سيكون رمضان البيضاء لهذه السنة استثنائيا بكل المقاييس وسيعيش البيضاويون أيامه وهم أحوج إلى كثير من الصبر وإلى غير قليل من سعة الصدر، والحال أن الكثير منهم يقضون سحابة يومهم بأعصاب مشدودة بسبب زحمة المرور، التي تزداد حدة خلال شهر الصيام، الذي بدأه المغاربة أمس الثلاثاء حارا، خانقا، في صيف قائظ يزيد متاعب قليلي الصبر وسريعي «الانفجار». أينما وليت، اليوم، وجهك في المدينة /الغول تصادفك الأشغال، التي صارت مرادفا لساعات طويلة من الانتظار، وصخب المنبهات وقاموس بذيء من السباب بين مستعملي الطريق، بأصنافهم، ممن لا تُغنيهم عشرات اللوحات، التي تختار من كلمات الاعتذار أجملَها، عن ممارسة هواية السب والشتم وشد الخناق كلما تعذر السير بسلاسة. منذ أشهر خلَت صارت المدينة ورشا مفتوحا، وحولت أشغال الترامواي العيش فيها أشبه بقطعة عذاب، بل هي العذاب بعينه. وطيلة هذه الأشهر التي سيكتب لها أن تستمر إلى أجَل قيل إنه نهاية السنة المقبلة، سيكون على من ساقه القدَر في هذا الشهر الفضيل إلى واحد من شوارع المدينة أن يتحلى بكثير من الشجاعة لخوض غماره، والحال أن كل ساعات اليوم تصير ساعة ذروة، خلافا لمقياس عالمي يربط ساعاتها بمواقيت العمل الرسمية. وإذا صدق مسؤولو مجلس المدينة، وغالبا ما لا يفعلون، حين يقولون إن الاختناق الحالي الذي تعانيه العديد من الشوارع الرئيسية في المدينة ما هو إلا اختناق مؤقت، فإن أكبر ما يخيف البيضاويين اليوم هو أن يصير المؤقت دائما ويكون على الآلاف ممن يستعملون وسائل النقل، الخاصة والعمومية، أن يعيدوا التفكير ألف مرة قبل الخروج إلى الشارع، لمواجهة جحيم السير، والأكثر دهاء بينهم فضلوا أن يزامنوا عطلتهم السنوية مع شهر العبادة، مبتعدين عن زحمة السير التي تفور معها الأعصاب وتؤدي بالواحد إلى أن يفقد رصيده من الحسنات التي يجمعها في التراويح وسائر العبادات التي ينبعث مريدوها بعد خمول. جميل أن تكون للعاصمة الاقتصادية وسيلة نقل جماعية تعيد إلى المواطنين بعضا من إنسانيتهم، المفقودة، وجميل، أيضا، أن يخوض من يدبرون أمر مجلس المدينة تحدّيّ تحسين شبكة النقل الجماعي التي تعاني نقصا عدديا وضعفا في الجودة وتمركزا في الطرق الرئيسية، فضلا على أنها تشكل عبئا ماليا إضافيا على السكان. وما أحوجنا إلى منتخبين يكون لديهم هدف نبيل يرغبون معه في تجنيب المدينة أزمة مرورية خانقة خلال السنوات القادمة التي ستعرف مضاعفة من عدد من يختارون البيضاء مكانا للإقامة أو العمل، حتى لو كلف الأمر أزيد من 600 مليار سنتيم تُقتطَع من جيوب دافعي الضرائب... لكنْ، سيكون الأمر أجمل لو ترك المنتخبون، بتلاوينهم السياسية ودرجات وعيهم المتباينة، خلافاتهم المستعرة منذ أسابيع جانبا، ويعيدوا ألسنتهم إلى أغمادها، ولعلهم سيجدون في شهر الصيام أفضل فرصة لذلك، ويجنبوا مجلسهم ورئيسه، مزيدا من الإحراج مع ملايين البيضاويين، الذين اختاروهم لمهمة تمثيلهم، بعدما وثقوا في عشرات الوعود التي وزعوها ذات حملة انتخابية.. وعود بالعشرات، لو تحقق عُشرها لعاش أهل البيضاء في بحبوحة ولَما اضطر الآلاف منهم إلى أن يجتازوا الصراط المستقيم، كل يوم، في طريقهم إلى مقرات عملهم، ولَما اضطر مثلهم إلى انتظار حافلات مهترئة تحت شمس لافحة أو سيارات أجرة مجنونة تهدد سلامتهم في اليوم أكثر من مرة.. ولو كان بمقدور كل هؤلاء، لأخذوا عطلة مفتوحة عن العمل، في شهر المكرمات هذا، ليتفرغوا للعبادة وجني الحسنات، في انتظار أن يُعلن أصحاب «نعمة الترامواي» نهاية الأشغال.