"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المراجعات في تجربتي الجماعة الإسلامية إلى الجهاد..السيـاق والمـلامح والآليـة
نشر في التجديد يوم 14 - 12 - 2008


عشر سنوات مرت، منذ أن أصدر ستة من القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية المصرية، في الخامس من يوليو 1997, بيانا قصيرا أعلنوا فيه دعوتهم إلى وقف كافة الأعمال القتالية داخل البلاد وخارجها. قد عرف هذا البيان بعد ذلك بـ مبادرة وقف العنف، وكان إيذانا بإحداث تغيرات كثيرة على المشهد المصري، لسببين: أولاً- لأن الجماعة كانت مسئولة عن أكثر من 95% من عمليات العنف في فترة التسعينيات. ثانيا- لأنه قد فتح المجال أمام ظهور عملية المراجعات الفقهية، والتي ارتبطت مصطلحا ومضمونا بتلك العملية الفكرية المعقدة والطويلة التي قامت بها الجماعة الإسلامية، وامتدت بعد ذلك بعشرة أعوام إلى الجماعة الإسلامية الثانية الأكبر في مصر، وهي تنظيم جماعة الجهاد، الأمر الذي يؤكد أن ثمة تحولات على الحالة الإسلامية في مصر. حول هذه المراجعات وطبيعتها ودلالاتها وإشكاليات ومعوقات هذا التحول وتأثير هذه المراجعات على الحركات الإسلامية في مصر والسيناريوهات المتوقعة للعلاقة بين الدولة والحركات الإسلامية بعد إتمام هذه المراجعات، عقد مركز الدراسات السياسية والإستراتجية بالأهرام ندوة نظمت السنة الماضية تحت عنوان: المراجعات.. من الجماعة الإسلامية إلى الجهاد. وضمت الندوة عددا من الخبراء والمتخصصين في شئون الحركات الإسلامية لمناقشة هذه المحاور والوقوف على الأبعاد المتعددة لظاهرة المراجعات نظريا وعمليا. سياق المراجعات يستلزم الحديث المدقق عن المراجعات تحديد معناها من الناحية النظرية ومضمونها في حالتها التطبيقية لدى الجماعتين الإسلاميتين المصريتين. هذا ما يؤكد عليه الأستاذ ضياء رشوان الخبير في الجماعات الإسلامية ورئيس تحرير دليل الحركات الإسلامية في العالم الصادر عن مركز الدراسات السياسية بالأهرام. ويرى رشوان أن الأقرب للدقة هو أن المراجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية وتشرع حاليا جماعة الجهاد في الانتهاء منها ينصرف معناها إلى إعادة قراءة مزدوجة قامت بها الجماعة الأولى وتستكملها الثانية حاليا. القراءة الأولى للأفكار التي كانت الجماعتان تتبنيانها في الماضي، والقراءة الثانية لهذا الماضي نفسه وما قامتا به من أعمال وممارسات صارت اليوم جزءا من التاريخ. هذه القراءة المزدوجة تضمنت بداخلها عمليتين سارتا بشكل متواز ومتداخل وكانت حصيلتهما هي ما صرنا نطلق عليه المراجعات: الأولى هي النقد العميق والجذري لأفكار الماضي وممارساته، والثانية هي صياغة نسق فكري وأيديولوجي جديد منقطع الصلة بالقديم تبنته الجماعتان وصار هو المحدد لحركتهما في الحاضر والمستقبل. أما مضمون المراجعات فهو في الحالتين قيام كل من قيادات وأعضاء الجماعتين بتحويل الموقف المبدئي الذي اتخذتاه منذ عام 1997 بوقف اللجوء إلى العنف إلى موقف فكري يستند على أسس شرعية ونظرية تتوج هذا القرار وتحوله من مجرد قرار حركي إلى نهج فكري وعملي تتحول بموجبه الجماعتان من فئة إلى أخرى من فئات الحركات الإسلامية. فالجماعتان كانتا منذ تأسيسهما وحتى قرار وقف العنف تنتميان إلى ما يطلق عليه الجماعات الإسلامية الدينية الجهادية المحلية التي كانت