انتقلت «المساء» إلى منطقة مولاي عبد الله بالجديدة، وهي أحد أهم مناطق استخراج الطحالب في الإقليم، التقينا عددا من الفاعلين في هذا المجال الشائك... «اكتشفنا متأخرين أن «الغطّاسة» يموتون موتا بطيئا دون أن يشعروا بذلك».. عبارات حاول من خلالها المختار شانوج، الكاتب العام لجمعية الفرج للغطاسين، أن يلخص لنا بها معاناة «الغطاسة»، الذين يستعملون محركا لضغط الهواء، هو في الأصل معد لنفخ إطارات العجلات المطاطية ويستعمله أصحاب صباغة هياكل السيارات في أنشطتهم، والذي تم «تعديله» واستعماله في عملية التنفس أثناء الغطس لجني الطحالب من قعر البحر لمدة قد تصل إلى تسع ساعات مع انطلاق الفترة المخصصة لجني الطحالب في كل سنة في إقليمالجديدة، تظهر العديد من المشاكل التي يتخبط فيها قطاع جني الطحالب أو «الربيعة»، كما يسميها أبناء المنطقة الساحلية التي تنشط في هذا المجال (شتوكة، الحرشان، أولاد إبراهيم، أولاد الغضبان، سيدي بوزيد، سيدي الضاوي، سيدي عابد، مولاي عبد الله...) بما يعادل 13 محطة تفريغ لمادة الطحالب على طول هذا الشريط الساحلي في الإقليم. غطاسون يتنفسون عبر محركات ضغط الهواء في منطقة مولاي عبد الله، وهي أحد أهم مناطق استخراج الطحالب في الإقليم، التقينا عددا من الفاعلين في هذا المجال الشائك... «اكتشفنا متأخرين أن «الغطّاسة» يموتون موتا بطيئا دون أن يشعروا بذلك».. عبارات حاول من خلالها المختار شانوج، الكاتب العام لجمعية الفرج للغطاسين، أن يلخص لنا بها معاناة «الغطاسة»، الذين يستعملون محركا لضغط الهواء، هو في الأصل معد لنفخ إطارات العجلات المطاطية ويستعمله أصحاب صباغة هياكل السيارات في أنشطتهم، والذي تم «تعديله» واستعماله في عملية التنفس أثناء الغطس لجني الطحالب من قعر البحر لمدة قد تصل إلى تسع ساعات في اليوم. حيث ينطلق الغطاس في الغطس على الساعة الثامنة صباحا ولا يخرج من قعر البحر إلا في حدود الساعة الخامسة مساء. لم يكتشف مستعملو هذا المحرك خطورته إلا بعد الزيارة الأخيرة التي قامت بها بعثة تقنية وطبية أرسلها الجنرال حسني بنسليمان في شهر ماي الأخير لأول مرة إلى المنطقة لتدريب أبنائها على ممارسة الغطس وتأطيرهم في هذا المجال. وقد فوجئت اللجنة التقنية بخطورة استعمال محرك ضغط الهواء من هذا النوع في عملية تنفس الغطاسين، لكونه هواء لا يخضع لشروط السلامة ونسبة الضغط فيه مرتفعة وغير صحي تماما، وحذرت من استمرار استعماله. أما اللجنة الطبية، يقول شانوج، فقد اكتشفت أثناء الفحوصات الطبية التي أجرتها على عدد من الغطاسين الممارسين أنهم مصابون بأمراض الصدر والقلب وتصلب الشرايين، إضافة إلى أمراض الروماتيزم، لكون أغلب «الغطاسة» لا يحترمون شروط الوقاية لممارسة نشاط الغطس من أجل جلب «الربيعة». كما أكدت لهم اللجنة أن الغطاس الذي يمارس المهنة لمدة طويلة مهدد بالإصابة بمرض السرطان مستقبلا. معلومات وتوجيهات أكد أبناء المنطقة أنها بقدر ما أفادتهم بقدر ما أدخلت إلى قلوبهم الرعب، خوفا من المستقبل ومما ينتظر أجسادهم من خراب. نماذج من قدماء