كنا عندما نعود من المدرسة، نرمي محفظاتنا في أي ركن من البيت، نلتهم كسرة خبز على عجل ونخرج إلى الشارع مثل شياطين كي نلعب قبل أن ينتهي النهار، ولكل موسم ألعابه: الشتاء فصل «البيّ» و«غميض البيض» والتراشق بالثلج الذي لا يخلف موعده مع المدينة، والصيف فصل «الرولما» و«السنسلة» و«ركبو ركبو على خيولكم» و«البوليس والشفارة» و«التعاون الوطني»، وفي رمضان يأتي وقت «لمّاطر» و«لاستيك» ومفرقعات «الكلخ» و«الجيكس» الذي تشتريه أمهاتنا لغسل الأواني وينتهي، على أيدينا، نجوما مشتعلة في السماء... كرة القدم، طبعا، كنا نلعبها في كل وقت، نكتتب كي نشتري كرة مطاطية بثلاثة دراهم، نلعب بها في النهار ونتشاجر عليها في الليل، كل واحد يريد أن يحتفظ بها، في النهاية نمزقها إلى مربعات صغيرة، ونفرقها بالتساوي قبل أن ننصرف لننام. كنا نحب «لامارييّ» أيضا، لكننا نلعبها سرا كي لا يصفنا أحد الناقمين بالبنات، شتيمة الشتائم في تلك السنوات الخشنة. ألعابنا البدائية لم تكن تكلف أسرنا أي شيء، ماعدا السراويل والأحذية التي تتمزق بسرعة، وقناني «الدواء الأحمر» لدهن الجروح التي نرجع بها في آخر النهار، كأننا كنا في الحرب. الحرب التي كنا نشنها على الفتيات في رمضان. بعد كل فطور، نتحول إلى ميليشيات آداب تجوب أطراف المدينة، سلاحنا «جباد» من «لاستيك» وذخيرتنا قطع سلكية مسمومة، نصنعها من أسلاك الدفاتر. كنا نصوب «الجباد» في اتجاه سيقان الفتيات «اللواتي يلبسن تنورات قصيرة، الضربات لاسعة تجعل الساق تنزف. ننفذ عملياتنا ونهرب كأي إرهابيين صغار، نعود إلى الزنقة لاهثين ونأخذ دراجاتنا النارية كي نذهب إلى المقبرة. طبعا، لم تكن دراجاتنا من نوع سكوتر أو ياماها أو حتى 103، بل مجرد براميل زيت مقطوعة تخترقها عصا نمسكها من الجانبين، وداخل البرميل نشعل شمعة تضيء لنا الطريق نحو مغامرات مجنونة. في المقبرة أيضا، كنا نلعب إحدى أغرب الألعاب: لعبة «المملكة». كان ثمة منبر حجري في ساحة تمتد جنب القبور، تقام فيها صلوات الجنازة والأعياد تسمى «المصلى». تحت المنبر نضع كرسيا يجلس عليه ملك الزنقة وعلى رأسه تاج، كأنه على عرش حقيقي. أما قبعات «الكرطون» التي كتبنا عليها بالأحمر والأخضر: «الله، الوطن، الملك»، فكنا نلبسها نحن الرعية. الجميع كان يتأبط قصبة غليظة، نستعملها في التنكيل بكل من يتجرأ على الاقتراب من «المملكة» التي أعلناها من طرف واحد... دون علم الحسن الثاني!