تعتقد أن الخلل الحقيقي يقع في عقائد المسلمين نظما ومجتمعات وأفرادا، وأن تصحيح تلك العقائد هو المهمة الأولى التي لا يمكن إنجازها سوى باللجوء إلى العنف والقتال الذي اصطلحوا على تسميته جهادا، والذي يفتح الطريق حسب تصورهم أمام إعادة أسلمة المجتمع والدولة وتأسيسهما من جديد على قواعد الإسلام الصحيح. وباتخاذ قرار وقف العنف وإتمام المراجعات الفكرية من جانب الجماعة الإسلامية ودخولها للمراحل الأخيرة من جانب جماعة الجهاد، تنتقل الجماعتان إلى فئة الجماعات الإسلامية السياسية - الاجتماعية السلمية الوسطية التي لا ترى خللا في عقائد المسلمين أفرادا ودولا ومجتمعات ولا تبيح ممارسة العنف بأي صورة ضدهم، بينما تضع في مقدمة أولوياتها إعادة تنظيم أوضاعهم الدنيوية وفقا لما ترى أنه قواعد الشريعة الإسلامية التي لا يمكن تطبيقها سوى بالوسائل السلمية. وبالتالي فما يحدث هو انتقال من ساحة جماعات الغلو والتشدد الضيقة والمحدودة سواء في التاريخ أو الواقع الإسلامي، إلى ساحة الجماعات الوسطية المعتدلة الواسعة والتي تمثل صلب التاريخ والواقع الإسلامي. هذا الجوهر للتحول الكبير للجماعة الإسلامية أولا ثم لجماعة الجهاد حاليا يعد الأبرز والأكبر من نوعه الذي يجري في العالم كله خلال العصر الحديث. فالجماعتان من حيث الحجم تعتبران من الجماعات الكبيرة حيث تضمان آلافا عدة من الأعضاء، وهما من حيث ممارسة العنف كانتا الأكثر لجوءا إليه خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي والمسئولتان عن كافة عمليات العنف والإرهاب التي عرفتها مصر خلال تلك الفترة. ورغم اتفاق سياق المراجعات في الحالتين في عديد من العناصر، فمن الأهمية القول أن سياق مراجعات الجماعة الإسلامية بدا مختلفا إلى حد ما عن ذلك الذي أحاط بمراجعات جماعة الجهاد. ففي داخل مصر وبالنسبة للجماعة الإسلامية، كان عام 1997 الذي أصدرت في منتصفه مبادرتها لوقف العنف يمثل العام الخامس من العنف الديني المتواصل الذي تقوم به في مختلف مناطق مصر وبخاصة في محافظات الجنوب، والذي أوقع آلاف الضحايا القتلى والجرحى في صفوف رجال الأمن وأعضاء الجماعة والمواطنين والسائحين الأبرياء العزل. في نفس الوقت وعلى الصعيد الإقليمي ومع مطلع عام 1996كانت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل تتخذ مسارا تصادميا واسعا نتج عن أمرين رئيسيين: أولهما هو الصعود الكبير في شعبية أحزاب اليمين الإسرائيلي المتشدد، والثاني هو بدء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى الوطنية والإسلامية القيام بعمليات نوعية ضد أهداف إسرائيلية. وضمن هذا السياق بدا واضحا أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية قد دفعت الجماعة الإسلامية لكي تعلن مبادرتها وتبدأ عملية المراجعة الكبيرة. العامل الأول الرئيسي يتعلق أكثر بالسياق الإقليمي، حيث ظلت الجماعة الإسلامية ترى منذ قيامها، في أفكارها وسلوكها، أن العدو الرئيسي لها هو الدولة المصرية بمنطق أن العدو القريب أولى بالمواجهة والقتال من العدو البعيد، ذلك على الرغم من استمرار أدبياتها النظرية في الحديث عن الدول العبرية باعتبارها العدو البعيد. أما العامل الثاني الرئيسي الذي أحاط بتحول الجماعة الإسلامية فقد مثلته النجاحات النسبية التي حققتها تجاهها السياسة الأمنية الحكومية والتي