تجمع هذه الشخصيات أشياء كثيرة أهمها أنها شخصيات من صنع الخيال الأدبي، وهي أيضا شخصيات تحظى بحمولات رمزية قوية في الثقافة الإنسانية عامة، منها شخصيات كثيرة فاقت شهرتها شهرة كتابها الذين أبدعوا ملامحها، فكثيرون يعرفون تفاصيل عن شخصية المحقق شارلوك هولمز والمحارب دون كيشوت والعراب كورليوني وعاشق الغابة طارزان والباحث عن الحقيقة حي بن يقظان والشرير فاوست... وغيرها من الشخصيات، لكن قليلون جدا يعرفون مبدعيها على التوالي: آرثر كونان دويل، سيرفانتس، ماريو بوزو، إدغار رايس بوروس، ابن طفيل وغوته.. يرجع تاريخ كلمة المافيا إلى القرن الثالث عشر الميلادي مع الغزو الفرنسي لأراضي صقلية عام 1282م، حيث تكونت في هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغزاة الفرنسيين، كان شعارها Morte Alla Francia Italia Anelia، وتعني «موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا»، فجاءت كلمة (مافياMAFIA ) من أول أحرف كلمات الشعار، فقاموا بقتل عدد كبير من الفرنسيين في ذلك الوقت، انتقاما. ومن أشهر فرق المافيا فرقة جزيرة صقلية بإيطاليا، حيث تكونت هذه الفرقة في القرن السابع عشر الميلادي كمجموعة سرية تعارض الحكام الإسبان. وخلال تلك الفترة، كانت المافيا منظمة تحظى بحب الشعب الإيطالي واحترامه لما تقوم به من مقاومة للمحتلين، وفي القرن التاسع عشر أصبحت المافيا تسيطر على صقلية ونواحي من إيطاليا وأصبحت تسيطر على القوة الاقتصادية والسياسية في صقلية، ثم تحولت إلى أعمال الحماية والابتزاز، وانضم للمنظمة بعض من أفراد الطبقة الأرستقراطية الحاكمة، فكانت المحرك للعديد من أفراد الحكومة ورجال الأعمال وأصبحت القوة الوحيدة في صقلية وبعض مدن إيطاليا. وفي منتصف القرن التاسع عشر، وخلال الفترة الفاشية، قام القائد الإيطالي بينيتو موسوليني بمحاربة المافيا بدون رحمة، بسجن وقتل الكثيرين لمجرد الشك في انتمائهم للمافيا، ولم تقو شوكة المافيا في إيطاليا مرة أخرى حتى استسلام إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، فأصبحت المنظمة ضعيفة بعد أن فقدت مواردها وزعماءها وهرب الكثير من أعضائها إلى الولاياتالمتحدة خشية الاضطهاد والسجن والقتل، وكان من أشهر الهاربين الزعيم جوزيف بونانو، الشهير ب»جو باناناز»، والذي جاء ليسيطر على فرع المافيا بالولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن الجدير بالذكر أن هوليود أنتجت الكثير والكثير من أفلام المافيا التي تدور أحداثها حول عائلات المافيا الإيطالية ونفوذها وصراعها الدموي مع بعضها البعض، ولا تزال ثلاثية المخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا والأديب الإيطالي ماريو بوذو، والتي تعرف ب«الأب الروحي» أو «العراب The Godfather»، لا تزال هذه الثلاثية من أفضل الأفلام على مر التاريخ، والتي جسد فيها العملاق مارلون براندو، باقتدار، شخصية زعيم المافيا الإيطالية في أمريكا دون فيتو كورليوني، وأيضاً الأسطورة آل باتشينو في دور دون مايكل كورليوني، الابن الأصغر لفيتو أندوليني كورليوني. وشخصية العرّاب هي شخصية زعيم المافيا، كتبها في سنة 1969 ماريو بوزو، عن الشخصية الخيالية لرئيس مافيا إيطالية في أمريكا اسمه دون فيتو كورليون Don Vito Corleone. وتعتبر رواية العراب من الروائع الأدبية التي شهدتها البشرية، وقيل إنه عكف على كتابتها في مدة تتراوح بين ست إلى سبع سنوات، وتم تحويل الرواية إلى فيلم «العراب»، الذي يتكون من ثلاثة أجزاء وأخرج الفيلم عام 1972 من بطولة الممثل آل باتشينو، حيث حصل على الأكاديمي أوارد، ثم الجزء الثاني عام 1974أيضاً حصل على الأكاديمي أوارد، ثم الجزء الأخير من الثلاثية عام 1990. رواية «العراب»، وكما عبر أكثر من ناقد، هي قصة رجل يتمتع بنفوذ وقوة. إنها قراءة في خبرة رجل ليس من الممكن نسيانه، هذا الرجل الذي هو فيتو كورليون، طاغية، لكنه طيب وودود، وزعيم يترأس إمبراطورية واسعة، قاتل يعطي صداقته، ولا