كيف كانت حياة السيدات الأوليات للبيت الأبيض؟ وأي دور لعبنه في المسار السياسي لأزواجهن؟ وكيف كانت علاقتهن بالمجتمع الأمريكي؟ وكيف واكبن نشأة وتطور الولاياتالمتحدةالأمريكية لتصبح أكبر قوة عالمية؟...من مارتا واشنطن إلى ميشيل أوباما حلقات تزيح الستار عن حياة وأسرار السيدات الأوليات بالولاياتالمتحدةالأمريكية على مدار التاريخ. كاد خجل لوكريسيا غارفيلد الشديد أن يعصف بحياتها الزوجية ويحرمها من حمل لقب «سيدة الولاياتالأمريكية الأولى» في وقت لاحق، لكنها استدركت الأمر وتمكنت من إعطاء دفعة لزواجها ليصبح ناجحا. ورغم اغتيال زوجها لم تتوارَ عن الأنظار، بل ظلت في دائرة الضوء تعبر عن آرائها الشخصية، حتى إنها وصفت من طرف الصحف الأمريكية ب«نموذج المرأة بالنسبة إلى الأمة الأمريكية». لوكريسيا الخجولة في 19 أبريل من 1832 بكريستسفيل بولاية أوهايو رزق زييلون رودلفو وزوجته أربيلا بطفلتهما البكر، واختارا لها من الأسماء لوكريسيا، وكانا يدللانها عبر مناداتها باسم كريت، وبعد سنوات انضم إليها كل من جون وجوزيف ونيللي. تظهر الشجرة العائلية لآل رودلفو أن لهم صلة قرابة مع ملوك ونبلاء بكل من فرنسا والسويد وروسيا. وكانت لوكريسيا شديدة الفخر بهذا النسب. تلقت لوكريسيا إلى جانب أشقائها تربية دينية صارمة، إذ كان والدها المزارع زعيما دينيا يؤمن إيمانا راسخا بأهمية التعليم، لذلك أصر على ابنتيه الانتظام في المدرسة، فتلقت لوكريسيا تعليما شاملا في اللغتين اللاتينية والفرنسية والعلوم والجغرافيا والتاريخ والموسيقى، وكانت مساهمة في مجلة المدرسة الحائطية. في البداية التحقت لوكريسيا ب«غرامار سكول»، ثم بمدرسة « كيوغا» الداخلية بمدينة «شيستر» بين عامي 1847 و1849، لتنتقل إلى «المعهد الانتقائي»، الذي كان والدها أحد مؤسسيه من 1850 إلى 1855، وفيه التقت بجيمس غارفيلد فنشأت بينهما علاقة حب استمرت رغم مغادرته المعهد إلى كلية «وليامز» بولاية ماساتشوستس للعمل أستاذا عام 1853عبر المراسلات البريدية. تخرجت لوكريسيا كمدرسة، وقيل إنها رفضت عرض الزواج الذي تقدم به جيمس لرغبتها في تحقيق ذاتها في مجال التعليم، لكنها قبلت عرضه مرة أخرى ليتزوجا عام 1858. السيدة غارفيلد بعد شهر عسل قصير عاد الزوجان واستقرا بهيرم في منزل مكون من غرفتين، لكن علاقتهما سرعان ما دب إليها الفتور الشديد بسبب خجل لوكريسيا وعدم قدرتها على التعبير عن حبها لزوجها، كما كان يظهر من خلال رسائلها إليه. وساهم في ذلك التزاماته المهنية، كما باعدت بينهما انشغالاته السياسية، حيث انتخب عام 1859 عضوا بمجلس الشيوخ، ثم عضوا بغرفة الاتحاد الأمريكي عام 1861، لتأتي الحرب الأهلية التي اندلعت في نفس السنة وتزيد من الفجوة بين الزوجين. وتردد أن جيمس غارفيلد كان يعبر عن ندمه على الزواج من لوكريسيا، وأقدم على خيانتها مع سيدة نيويوركية تدعى لوسيا كالهون. وخلال ست سنوات من الزواج لم يجتمع الزوجان تحت سقف واحد سوى ستة أسابيع فقط على فترات أنجبا خلالها طفلتهما البكر إليزا التي ولدت عام 1860. كانت أسهم جيمس كبطل ترتفع خلال الحرب الأهلية، حيث مكنه انتصاره في معركة كريك من الحصول على رتبة «رئيس كتيبة»، ثم رتبة «ماجور جينرال». أما لوكريسيا فكانت معاناتها تتعاظم بفقدانها ابنتها البكر إليزا عام 1863، ولم يخفف من هذه المعاناة سوى وجود الرضيع هاري. وحتى تنقذ زواجها قررت لوكريسيا التغلب على خجلها الشديد، ونجحت في التعبير عن حبها الكبير لجيمس، وتحولت علاقتهما