تخلى والي جهة فاس بولمان، محمد غرابي، عن لغة الإدارة الترابية، واستعان بمعجم الاقتصاد والسياسة لتوجيه «رسائل مشفرة» إلى عدد من أعيان الجهة ومنتخبيها، صباح يوم الجمعة الماضي، للتخلي عن «الصراعات السياسية» و«الحسابات الحزبية الضيقة»، لكسب معركة الاستثمار في الجهة، بمناسبة التوقيع بمقر الولاية على اتفاقية تخص ميلاد أكبر منطقة صناعية بالجهة. وقال والي الجهة، في هذا اللقاء، الذي حضره وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، رضا الشامي، والكاتب العام لوزارة الداخلية، ومدير الشؤون القروية بها، ومسؤول عن مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، إن جلب الاستثمار وتوفير المناخ المناسب له هو العمل الكبير الذي ينبغي أن ينخرط فيه الجميع. وأشار إلى أن المنطقة الصناعية ل«رأس الماء»، التي أقيمت على مساحة إجمالية تصل إلى 420 هكتارا، ستعطي دفعة للتنمية بالجهة، مضيفا بأن فتح الطريق السيار الرابط بين فاس ووجدة سيمكن فاس وجهتها الموسعة من الانفتاح على الجهة الشرقية والمتوسطية. لكنه، في المقابل، أورد بأن التحدي الكبير الذي يواجهه الاستثمار بالجهة يكمن، أيضا، في توفير الأطر، وتأهيل الشباب المعطل لولوج سوق الشغل. ودعا الوالي جامعة سيدي محمد بن عبد الله، وهي من أكبر الجامعات بالمغرب (تستقبل حوالي 60 ألف طالب من مختلف التخصصات) إلى التوجه أكثر نحو «مهننة» مسالك الدارسة بها، حتى يتأتى ربط الجامعة بمحيطها، وإتاحة أكبر الفرص أمام خريجيها لولوج سوق الشغل. وإلى جانب المعامل والمصانع ذات التخصصات المتنوعة التي سيتم إحداثها بهذه المنطقة الصناعية الكبيرة، التي مولت في جانب كبير منها، من قبل صندوق الإيداع والتدبير، فإن المنطقة سيحدث بها مركز للتكوين. وسيضاف هذا المركز إلى عدد من المراكز المهنية المتخصصة التي أحدثت في المدينة (مركز تكوين في مجال الصناعة التقليدية بالبطحاء ومركز آخر في طور البناء في منطقة عين قادوس). وتراهن السلطات على أن يكمل مشروع المنطقة الصناعية ل«راس الماء» بضواحي عمالة مولاي يعقوب سلسلة من المشاريع الاقتصادية التي توصف بالكبرى في مجال السياحة (منطقة واد فاس) والصناعة التقليدية (منطقة صناعية بمنطقة «بنجليق» بضواحي منتجع سيدي حرازم ومشروع «للا يدونة» بفاس العتيقة). وتنسق وزارة الداخلية مع وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة ووزارة السياحة ووزارة الصناعة التقليدية وصندوق الإيداع والتدبير وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لتنفيذ هذه المشاريع، التي قال عنها وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة إنها ستعيد فاس من ناحية التنمية الاقتصادية إلى المرتبة الثانية على الصعيد الوطني، بعدما سجلت تراجعا في هذا التصنيف. وتوجد داخل المدار الحضري لمدينة فاس عدد من المناطق الصناعية (منطقة سيدي إبراهيم وبنسودة والدكارات...)، لكن هذه المناطق تعيش اختناقا بسبب المد العمراني الذي يحاصرها. وقال والي الجهة في حديثه عن هذا المشكل في اللقاء نفسه إن هذه المناطق الصناعية لا تلبي طلبات المستثمرين. ودفع هذا الاختناق السلطات إلى البحث عن الأوعية العقارية في الضواحي، ودخلت في مفاوضات مع الجماعات السلالية بالقرى المحيطة لاقتناء هذه العقارات. واعتبر والي الجهة محمد غرابي بأن اقتناء هذه الأراضي سيمكن فاس من الامتداد في المناطق المجاورة بصفة معقلنة. وقررت السلطات تحويل منطقة «راس الماء» إلى منطقة صناعية ستكون بمثابة متنفس للمستثمرين في الجهة. وتحدث الوزير محمد رضا الشامي عن أن هذه المنطقة ستكون مفتوحة في وجه الاستثمار المحلي والوطني والأجنبي، وستتخذ من تجربة المنطقة الصناعية بطنجة (تي إف زيد) نموذجا لها. وقد خلقت هذه المنطقة لوحدها بطنجة حوالي 40 ألف منصب شغل. وستفتح هذه المنطقة الصناعية الضخمة على مختلف أنواع الصناعات. ولن تقتصر هذه المنطقة الصناعية على منتوج صناعي وتجاري بعينه، لكن، في المقابل، ستحظى فيها الصناعة الجلدية ب«تمييز إيجابي»، وستوضع رهن إشارتها لوحدها حوالي 50 هكتارا من المساحة الإجمالية للمشروع. وقال مدير صندوق الإيداع والتدبير إن هذا الصندوق سيكون أيضا من أجل مواكبة المستثمرين لتمويل بناياتهم الصناعية.