كيف كانت حياة السيدات الأوليات للبيت الأبيض؟ وأي دور لعبنه في المسار السياسي لأزواجهن؟ وكيف كانت علاقتهن بالمجتمع الأمريكي؟ وكيف واكبن نشأة وتطور الولاياتالمتحدةالأمريكية لتصبح أكبر قوة عالمية؟...من مارتا واشنطن إلى ميشيل أوباما حلقات تزيح الستار عن حياة وأسرار السيدات الأوليات بالولاياتالمتحدةالأمريكية على مدار التاريخ. كان لفلورانس الأثر الكبير في الصعود بزوجها وارين هاردنغ ليكون الرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدةالأمريكية، لكن بعد سنتين من توليه المنصب فقط توفي الرئيس بشكل مفاجئ وغامض ورفضت أرملته فلورانس خضوعه لتشريح طبي حتى إنه في الكثير من المؤلفات حول هاردنغ أشارت إليها أصابع الاتهام بالتخلص منه عن طريق تسميمه. فتاة متمرد كانت فلورانس كبرى أولاد عاموس كلينغ، المصرفي وتاجر العقارات والآلات الحديدية، والوحيدة على شقيقيها كليفورد وهانفورد. أبصرت فلورانس النور في الخامس عشر من غشت عام 1860 بماريون بولاية أوهايو. ومابين سنوات 1866 و1876 تلقت تعليما بالمدارس الابتدائية والإعدادية بماريون، ثم التحقت بمعهد لتكوين الأطر التعليمية في العلوم والآداب، وبعد ذلك بالمعهد الموسيقي لمدينة سينسيناتي خلال الموسم الدراسي 1877/1778 لإتقان العزف على آلة البيانو، وهو ما جعلها عازفة حفلات معترف بها. في نفس الوقت كانت فلورانس تساعد والدها منذ طفولتها في محل بيع المعدات الحديدية. وعندما بلغت التاسعة عشرة من عمرها بدأت تفر من رقابة والدها فقامت بالهرب من مدينة ماريون صوب مدينة غاليون مع صديقها منذ الطفولة هنري دوولف، الذي كان يكبرها بسنة واحدة وكانت حاملا منه. قيل إن فلورانس تزوجت بهنري، لكن لا توجد وثيقة رسمية تؤكد هذا الزواج، مما أدى إلى الاعتقاد بأنهما لم يتزوجا مدنيا، بل ارتبطا بعقد عرفي لأن ولاية أوهايو في ذلك الوقت كانت تعترف بهذا النوع من الزواج. أنجبت فلورانس طفلا أسمته أوجين مارشال دوولف، وأعال هنري أسرته الصغيرة من خلال عمله في حلبة تزلج بالمدينة، لكن بعد سنتين تدهورت العلاقة بين الزوجين الشابين بسبب إدمان هنري على شرب الخمر، مما جعل فلورانس تتقدم بطلب الانفصال الجسدي بسبب الإهمال وسوء المعاملة عام 1884، ثم تقدمت بعد ذلك بطلب الطلاق في ماي من عام 1886 وحصلت عليه بعد شهر واحد لتعود إلى ماريون، لكنها رفضت بإصرار العودة إلى منزل الأسرة ورفضت أيضا عروض والدها لمساعدتها، وقررت الاعتماد على نفسها من خلال العمل أستاذة للموسيقى. كما اكترت غرفة بمنزل أحد أصدقائها حيث عاشت رفقة طفلها أوجين. فلورانس رئيسة مطبوعة في عام 1890 ربطت بين فلورانس (30 سنة) ووارين هاردنغ، صاحب مطبوعة «ماريون ستارز»، الذي يصغرها بخمس سنوات، علاقة غرامية لم تحظ بموافقة والدها عاموس، الذي وجد ابنته غير موفقة في اختيارها، وذهب به الأمر إلى حد اعتراض طريق وارين وتهديده بالابتعاد عن ابنته فلورانس، لكنهما قررا الارتباط وحددا تاريخ 8 يوليوز من عام 1891 موعدا لعقد قرانهما، فوافق عاموس كلينغ على مضض. وكان سبب رفض عاموس كلينغ هذه الزيجة أن وارين كان قد عانى سابقا من انهيار عصبي لمدة سنتين، أدخل بسببه إلى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية حيث ظل مدة سنتين. بعد أربع سنوات من زواجهما عانى وارين مرة أخرى من مشكل نفسي وغادر ماريون صوب مشيغان طلبا للعلاج بأحد المستشفيات هناك، لتتولى فلورانس إدارة شؤون مطبوعة «ماريون ستار» وتطويرها فنيا وتقنيا، حيث اقتنت آلة طباعة جديدة وخلقت خدمة التوصيل