الفاترة إلى حب كبير، وكبرت الأسرة بانضمام كل من هاري وجيمس وماري و إيرفن ثم أبراهام. أقام الزوجان بمنزل بواشنطن وتقاسما أصدقاء مشتركين مثقفين يتبادلون معهم الزيارات. كما عرف عن الزوجين غارفيلد تقاسمهما نفس الكتب وسفرهما معا كلما أتيحت لهما الفرصة. زوجة الرئيس رغم كرهها السياسة وأن تكون في دائرة الضوء، فقد كانت لوكريسيا من أكثر مستشاري زوجها الموثوق بهم، وقد ساهمت رتبة «ماجور جنرال» التي حصل عليها زوجها خلال مشاركته في الحرب الأهلية في دعم مساره السياسي. وبالرغم من عدم تحمسها لقراره الترشيح لمنصب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1880، فإنها لم تصارحه بذلك، وتمكن من الظفر بالمنصب ليؤدي اليمين الدستورية في الرابع من مارس عام 1881 ليصبح الرئيس العشرين في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتصبح هي السيدة الأولى وهي في سن التاسعة والأربعين. لم يكن لدى لوكريسيا أي حماس للقيام بدورها كسيدة أولى، لكنها خلال الشهرين الأولين لها بالبيت الأبيض كانت لطيفة مع الضيوف وكريمة معهم خلال حفلات العشاء، وقامت بجمع قائمة واسعة من المفروشات البيت الأبيض. في ماي 1881 ستصاب لوكريسيا باكتئاب وقلق وسينصحها الأطباء بضرورة الراحة والابتعاد عن واشنطن، فحزمت حقائبها وتوجهت إلى محطة علاجية بنيوجرسي. وفي يوليوز من نفس السنة تلقت خبرا مفجعا مفاده أن زوجها أصيب خلال محاولة اغتيال بجروح خطيرة على يد أحد العاطلين المطالبين بعمل، فعادت على وجه السرعة إلى واشنطن لتكون إلى جانب زوجها. صارع الرئيس الموت لمدة ثلاثة أشهر، كانت خلالها لوكريسيا قوية رغم مرضها ورعت زوجها، حيث كانت له خير ممرضة، مما أكسبها تعاطف الشعب الذي أحاطها بكل حب. لكن إرادة الموت كانت أقوى من إرادة الحياة، وتوفي الرئيس متأثرا بجراحه بعد ستة أشهر من توليه منصبه، ليكون ثاني رئيس يقضي فترة قصيرة بالبيت الأبيض بعد الرئيس هاريسون، الذي توفي إثر وعكة صحية بعد 32 يوما على توليه منصب الرئاسة. أعلنت لوكريسيا صراحة عن عدم ثقتها في تشستر أرثر، نائب زوجها الذي تولى الرئاسة بعد وفاة زوجها، ورفضت إجراء أي اتصال مباشر معه بعد الجنازة. شعلة متقدة وصفت الصحف الأمريكية الأرملة لوكريسيا بأنها «نموذج المرأة للأمة الأمريكية» وحازت على دعم وطني استئماني لها ولأطفالها وصل إلى 360 ألف دولار، بالإضافة إلى معاش تقاعدي سنوي يبلغ 5000 دولار، وهو ما جعلها امرأة غنية بقية حياتها. وتخليدا لاسم زوجها، قامت السيدة غارفيلد بجمع متعلقات زوجها وتشييد ضريح له ونحت تمثال نصفي له. ظلت لوكريسيا طيلة 36 سنة بعد وفاتها في دائرة الضوء بفضل آرائها، حيث ألحت على ضرورة مواصلة التعليم العالي لجميع الأطفال، وكتبت مقالات عن تدهور أخلاق الأطفال، لكنها بالمقابل رفضت إجراء المقابلات أو حتى إعطاء صور لها ولأولادها إلى الصحف. وشاركت لوكريسيا في الحركة التقدمية، وطالبت بالمساواة الكاملة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، كما طالبت بتساوي الأجور بينهما. وكانت لوكريسيا تؤيد الحزب الجمهوري الذي كان ينتمي إليه زوجها المغتال، لكن قيل إنها تحولت إلى دعم الحزب الديمقراطي. كما أيدت بقوة مشاركة الولاياتالمتحدة في الحرب الإسبانية الأمريكية، وأيضا مشاركة الولايات في الحرب العالمية الأولى، وتطوعت في الصليب الأحمر، وكانت تمرض الجنود المصابين العائدين إلى أمريكا، قبل أن تنطفئ شعلة نشاطها في 14 مارس عام 1918.