سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قال لي الملك الراحل الحسن الثاني: «تبارك الله عليك، مازال تعطي للرياضة المغربية الشيء الكثير» عندما قاد بصير الأسود إلى فوز تاريخي ضد اسكتلندا في مونديال فرنسا
ينسل من بين الأرجل ويسجل في مساحة خرم إبرة.. صلاح الدين بصير، اللاعب الذي صنع بالأهداف فرحة كل المغاربة. هتف باسمه الجمهور كثيرا.. نظموا له أغنية تشجيع خاصة.. كان اللاعب قد كسب شعبيته مع فريق «الرجاء»، كان هدّافَها المطلق.. وعندما كبر طموحه، التحق بفريق «الهلال»، السعودي ثم ب«مايوركا»، الإسباني، و«ليل»، الفرنسي، ف»سالونيك»، اليوناني.. كانت التجربة الاحترافية رائعة بكل المواصفات وكان اللاعب يترجم ثقة الأندية التي جاءته، يوما، تطلب وده بالعطاء.. كان يخلق الاستثناء وحده، يصنع الحدث ويحول كل الأشياء من حوله إلى زوايا فرح.. ومعه عبَر المنتخب المغربي إلى المونديال.. كان ورقة هنري ميشال الرابحة، ففي فرنسا سنة 1998، كان الحلم كبيرا، وكان بصير يرسم بالقدم أحلى لحظات القدر... «المساء» تفتح ذاكرة صلاح الدين بصير.. تدعوكم إلى التعرف على تفاصيل أخرى من حياة لاعب كبير، صنع جزءا من مجد الكرة المغربية. مونديال فرنسا 98 في مونديال فرنسا 1998، ضرب المنتخب المغربي لنفسه موعدا مع التألق، فبعد أن أنهى مسار الإقصائيات بالتأهل المستحَق، سيجد مجموعة لاعبين أنفسَهم في حالة انتظار وتأهب. كان لا بد للمدرب الفرنسي هنري ميشال أن يخلق الانسجام التام بين اللاعبين. كان لزاما عليه أن يُجري العديد من المباريات الإعدادية للوصول إلى تشكيلة نهائية للمنتخب ووضع قراءة أولية للمنتخبات المنافِسة. كانت القرعة، يومها، قد وضعت المنتخب المغربي في مجموعة ضمّت البرازيل وإسكتلندا، وأيضا، المنتخب -الظاهرة النرويج، الذي كان قد تَمكّن من الانتصار في مباراتيه الإعداديتين على فرنسا والبرازيل. كما لعب منتخب البرازيل مباريات حبية وخسرها في «خريف» جيل من نجوم «الصامبا». وقد قاد هنري ميشال المنتخب المغربي في دوري الحسن الثاني، الذي حقق من خلاله الفوز على فرنسا بضربات الجزاء، بعد تعادل إيجابي بهدفين لمثلهما.. كان بصير نجم المباراة وهدافها بامتياز.. كان الاستعداد جيدا، واجه أسود الأطلس منتخب الشيلي في مواجهة إعدادية، بنجميه سالاس وزامورانو.. وبدورها، كانت المنتخبات المنافسة تخوض مباريات إعدادية. ضم المنتخب المغربي، يومها، لاعبين كبارا يتقدمهم بصير وحجي والنيبت. كان صلاح الدين بصير نجم المنتخب وهدافه الفريد. تألق خلال الإقصائيات ووقع على حضور لافت في كل المباريات الودية. لقد كان الجمهور المغربي يهتف باسمه وحده. صنعوا له تاج الحب الكبير ووضعوا له قصيدة الوفاء بكلمات تشجيعية خصته وحده. كان بصير ينهي المباراة بهدف جميل حينا، وبعروض ممتعة حينا آخر. كان ذلك الزئبق الذي يتسلل من بين أرجل كل المدافعين ليوقع، بحِرفية، هدف الخلاص. لقد استطاع صلاح الدين بصير أن يحوز لنفسه مكانة كبيرة داخل المنتخب. استطاع أن يقود معه جيلا من المبدعين إلى مونديال رائع في فرنسا، لن يسقط أبدا من الذاكرة.. يروي اللاعب قصة المواجهات الثلاث في مونديال فرنسا. النرويج.. ظاهرة المونديال «في مباراة النرويج، كان التخوف كبيرا من هذا المنتخب الذي قهر «العمالقة» خلال كل المباريات الحبية التي أجراها استعدادا للمونديال. كان هناك اللاعب الكبير فلو وكان الانسجام واضحا بين كل اللاعبين. وأثناء المباراة، أحسسنا أنه بإمكاننا هزم هذا المنتخب الذي شغل الرأي العامّ العالمي. استطاع مصطفى حجي أن يخلق الفارق، فقد تمكّنَ، بفضل تقنياته الكبيرة، من تسجيل هدف السبق، الذي منحنا شحنة قوية لمواصلة التألق خلال المباراة. وحتى عندما تمكّنَ النرويجيون من تسجيل هدف التعادل، لم يتوقف طموحنا في التفوق، من جديد، وهو ما تحقق، فعلا، بفضل هدف كاماتشو، الذي منحنا ثقة أخرى في النفس، ولكن