الغطاسين أصيبوا بخلل عقلي وآخرون أصيبوا بالشلل، إضافة إلى إصابة عدد كبير منهم بمرض ارتفاع الضغط الدموي المزمن. إسماعيل نموذج التقته «المساء»، مصاب بمرض الضغط الدموي المزمن وبشلل جزئي نتيجة ممارسته نشاط الغطس لأزيد من 15 سنة. إسماعيل جندي متقاعد ولج عالم الغطس في كامل صحته وخرج منه بعد هذه المدة منهك القوى ويحمل مرضا مزمنا. وأمثال إسماعيل كثر في هذه المنطقة. الغطس من أجل لقمة العيش الطلبة الجامعيون والنساء والرجال وحتى الأطفال يمارسون مهنة الغطس من أجل الحصول على مبالغ مالية موسمية لسد حاجيات ومتطلبات الحياة. فالغطاس يقضي اليوم كاملا في قعر البحر مقابل الحصول على مبلغ يتراوح بين 400 و500 درهم في اليوم. أما من يتكفل بتسلم «الربيعة» على متن القارب فيحصل على 200 درهم يوميا مقابل هذه الخدمة. يمكن الغطاس أن يشتغل ما بين 25 و30 يوما طيلة فترة جمع «الربيعة» المسموح بها قانونيا، والتي تنطلق من فاتح يوليوز وتنتهي في شتنبر من كل سنة، بالنظر إلى التقلبات الجوية التي لا تساعد الغطاسين، في الغالب، على الاشتغال لمدة طويلة. أما حالات الوفاة غرقا فتتراوح بين ثلاث وأربع حالات في كل فترة جني. وقال أحمد دادون، رئيس جمعية الفرج للغطاسين إنه يتم تجهيز قارب الغطس بمحرك الدفع، الذي يصل ثمنه إلى 17000 درهم، إضافة إلى محرك ضغط الهواء «المشؤوم»، الذي يصل سعره إلى 10000 درهم، لتنطلق رحلة يومية للبحث علن الطحالب، يتكفل بها غطاسان على الأقل، إضافة إلى شخص ثالث يتسلم «الربيعة» من «الغطاسة». وتكلف كل رحلة صاحب القارب مبلغا يتراوح بين 700 و750 درهما. أما الرحلة اليومية فقد يجلب خلالها الغطاسون كمية تتراوح ما بين 300 و400 كيلوغرام من الطحالب المبللة. وبعملية حسابية، يقول دادون، فإن بيع الطحالب بثمن 3 دراهم للكيلوغرام لشركة التحويل لا يمكنه أن يوفر ربحا للمشتغلين في هذا المجال، في الوقت الذي كانت توصية من والي جهة دكالة عبدة خلال آخر لقاء أجري بمدينة آسفي حول القطاع بألا يقل ثمن بيع الطحالب لشركة «ستكزام» عن 4 دراهم للكيلوغرام الواحد. هاجس «الكوطا» لا تقتصر مشاكل هذا القطاع فقط على طرق وظروف جني الطحالب، التي تعد ثروة بحرية جد مهمة، بل عرف الموسم مشاكل عديدة حتى قبل انطلاق الفترة المخصصة لجني «الربيعة»، حيث أكد الفاعلون في المجال أنهم بدؤوا هذا الموسم على إيقاع الاحتجاجات بسبب ما وصفوه ب«العبث» في تسليم رخص «بونات» للقوارب التي تنشط في المجال، إذ أكد شانوج أن مندوبية وزارة الصيد البحري في الجديدة منحت خلال هذا الموسم 646 رخصة حددت المشتغلين في القطاع بشكل رسمي، على أن تلتزم هذه القوارب باستخراج كمية 19 طنا و300 كيلوغرام فقط للقارب الواحد طيلة فترة الجني، المحددة سلفا، أي بما يقارب 14 ألف طن من الطحالب المبللة التي تعتبر «الكوطا» المخصصة لمنطقة إقليمالجديدة ضمن كل نقط جني الطحالب. لكن عملية تسليم «بونات» الاشتغال لأصحاب القوارب عرفت، هي الأخرى، تعثرا خلال هذا الموسم الذي عرف تحديد الوزارة الوصية الكميات التي يجب جنيها طيلة