المجاني للمطبوعة ومدت العاملين بصفارة تُعلم كل قارئ بأن مطبوعته قد وصلته وهي تحت باب منزله. كما استعانت بجان ديكسون، أولى صحافية في ولاية أوهايو، الأمر الذي ساهم في رفع مبيعات «ماريون ستارز». ورغم عودة وارين استمرت فلورانس في منصبها مسيرة للمطبوعة، فيما صار زوجها مدير النشر. نجاح «ماريون ستارز» أدى بالثنائي هاردنغ إلى عقد صداقات مع رجال الساسة، وهو ما جعل فلورانس تحث زوجها على الانخراط في عالم السياسة ليتمكن بالفعل من أن يصبح سيناتورا منذ عام 1900 ثم حاكما عاما عام 1906. عانت فلورانس من مرض في الكلى عام 1905 مما جعلها تخضع لعملية جراحية، وخلال غيابها ارتمى وارين في أحضان صديقتها المقربة كيري فيلبس فيولتن، المتزوجة من أحد الجيران، واستمرت علاقتهما ست سنوات قبل أن تكشفها بالصدفة فلورانس وتطلب الطلاق من وارين الذي رفض طلبها، وتعهد لها بأن يقطع علاقته بعشيقته على الفور.غير أن وارين سرعان ما ارتمى في أحضان نساء أخريات من معارف زوجته، منهن سوزان هودر، التي تردد أن ابنتها ماريون لويز هي ثمرة علاقتها بوارين. نبوءة مارسيا تتحقق في عام 1914 سيغادر الثنائي هاردنغ ماريون صوب واشنطن بعد أن انتخب وارين عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي، ولم يفوت فرصة نشر مقالته بمطبوعة ال«واشنطن بوست». أما فلورانس فعقدت صداقة مع أليس روزفلت، ابنة الرئيس الأسبق ثيودور روزفلت، وجمعتهما هوايات مشتركة، منها حبهما الكبير للحيوانات الأليفة والتردد على المنجمين لمعرفة الطالع. كانت فلورانس تتردد على المنجمة مارسيا شامبري، التي أخبرتها بأن زوجها وارين سيحظى بدعم الحزب الجمهوري وسيتقدم إلى الرئاسة وسيفوز بها، لكنه سيموت قبل أن يكمل ولايته. فقدت فلورانس ابنها أوجين عام 1915 لتتولى تربية حفيديها جون وجورج. وفي عام 1921 تحققت نبوءة مارسيا وأصبح وارين الرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدةالأمريكية، ودخل البيت الأبيض. وقد ساهمت فلورانس في نجاح زوجها من خلال تصريحاتها الصحفية الداعمة لزوجها بأهم الصحف الأمريكية، من بينها «نيويورك تايمز». وكانت أولى زوجة مرشح للرئاسة تدلي بأحاديث صحفية من هذا النوع. وبعد فوز زوجها صرحت بأنها تريد من المرأة الأمريكية أن تفهم أكثر من يحكمها، لذلك فتحت باب البيت الأبيض ليس فقط للنساء السياسيات، بل أيضا للعاملات والأمريكيات من أصول إفريقية وطالبات المدراس، وطالبت بحق التصويت للمرأة. واستقبلت أيضا العالمة ماري كوري. قادت فلوارنس حملة لمقاطعة شراء السكر عندما أصبحت أسعاره باهظة الثمن بالنسبة لمعظم الأسر الأمريكية، كما دعت إلى الاهتمام بوضعية المرأة السجينة وأطفالها وعدم اختلاطهم بالمساجين الرجال، وهو ما أدى إلى إنشاء إصلاحية ألدرسون، التي تعد أولى إصلاحية حصرية للنساء في الولاياتالمتحدةالأمريكية. في عام 1923 تحقق الجزء الثاني من نبوءة مارسيا حين كان الرئيس عائدا من زيارة لولاية ألاسكا فأصيب بوعكة صحية توفي على إثرها بفندق بشيكاغو. شك المحيطون بالرئيس أن يكون تعرض لتسمم وطالبوا بإجراء تشريح لجثته، لكن زوجته فلورانس رفضت ذلك بإصرار. وبعد مراسيم الدفن غادرت أرملة الرئيس البيت الأبيض وعادت إلى مدينة ماريون، لكنها سرعان ما عادت إلى العاصمة واشنطن، وبعد فترة ستغادرها بعد تورط صديق لها في قضايا رشوة، وكانت وجهتها أوربا، حيث ستحل ضيفة على سفير أمريكا بإسبانيا. عادت فلورانس إلى ماريون في نفس السنة حيث ستتضاعف معاناتها مع مرض الكلى وتسلم الروح عام 1924.