أوصلتها إلى الاعتراف بما أسمته قياداتها حينئذ الهزيمة العسكرية. ولا شك أن تلك السياسة الأمنية الصارمة قد خلخلت صفوف الجماعة الإسلامية بصورة راحت تهتز معها محاولة التماسك الذي لم تجده سوى بإعادة النظر في مفاهيمها وأفعالها ومراجعتها جذريا، تمهيدا للتحول لجماعة إسلامية سياسية - اجتماعية سلمية. وقد غيرت أجهزة الأمن المصرية من إستراتيجيتها مع الجماعة الإسلامية بعد إعلانها مبادرة وقف العنف نتيجة اقتناع بعض مسئوليها بصدق المبادرة ورغبة قيادات الجماعة الحقيقية في المراجعة الشاملة الجذرية لأفكارهم ومواقفهم العملية. أما العامل الثالث الرئيسي وراء التحول، فقد نبع من داخل الجماعة نفسها، ويتعلق بالخبرة الطويلة التي اكتسبها القادة التاريخيون المؤسسون لها عبر بقاءهم في السجون المصرية منذ عام 1981 وحتى إعلان مبادرة وقف العنف عام 1997, حيث انتقلوا من مرحلة الشباب المبكر بكل ما فيها من حماس ونزق إلى مرحلة الكهولة التي توجب طريقة أكثر حكمة ورصانة في النظر والرؤية. كذلك فقد أتاحت تلك الفترة الطويلة من العزلة الإجبارية عن التفاعلات اليومية الكثير من الوقت لتلك القيادات لكي يطلعوا على المدارس الأخرى في الفكر الإسلامي وبخاصة مدارس الإسلام التاريخي التي لم تتح لهم فترة النشاط العملي الكثيف والاستغراق في الفكرة الجهادية العنيفة الإطلاع عليها قبل دخولهم السجن. أما بالنسبة للسياق الذي أحاط - ولا يزال - بمراجعات جماعة الجهاد فهو مختلف قليلا عن ذلك الذي أحاط بمراجعات الجماعة الإٍسلامية. فمن ناحية النشأة التاريخية، لم تتشكل جماعة الجهاد ككيان موحد سوى في نهاية عام 1980 وبداية عام 1981, عندما قام مؤلف كتاب الفريضة الغائبة محمد عبد السلام فرج بتوحيد عدة مجموعات صغيرة سبق لها التشكل والتواجد في مصر منذ نهاية الستينيات ضمن جماعة واحدة حملت اسم الجهاد وعلى أرضية فكرية واحدة مثلها ذلك الكتاب الشهير. كذلك فمن المعروف أن الجماعتين، أي الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، كانتا تتبنيان رؤية فكرية وحركية واحدة فيما يخص أهداف عنفهما تلخصها مقولة فرج في كتابه بأن العدو القريب أولى بالقتال من العدو البعيد. وتعني تلك المقولة من الناحية العملية أن الجماعتين كانتا تجدان في الحكومة المصرية العدو القريب والوحيد الذي يجب أن يتوجه إليه عنفهما سعيا إلى الإطاحة بها والاستيلاء على السلطة بدلا منها ومن ثم تأسيس دولة إسلامية وإعادة أسلمة المجتمع المصري كله. أما العدو البعيد أو الخارجي، سواء كان الدولة العبرية أو الولايات المتحدة أو غيرهما، فلم يكن من الوارد وفقا لتلك الرؤية النظرية أن تبادر أيا من الجماعتين إلى التصدي لقتاله قبل الانتهاء من المهمة الرئيسية الأولى، أي الإطاحة بالحكم المصري وتأسيس آخر إسلامي محله يكون هو أداة مواجهة ذلك العدو البعيد. وقد تعرضت تلك الرؤية النظرية والحركية لهزة كبرى مع إعلان مبادرة الجماعة الإسلامية وقرارها بالتوقف عن العنف والتحول لجماعة سياسية - اجتماعية، وبخاصة مع انضمام عدد كبير من قيادات وأعضاء الجهاد الموجودين في السجون إلى مبادرة الجماعة بعد أيام من إعلانها في يوليو 7991. وفي خلال الفترة التالية حتى صدور قرار مجلس شورى الجماعة في مارس 1999 بالوقف النهائي والشامل لكافة عمليات العنف، انضمت أعداد أخرى من قيادات وأعضاء