هناك قاعدة أساسية يتعلمها طلبة معاهد الصحافة في العالم تقول إن الخبر الناجح هو الذي يتوفر فيه أحد العناصر التالية: إما الحديث عن الملك، أو الدين، أو الجريمة، أو الجنس. وعندما تتحقق أغلب هذه العناصر أو كلها في خبر واحد، فإن الخبر يكون صاعقا في نجاحه. وتلخص النظريات الصحفية اجتماع أسس الخبر الناجح في عبارة «يا إلهي.. الملكة حامل.. من فعلها؟». هذه الأيام تحققت كل هذه العناصر في خبر واحد يقول «يا إلهي.. رشيدة داتي حامل.. من فعلها»؟، فهذه المرأة التي تعتقد نفسها فرنسية، ويعتقد العالم كله أنها مغربية، أصيبت بالمراهقة المتأخرة، وانتفخت بطنها وهي في الثالثة والأربعين عاما، وترفض أن تدلي بهوية الفاعل، ورغم كل ذلك فإنها تبدو غير مكترثة تماما، وتستعير من المتنبي قوله: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرّاها ويختصم. الجميع يريد اليوم أن يعرف من فعلها، وهل هو مغربي أم فرنسي، خصوصا وأن أثنار المسكين سقط في الفخ وقال إنه ليس الفاعل، بينما داتي تبدو سعيدة بجعل الناس يخمنون ويتساءلون. إنها وزيرة للعدل في دولة نووية عظمى، ومع ذلك مازالت تحب لعب الكاش كاش. عائلة رشيدة داتي لا يزال أفرادها يقيمون في منطقة سباتة في الدارالبيضاء، وهي زارتهم قبل بضعة أشهر وقالت إنها تزور المغرب كمواطنة فرنسية. هناك أغنية شعبية تقول «واحد.. جوج.. ثلاثة.. بّاك مشى لسباتة»، وهي أغنية يمكن تحويرها فتصبح «واحد.. جوج.. ثلاثة.. رشيدة مشات لسباتة»، أي أن الفاعل يمكن أن يكون من سباتة، إنه أحد أولاد الدرب الذي يريد أن يحْرك إلى فرنسا، فوجد في داتي القنطرة المناسبة. المشكلة أن داتي منذ أن تولت حقيبة وزارة العدل الفرنسية لم تتوقف عن الظهور بمظهر المرأة الفاتنة التي تغوي الجميع رغم تواضع جمالها. وفي الشهور الأولى لتوليها المنصب الوزاري، تداولت الصحف الفرنسية خبر تزويرها لشهادات دراسية، وبعد ذلك تم القبض على أحد إخوتها بتهمة المتاجرة في المخدرات، ثم ظهرت في موقع يوتوب وهي ثملة تترنح ذات اليمين وذات الشمال، وفي النهاية فعلتها.. والفاعل مجهول والعياذ بالله. لكن في الوقت الذي تبدو فيه الوزيرة المغربية، التي تعتقد نفسها فرنسية، غير معنية بما يجري، فإن أكبر ضحايا حمقها هو الوزير الأول الإسباني السابق خوسي ماريا أثنار، الذي ستضحك عليه وسائل الإعلام الإسبانية لوقت طويل بعد أن اضطر شخصيا إلى نفي إشاعة علاقته برشيدة داتي واحتمال أن يكون هو الأب غير الشرعي. البداية كانت حين نشر موقع إلكتروني مغربي الإشاعة، واعتقدت وسائل إعلام إسبانية أن الموقع هو لمجلة فرنسية شهيرة تحمل نفس الاسم، وقالت صحف إسبانية إن الموقع يحظى باحترام ويعرف بجديته، فانتشرت الإشاعة انتشار النار في الهشيم. الكاتب الصحافي الإسباني خايمي بينيافيل، يقول في مقال له إن أثنار لو استشاره في الموضوع لنصحه بألا يرد على الخبر وألا ينفي علاقته برشيدة داتي، وقال بينيافيل: «عندما تسكت عن إشاعة، فيبدو كأنك تقبل، لكن عندما تنفيها، فإنك تساهم في انتشارها»، ويضيف: «الصمت صديق لا يخون أبدا، وأثنار كان عليه أن يصمت». أثنار يكره المغرب، والمغاربة يبادلونه نفس المشاعر الجياشة. وخلال النزاع على جزيرة تورة (ليلى)، نشرت مواقع إلكترونية خبرا يقول إن أثنار هو من أب مغربي، وإن والده من منطقة شمال المغرب شارك في الحرب الأهلية الإسبانية وتعرف على امرأة إسبانية فولدا أثنار. هذا الخبر يبدو للجميع مجرد دعابة، لكنه يعكس أيضا أن المغاربة خصصوا الكثير من الإشاعات الموجهة نحو أثنار، واعتبروا أن السخرية من هذا الرجل الحقود هي أفضل طريقة للانتقام منه بعد أزمة الجزيرة. هناك مسألة أخرى، وهي ليست إشاعة، حيث تقول نظرية تاريخية إن أجداد أثنار عرب أندلسيون سكنوا منطقة «حصن النار» في الأندلس، وأن لقب أثنار هو تحوير لحصن النار. المؤرخون يقولون إن بعض الأندلسيين الذين تحولوا مكرهين إلى المسيحية بعد سقوط غرناطة، أصبحوا مع مرور الوقت من أشد المعادين للعرب والإسلام. هناك مسألة أخيرة، وهي أن علاقة أثنار بزوجته متردية وكانا على وشك الطلاق لولا نصائح القساوسة، وهو يزور فرنسا كثيرا ويبقى مع صديقه ساركوزي لأيام، وداتي لا تفارق ساركوزي... ربما يكون الخبر صحيحا.