أحد يجرؤ على رفضها. حتى القتل ليس شيئا عظيما كثمن للعدالة. قصة شخصية يمتد تأثيرها إلى مختلف المستويات في المجتمع الأمريكي، هذه الرواية التي تمنى بوزو لو أنه كتبها بشكل أفضل. وحسب المراجعات الكثيرة للكتاب، كتبت بأصالة وبيد روائي بارع، وبخبرة في خصوصية بيئة المافيا. ولد بوزو عام 1920م في مانهاتن، من أبوين إيطاليين مهاجرين، وبعد خدمة عسكرية في الحرب العالمية الثانية، التحق بمدرسة نيويوركالجديدة للبحث الاجتماعي وجامعة كولومبيا. وقد كتب بوزو روايات قبل «العراب» وبعدها، إلا أن «العراب» ظلت هي الأفضل دائما، كانت «العراب» التي أصدرها 1969م الأكثر رواجاً في تاريخ النشر الأمريكي، إذ بيع منها أكثر من 21 مليون نسخة وظلت لمدة 67 أسبوعا على قائمة الكتب الأكثر مبيعا. لقد عَدَّها بوزو رواية عائلية أكثر منها رواية جريمة، وأحب الناس الرواية لأنهم رغبوا في أن يكون لهم ذلك الشخص مثل السيد كورليون، يمنحهم العدالة دون أن يضطروا إلى الذهاب للمحاكم. «العراب» هو الرواية التي سجلت منذ صدورها أكبر رقم في التوزيع عرفته أية رواية عالمية حتى اليوم، فهي ما تزال تباع بالملايين في جميع أنحاء العالم، بعد أن ترجمت إلى معظم اللغات. وقد اقتبس منها، حديثاً، فيلم ضخم يعرض في كثير من دور السينما في العالم ويشهد إقبالاً فائقا على أشهر فيلمين عالميين هما: «ذهب مع الريح» و»صوت الموسيقى». لكن من يقرأ الرواية يلمس الفرق الكبير بينها وبين الفيلم، الذي يمكن اعتباره صورة مشوهة عنها، لأن الرواية التي كتبها ماريو بوزو أجمل وأغنى بالأحداث وأعمق بالتحليل من الفيلم. وبالرغم من أن هذه الرواية تشد القارئ إليها وتتركه مذهولاً، فإنها تعطي أصدق صورة عن تحلل المجتمع الأمريكي الذي يخضع، حتى أعلى مستوى فيه، لنفوذ عصابات «المافيا»، هذه العصابات التي يمثل دون كورليون «العراب» رأساً من رؤوسها الخطيرة ويمثل أولاده فيها أدوار القتل والإجرام والجنس والوحشية... إن «العراب» إدانة للمجتمع الأمريكي وللإجرام الرأسمالي الذي يقوم عليه، والذي يخلق هذه الطبقة من «المافيا» ذات النفوذ الخطير الممتد إلى النقابات ومجلس الشيوخ وسائر السلطات التي تشد خيوط الحياة الأمريكية. وفى عام 1971 تحمس المخرج الإيطالي الأصل فرانسيس فورد كوبولا للرواية وقرر أن يقوم بإخراج فيلم مأخوذ عنها وكان عمره وقتها لا يتعدى 35 عاما، لذا اشترك الاثنان (ماريو وكوبولا) في كتابة السيناريو، حيث لا تختلف أحداث الفيلم عن أحداث الرواية الأصلية، وقد خرج في ثلاثة أجزاء وبدأ العمل فيه عام 1971 وخرج الفيلم إلى النور في عام 1972 وأحدث ضجة في الشارع الأمريكي لم يحدثها أي فيلم في هذه الفترة من قبل وقام ببطولة الفيلم الممثل الكبير مارلون براندو في دور دون فيتو كورليوني وشاركه في البطولة ألباتشينو في دور الابن مايكل كورليوني وقد نال الفيلم 3 جوائز منها أفضل ممثل في دور رئيسي لمارلون براندو، الذي لم يحضر لتسلم جائزة الأوسكار آنذاك، بل أرسل بدلا منه فتاة هندية في لفتة إنسانية منه إلى حال الهنود في أمريكا وترشح الفيلم ل8 جوائز أوسكار، منها أفضل ممثل مساعد لألباتشينو. وللعلم، فإنه كان هناك زعيم حقيقي للمافيا يدعي كورليوني ويعتبر من أكثر الزعماء وحشية ودموية وعاش في الفترة ما بين (1900 - 1960) وبالطبع فإن المعلومات ضئيلة جداً عن شخصية مثل هذه، ويقال أن ماريو بوذو المؤلف الإيطالي استوحي ثلاثيته الشهيرة من أحداث حقيقية وشخصيات حقيقة بل إن هناك من يقول أن شخصية المطرب آل مارتينو والذي جسدها المطرب الأمريكي الجنسية الإيطالي الأصل جوني فونتانا والذي كان ابنا بالتبني لدون كوريوني في الفيلم هي شخصية حقيقية بل والمفاجأة إن هذه الشخصية هي المطرب الأمريكي العالمي الراحل فرانك سيناترا والذي عُرف عنه علاقاته القوية مع زعماء المافيا لدرجة أنهم كانوا يعتبرونه الابن المدلل لهم، ويعتقد غالبية الأمريكان أن فرانك سيناترا هو بالفعل جوني فونتانا في فيلم الأب الروحي !!!