الجهاد إلى موقف الجماعة وبخاصة هؤلاء المقيمون في مصر والدول الأوروبية. وبالتالي كان نجاح مراجعات الجماعة الإسلامية بكل رافقها من كتابات فكرية وخطوات عملية بعدم التورط في أي عمليات للعنف وإفراج الدولة عن قيادات الجماعة وأعضاءها، هما الحافزان لقيادات جماعة الجهاد للبدء جديا في عملية المراجعات الخاصة بهم على النحو الذي تجري عليه الآن. الملامح الأساسية لفكر المراجعات في هذه الندوة أوضح ناجح إبراهيم وهو من قيادات الجماعة الإسلامية التي أسهمت في المراجعات أن أهم الملامح الرئيسية للمراجعات من الناحية الفكرية، تتمثل في عدد من العناصر وردت في كتابات مختلفة عن قيادات الجماعة، أبرزها: أولا: وجهت الجماعة الأنظار إلى أهمية النظر في المصالح والمفاسد، وما يعرف بفقه المآلات (النتائج) بحيث لا يخوض الشباب غمار صدام عنيف يعود ببالغ الضرر عليه وعلى دينه وعلى وطنه، وأيضا يحاول الشاب أن يقرأ واقعه سواء على المستوى المحلى أو الإقليمي أو الدولي بحيث لا تصبح أفعاله وتصرفاته سببا لإضعاف وطنه وإحداث خلل ينفذ منه الأعداء. ثانيا: عارضت المراجعات وبشدة ما يقوم به البعض من تفجيرات عشوائية تؤدى إلى إزهاق أرواح الأبرياء المسلمين لأسباب واهية، ولم تكتف الجماعة ببيانات الإدانة فقط بل سارعت إلى إصدار كتابين: (تفجيرات الرياض) من تأليف الدكتور ناجح إبراهيم، و (إستراتيجية القاعدة) من تأليف د. عصام دربالة. وتناول الكتابان هذه القضية الخطيرة من منظور شرعي وواقعي. ثالثا: تم إعادة قراءة بعض الفتاوى التي تم تنزيلها على الواقع في الماضي تنزيلا خاطئا مما أفضى إلى مفاسد كفتوى التترس وقد تم الخروج بنتيجة هامة، وهي أن الجيوش المعاصرة في الدول الإسلامية تختلف اختلافا جذريا عن جند التتار وبالتالي فقياس هؤلاء على هؤلاء قياس فاسد. رابعا: تم إعادة قراءة بعض المفاهيم كمفهوم حتمية المواجهة. وثبت أنه لا حتمية إلا لما حتمه الله عز وجل أو حتمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأكدت الجماعة أيضا أن عدالة القضية لا تعنى حتمية المواجهة، فحتمية المواجهة ليست سنة كونية ولا حكما شرعيا، وإنما هي فتوى قد تصيب وقد تخطئ فضلا عن أنها لا يجوز أن تتعدى لكل واقع وزمان. خامسا: قضية الحاكمية والعلاقة المفترضة بين الحاكم والمحكوم في ظل تعاليم الإسلام ومبادئه، حيث أكدت الجماعة أن مجرد ترك الحكم بما أنزل الله لا يعد كفرا إلا إذا انضم إليه أمور مثل الجحود أو تفضيل حكم البشر على حكم الله. وكذلك نوهت إلى أهمية ما يمكن تسميته محاكمة البشر، وأثبت للبشر حاكمية، وأن هذه الحاكمية لا تصطدم بحاكمية الله سبحانه إذا عملت في إطارها الصحيح الذي رسمه الإسلام لها، وأن كلا الحاكميتين تكمل بعضها بعضا. سادسا: أشارت المراجعات إلى فقه الأحكام السيادية مثل إعلان الحرب أو إقامة الحدود والجنايات والأمن الداخلي والخارجي وعقد السلام وما إلى ذلك، كما أشارت الجماعة في كتاب تطبيق الأحكام من اختصاص الحكام إلى أن هذه الأحكام السيادية لا يجوز للأفراد ولا الجماعات مهما كان صلاحها أن تقوم بها لأن هذه الأحكام منوطة بالحكام وحدهم مهما كان بعدهم عن الشريعة إذ أنها تتطلب قدرة خاصة لا تتوفر إلا في هؤلاء الحكام، بررة كانوا أم فجارا. وبرأي ناجح، فإن هذه الأمور السابقة وغيرها تؤكد أن جماعة الجهاد ستترك العنف