مع تطور أشكال الاحتجاج على مستوى الإنتاجات الرمضانية، فُتِح، مؤخرا، في الوسط الإعلامي والنقدي نقاش عميق حول الدور المفترَض للهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري في عملية التقويم والتقييم ومراقبة ما يُبث على القنوات العمومية وشبكتها البرامجية من أعمال درامية أو كوميدية تختلف مستوياتها وتأثيراتُها على المتلقي المغربي. وإذا كنا نُقر بشكل صريح بأن الدور الوظيفي للهيأة العليا للاتصال يتركز، بصفة أساسية، على تقنين القطاع ومراقبة المنشآت العامة والخاصة ومراقبة مدى احترامها دفتر التحملات، الذي وُقِّع مع الهيأة، فإن مسؤولية الهيأة في ما يقدم من إنتاجات تلفزيونية، على وجه الخصوص، لا يمكن أن تكون منعدمة، كما أن صمتها الرهيب على ما «يُقترَف» باسم الفن والإبداع لا يمكن أن يبرر تحت أي طائل، اللهم إذا كان هناك إصرار بيِّن على إقفال باب الاجتهاد وتعطيل أي أفق للمساهمة في رقيّ الإنتاج الدرامي وخدمة التلفزيون وحماية المشاهد مما يُقدَّم على قنواته. يجب أن يستند الدور المراقبة هذا المفترَض للهيأة ينص على احترم مبدأ التنوع، الذي ينص عليه دفتر التحملات، بمعني أن التركيز على جنس أحادي (الكوميديا) في عملية الإلقاء والتلقي عبر الشبكة الرمضانية يُفرِغ التنوع من أي محتوى، وما دام أن الرهان على هذا الجنس لم يتأسس على أي دراسة علمية تسوغه، فإن هذا يطرح إشكالا حقيقيا، على اعتبار أن القنوات تُصِرّ على تقديم «أي» منتوج، بصرف النظر عن قيمته، لتحقيق «الكوطا» الرمضانية، غيرِ المبررة. وثاني المشاكل أن الرهان على هذا الجنس الأحادي يُعطّل الوظائف المفترَضة الأخرى للقنوات (التثقيف والإخبار...) ما يسقط المنشآت العمومية في عائق غياب التوازن بين الوظائف، في ضرب وغياب التنوع على مستوى الأجناس الإبداعية، وللهيأة في هذا الأمر دور واضح لا لبس فيه وغير قابل للصمت الملتبس. ويقوم الدور الافتراضي للهيأة على إلزام القنوات بضرورة تحقيق مبدأ التوازن بين شركات الإنتاج، على اعتبار أنه من وظائف المرفق العام أن يُشجّع المنتوج الوطني عبر تشجيع شركات الإنتاج. ويكشف واقع الحال الآن عن هيمنة شركات إنتاج بذاتها تتقاسم «الكعكة» الرمضانية ، دون أن تتأسس العملية على إطار قانوني واضح (طلب عروض مثلا). ودون أن تتدخل الهيأة العليا الساهرة -افتراضا- لتجتهد لجهة تشجيع المنتوج المحلي وتكافؤ الفرض بين شركات الإنتاج. ويتأسس الدور الافتراضي للهيأة على أهمية وضع شبكة -معيار توضح بشكل لا لبس فيه الصيغة النموذجية للتعاطي مع الشبكة الرمضانية، على اعتبار أن نسخ القانون الفرنسي ومحاولة إسقاطه على الواقع المغربي لم يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية والمجتمعية. فإذا كانت الشبكات البرامجية الفرنسية تنقسم إلى واحدة عادية وثانية صيفية، فللقنوات العربية والمغربية شبكة رمضانية، إما أن يفرض أن يحترم فيها التنوع، كما في الأيام العادية، أو يتم وضع شبكة -معيار تقي المشاهد من ثقل وتفاهة ما يُقدَّم، أحيانا كثيرة، باسم الإبداع وما هو كذلك... وإذا كان الإقرار بعدم تنصيص دفتر تحملات القنوات على دور واضح للهيأة في الجانب المتعلق بالجودة والإبداع بديهيا، فإن هناك مجالا مفترضا غير يسير للاجتهاد عبر الحرص على احترام الناشئة من مستوى ما يقدم من إنتاجات، لاسيما ما يتعلق بالترويج لثقافة العنصرية والتخويف وتكريس الثقافة السطحية. كما أن هذا «الاجتهاد» يجب أن يقوم على الرقي بقيم الإبداع والدفاع عن قيم الحضارة وعلى المساهمة في تطوير المجال الفني، وهذا دور ينص عليه الظهير المؤسِّس للهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري. وإذا كانت الهيأة قد سارعت، قبل أشهر، بشكل استباقي إلى تشكيل خلايا عمل للتعدد والتنوع الإثني والرياضة، فهي، اليوم، أمام اختبار للنوايا الحقيقة للمشرفين عليها، بتفعيل باب الاجتهاد الخلاق بتشكيل خلية لدعم الدراما من خلال التوافق والانفتاح على المكونات النقابية والفنية والجمعوية ذات الاختصاص لخدمة الإبداع في حد ذاته وحماية الجمهور مما «يقترفه» بعض الفنانين والمنتجين من «جرائم» تحت ذريعة دعم الدراما.