فترة الجني. كما حددت الوزارة نسبة 80 في المائة من الطحالب المستخرَجة لفائدة شركة «سيتكزام» لتحويل الطحالب، فيما تم توزيع ال20 في المائة المتبقية على قوارب البحارة. وقد أكد البحارة في تصريحاتهم ل«المساء» أنهم اضطروا للانتظار خمسة أيام من أجل الحصول على ما يسمى «الكارني» أو «البون» الخاص بكل قارب يوجد في ملكية بحار، والذي يحدد الكمية المسموح باستخراجها لكل قارب، لكنْ وبعد تسليمها لهم وانطلاق عملية الجني سيفاجأ البحارة من جديد بعدم اعتماد تلك «البونات». وبعد بضعة أيام، ستسلمهم مندوبية وزارة الصيد البحري، من جديد، خمسة «بونات»، في كل واحد منها كمية طن واحد، والتي يتم منحها لهم على دفعات، متسائلين عن الأسباب التي جعلت المندوبية تتعامل معهم بهذه الطريقة... ورغم لجوء الوزارة إلى تحديد فترة جني الطحالب ورغم محاولتها اعتماد «البونات» من أجل تحديد الكميات المستخرَجة للحفاظ على هذه الثروة، فقد أكد الكاتب العام لجمعية الفرج للغطاسين أن ما بين 600 و800 قارب تشتغل في هذا المجال في السوق السوداء. كما أكد نفس المتحدث أن الراحة البيولوجية الحقيقية لهذه الثروة يفرضها البحر والظروف المناخية فقط، إذ إنها الوحيدة التي يمكنها أن تمنع الغطاسين من ممارسة نشاطهم في جني «الربيعة». كما أكد شانوج أن هذه الثروة في تراجع دائم نتيجة الاستنزاف الحاصل لها، حيث تراجعت نسبة تواجد الطحالب في قعر البحر، حسب دراسة للمعهد العالي للدراسات البحرية، من 7 كيلوغرامات في المتر المربع الواحد سنة 1997 إلى 0.7 كيلوغرام في المتر المربع سنة 2005، أي أن نسبة التراجع بلغت 90 في المائة، مؤكدا كذلك أن الكميات التي تحددها الوزارة يستخرج ضعفها ثلاث مرات من قعر البحر ويصرف بطرق وعبر قنوات أخرى... شركات تصدير الطحالب غير راضية أثار تحديد نسبة 80 في المائة من الكمية المستخرجة من الطحالب لفائدة شركة تحويل الطحالب «سيتكزام» وتحديد نسبة 20 في المائة فقط لقرابة 12 شركة لتصدير الطحالب التي تنشط في هذا المجال حفيظة أصحاب شركات التصدير، حيث أكد نبيل اللبار، رئيس الجمعية المغربية لمصدري الطحالب البحرية، أن الوزارة حددت كمية الطحالب المسموح بجنيها وطنيا في 6040 طنا سنويا وحاولت تحديد شروط دخول البحر لجني «الربيعة»، لكن «ما لا نتفق مع الوزارة فيه هو عدم فتح السوق»، فأصحاب الشركات -يتابع اللبار- يطالبون بتحرير سوق شراء الطحالب وبترك الفرصة للمنافسة بدل تحديد نسبة 80 في المائة من المنتوج لفائدة شركة تحويلية بعينها وترك نسبة 20 في المائة المتبقية لفائدة كل شركات تصدير، وقال اللبار إن تخصيص حصة الأسد لفائدة شركة واحدة (سيتكزام) وترك «الفتات» لأصحاب شركات التصدير يؤثر مباشرة على الغطاسين، الذين يضطرون لبيع الطحالب بأثمان ضعيفة جدا، بالنظر إلى غياب قانون المنافسة وسيطرة شركة بعينها على حصة الأسد من منتوج الطحالب في المغرب.