نهائيا، وهي بهذه المراجعات قد رسخت لدى الحكومات أن الحركة الإسلامية لا تريد القفز في غفلة من الزمن على كراسي الحكام، وأنها تترك للدولة الأمور السيادية المعروفة مقابل أن تترك الدولة للحركات الإسلامية المنضبطة دورها التربوي والإيماني والأخلاقي والاجتماعي والإصلاحي بعيدا عن النزاع الساخن أو البارد على سلطة لن يدركها الإسلاميون، وإذا أدركوها أجبروا على تركها تحت ضغط الموقف الدولي والإقليمي كما حدث مع حماس في فلسطين والمحاكم الإسلامية في الصومال. كما أن الحرب الباردة أو الساخنة التي حدثت بين الحركة الإسلامية وبعض حكومات الدول العربية والتي يرجع بعضها إلى الأربعينيات أضرت بالفريقين وأنهكتهما وعطلت تقدم وتطور ونمو المجتمعات إلى الأفضل ومرجع هذه الحرب الباردة والساخنة في الحقيقة هو صراع الإرادات والسلطات فكل منهما يرى أنه الأجدر بقيادة المجتمع وريادته، وذلك بالرغم من أن الحركة الإسلامية مرت عليها فترات طويلة لم تكن فيها مهيأة للحكم. آلية المراجعات وحول آلية المراجعات الفكرية وكيفية حدوثها، أكد الأستاذ منتصر الزيات المحامي السابق للجماعات الإسلامية والخبير في شئون الحركات الإسلامية، على دور النخبة الدينية والثقافية في هذا الشأن. وعلى سبيل المثال، فقد ساهم مجموعة من المثقفين والمفكرين الإسلاميين، منهم الزيات وصلاح هاشم والدكتور توفيق الشاوي والدكتور وحيد عبد المجيد والأستاذ ضياء رشوان والأستاذ ممدوح الشيخ، في إصدار مجلة غير دورة تحت عنوان المراجعات، وكانت الهمة تفعيل العمل الإعلامي والمجتمعي لمبادرة وقف العنف الصادرة عن الجماعة الإسلامية، ولما أثمرت هذه المبادرة وأفرج عن بعض قيادات الجماعة الإسلامية تم إصدار عدة كتيبات سطرت مراجعات الجماعة في كافة المسائل الفكرية التي سبق وأن تناولتها في أدبياتها وأبحاثها المنشورة والمخطوطة، وكان للأسماء التي تصدرت هذه الكتب أثرها الفعال في انتشارها وإقناع منتسبي الجماعة بما حوته من فكر. وكان لالتقاء قادة الجماعة وشيوخها بقواعدهم في السجون الأثر الفعال في اقتناع هذه القواعد بما يوافق عليه القادة من مراجعات ومن أسس بنوا عليها هذه المراجعات. وقد نجحت مراجعات الجماعة الإسلامية لكونها متوافقة مع طبيعة نشأة الجماعة الأولى وأيضا حسن التوفيق فيمن قاموا على المراجعات بداية ونهاية. ونوه الزيات إلى دور النخبة الدينية في هذه المراجعات. بالنسبة للجماعة الإسلامية كانت إرهاصات المراجعات قد بدأت بمبادرة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله والتي لم يكتب لها النجاح بسبب المعالجات الصحفية الاستئصالية والتي كانت سببا في سنوات عجاف عاشتها مصر ما كان لها أن تراها لو كتب لهذه المبادرة النجاح. ثم كانت مبادرة خالد إبراهيم وهو قيادي الجماعة بأسوان حينما ناشد قادته وقف العمليات المسلحة من جانب واحد، وكان ذلك في أبريل 1996 أثناء محاكمته في إحدى قضايا العنف الديني، ولم يكتب لها النجاح لأمور تنظيمية، إلى أن صدرت المبادرة الكبرى التي وقعّ عليها ستة من قادة الجماعة، على رأسهم محمد أمين، وكتب لهذه الأخيرة النجاح نظرا لصدورها عن كامل قيادة الجماعة بما لهم من حضور في نفوس القواعد، وبسبب تولي الشيخ صلاح هاشم تفعيل هذه المبادرة على المستوى القاعدي والإعلامي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.