الحظ، لم يكن بجانبنا، فقد تمكن النرويج من إدراك هدف التعادل، وأضاع علينا فرصة الظفر بنقط المباراة الثلاث، ولكننا كسبنا، على الأقل، معنويات مرتفعة». هزيمة ضد البرازيل بعد نتيجة اعتبرها الجميع إيجابية، بحكم مستوى الفريق الخصم، كان لا بد لأشبال هنري ميشال من أن يتوجوا مسارهم في البطولة بتحقيق نتيجة أخرى مماثلة ضد البرازيل، فقد طمع اللاعبون في الانتصار، بعد أن أحسوا أن منتخب «الصامبا» بدأ يفقد بعض ملكاته الإبداعية وشاخ أغلب لاعبيه... «ضد البرازيل، لم يكن أحد يتوقع، أبدا، أن تكون النتيجة بهذا الشكل الذي تعرفونه. لم يكن أكبر المتشائمين يقر بهزيمة كبيرة، كتلك التي حصدها منتخبنا ضد البرازيل. كان منتخب «الصامبا» يلعب بشكل بطيء. لكن لاعبيه استغلوا كل الهجمات المرتدة والهفوات الدفاعية ليحققوا نصرهم الكبير علينا. بدأ الشك يتسرب إلى نفسيات لاعبي المنتخب المغربي، رغم اعتراف البعض بأن الهزيمة ضد البرازيل ليست نهاية العالم وأنها نتيجة طبيعية، خاصة أمام منتخب محنك في حجم البرازيل». فوز تاريخي على إسكتلندا بعد تعادل إيجابي وهزيمة قاسية، لم يبق أمام أسود الأطلس إلا مباراة ثالثة أمام منتخب إسكتلندا، المباراة التي قد تحمله إلى الدور الثاني. أحس كل لاعب بمسؤوليته وقرر الجميع لعب مباراة فاصلة. كان المنتخب المغربي رائعا للغاية. استطاع أن يهزم إسكتلندا بثلاثية نظيفة، واستحق كل جمل الثناء والإعجاب، ولكن فرح الانتصار لم يدم طويلا، فقد تمكّن النرويج من هزم البرازيل وانتقل إلى الدور الثاني، في أكبر مفاجأة عرفها مونديال فرنسا. كانت دموع بصير أثقل على نفسه من حجارة أبي الهول، وبكى كماتشو حظا عاثرا.. كان البكاء حديث الألم بين اللاعبين. «ضد اسكتلندا، لم نكن نبحث عن شيء آخر غير التأهل. كان لزاما علينا أن ننتصر على هذا المنتخب، الذي دخل المونديال «خجولا». كان لا بد لنا أن نبحث عن الفوز الذي يحملنا إلى الدور الثاني، وكنت أفكر قبلها في التسجيل، فكيف يمكن أن يمضي المونديال دون أن أسجل للمنتخب المغربي، وأنا الذي سجلت له أهدافا بالجملة خلال كل المنافسات وأثناء الإقصائيات؟! استطعتُ، بفضل الله، أن أحقق حلما ممكنا. استطعت أن أهدي البسمة إلى جمهور عاشق.. توفّقتُ في توقيع هدفين جميلين لن أنساهما أبدا، وكان الفرح أكبر من أن يوصف. انتصرنا بحصة عريضة، أعطت التفوق لأسود الأطلس. وبعد اللقاء، لم أكن أعلم، أبدا، أننا قد أقصينا من المنافسة. كان الصمت هو اللغة الوحيدة في كرسي الاحتياط. شاهدت الدموع في أعين اللاعبين. كان كماتشو يبكي وكان الحزن كبيرا: لقد أقصينا من المونديال، بعد أن حلمنا بحضور فعال خلال دوره الثاني. كان القدَر هذه المرة أكبر من أحلامنا. لم يكتب للمنتخب المغربي أن يسجل اسمه في لائحة المؤهلين إلى الدور الثاني وإعادة أفراح مكسيكو 86». استقبال ملكي انتهى المونديال. حقق المنتخب المغربي نتائج طيبة: تعادل إيجابي ضد النرويج وهزيمة ضد البرازيل وفوز مستحق على إسكتلندا، وقُدّر للمنتخب المغربي ألا يسعد بفرح الانتصار. «بعد نهاية مونديال فرنسا، عدنا إلى المغرب لنجد استقبالا جماهيريا كبيرا، وقد خصّنا الملك الراحل الحسن الثاني باستقبال الأبطال، وأذكر أنه قد سألني، رحمه الله: «كم عمرك؟» فأجبته 25 عاما، فقال لي: «مازال تْعطي الشيء الكثير لكرة القدم المغربية، تباركْ الله عليك» وأبدى رضاه عنا جميعا. لقد ظل المونديال حلم كل لاعب، فلا يكفي أن تلعب نهاية كأس «عصبة الأبطال» وبطولة «الليغا» وكل البطولات الأخرى لكي تحقق حلمك الرياضي كاملا، إذ إنه يلزمك تزكية مسارك الرياضي بالمشاركة في المونديال، لأنه وحده يُخلّد اسم اللاعب في أرشيف الرياضة العالمية». كان مونديال فرنسا فرصة لتألق جيل من اللاعبين المبدعين، ختمه الأسود بانتصار لم تكتمل أفراحه بالتأهل إلى الدور الثاني، ولكنه انتصار للرياضة المغربية، التي نالت بإعجاب العالم كله.