مندوبية وزارة الصيد البحري وضعت كوطا لتقنين القطاع قصدت «المساء» مندوبية وزارة الصيد البحري في الجديدة لمعرفة وجهة نظرها في المشاكل التي تحدث عنها الناشطون في قطاع جني و تسويق الطحالب. ولتواجد المندوب في عطلة، تحدث إلينا مصدر مسؤول حول القطاع، حيث أكد أن الإجراءات التي يشتكي منها البحارة وأصحاب شركات تصدير الطحالب إنما وضعت لتقنين القطاع وتنظيمه وأن «الكوطا» التي حددتها وزارة الصيد البحري جاءت للحد من استنزاف هذه الثروة والحفاظ عليها من الانقراض. كما أفاد أن كل هذه الإجراءات تُتّخَذ بناء على نتائج الدراسات التي يقوم بها المعهد الوطني للبحث والدراسات في الصيد البحري، والتي أثبتت بالفعل النقص الكبير الحاصل في هذه الثروة الثمينة. أما عن مسألة تحديد نسبة 80 في المائة من الكمية المستخرَجة من الطحالب لفائدة شركة التحويل «سيتكزام»، فقد أفاد نفس المصدر أن الأمر يتعلق بقرارات حكومية تتخذ على مستوى الوزارة ولاعتبارات لا يشك في مصداقيتها. وبخصوص «الكارنيات» أو «البونات» فقد أكد نفس المتحدث أن الوزارة عندما حددت «الكوطا» المخصصة لكل منطقة انطلقت عملية تسجيل البحارة للاستفادة من هذه الرخص، التي كانت في بداية الأمر موزعة على 290 قاربا فقط، حسب دورية الوزارة، لكنْ وبالنظر إلى تزايد عدد الطلبات وبتشاور مع ممثلي الغرفة المهنية وممثلي البحارة، تم الاتفاق على توسيع دائرة المستفيدين، والتي شملت 646 قاربا، على أن يتم توزيع نفس الكمية المسموح بها على هذا العدد من القوارب، لكن -يقول المسؤول في مندوبية الصيد البحري في الجديدة- وبعد اكتشاف تلاعبات في «الكارنيات» التي تحدد كمية 19 طنا و300 كيلوغرام من طرف بعض البحارة الذين لجؤوا إلى إعادة بيعها لأشخاص آخرين، قررت الوزارة، عبر المندوبية، وقف اعتماد «البونات» التي تم تسليمها لهم وتعويضها ببونات لخمس أطنان تُسلَّم لهم على دفعات، بعد أن يتم التأكد من استعمالها وفق القانون الذي يلزم بتأدية نسبة الضريبة على القيمة المضافة عن كل كيلوغرام من الطحالب يستخرج من قعر البحر، باعتبارها ثروة بحرية للدولة. وحسب نفس المتحدث، فإن مندوبية وزارة الصيد البحري تقوم بدوريات مكثفة للحد من ظاهرة جني الطحالب خارج الفترة المسموح بها قانونيا وكذا لمحاربة المشتغلين في القطاع دون تراخيص، وهي العمليات التي أكد مصدرنا أنها تتم بمحاضر رسمية. ورغم كل ما يمكن قوله عن قطاع جني الطحالب وتسويقها فيمكن الجزم أن المجال ما يزال يتخبط في مشاكل عديدة أكدها الناشطون المباشرون في المجال، والذين كانت تصريحاتهم للجريدة تعبر عن حرقة وانكسار شديدين بلغا حد التهديد بقرب تفجُّر الوضع في صفوف الغطاسين والبحارة، على الخصوص، الذين يتأكدون، يوما بعد يوم، أن ثروة الطحالب التي كانت تضمن لأغلبهم بعض المال لسد متطلبات الحياة وتوفر لهم مخزونا يمكنهم من مواجهة باقي شهور السنة التي لا يمكنهم فيها ولوج البحر، باتت في تراجع مستمر، مما ينذر بكارثة اجتماعية في المنطقة. كما أن «الغطاسة»، وبعد تأكدهم من خطورة استعمال محرك ضغط الهواء في عملية التنفس في قعر البحر، باتوا أكثر تخوفا على حياتهم وحياة من سبقوهم في الحرفة وكذا من سيقتحمون عاملها ويركبون مخاطرها في المستقبل...