على نفوذ كبير. السناتور روبرت بايدن الذي يبلغ السابعة والثمانين من العمر، ليس مجرد عميد لمجلس الشيوخ، فهو ينظر إليه على أنه تجسيد لمجلس الشيوخ، وهو بذلك يعتبر جزءا حيا من التاريخ.